يواجه الجزائريون منذ أشهر أزمة حادة في السيولة النقدية لدرجة أن أجور العمال والموظفين تدخل حساباتهم كل شهر في مراكز البريد لكنهم لا يستطيعون سحبها وفي أحسن الاحوال يفرض عليهم سحب مبالغ بسيطة. ومنذ سنوات، تعاني الجزائر من حين لآخر من نقص في السيولة في مراكز البريد خصوصا مع اقتراب المناسبات التي تكثر فيها المصاريف كالأعياد ورمضان وعطلة الصيف. وفي الاشهر الاخيرة أصبحت أزمة السيولة دائمة ولم تجد لها الحكومة حلا سوى اصدار ورقة نقدية بقيمة الفي دينار (26 دولار) ابتداء من28 ابريل. وتمثل ورقة الالفي دينار ضعف اكبر ورقة نقدية متداولة حاليا وهي الف دينار. وعزا وزير المالية كريم جودي نقص السيولة النقدية على مستوى المصارف ومراكز البريد الى كثرة الطلب على الاموال نتيجة زيادات الاجور. وقال جودي لوكالة الانباء الجزائرية ان «نقص الاوراق المالية راجع الى الفرق الكامن بين تموينات بنك الجزائر المؤسسة التي تصدر النقود والطلب الكبير على مستوى مراكز البريد التي تزايدت خلال الاشهر الستة الاخيرة، نتيجة للزيادة في اجور عمال الوظيف العمومي « أي القطاع العام. واستفاد كل الموظفين من زيادات متفاوتة في الاجور وصلت في بعض الاحيان الى50 بالمائة، وبأثر رجعي من2008 . وقال جودي إن لجوء البنك المركزي الى اصدار ورقة مالية جديدة قيمتها2000 دينار «جاء للاستجابة بسرعة للطلب على الاوراق النقدية «. ويبلغ عدد العاملين في القطاع العام6 ,1 مليون موظف يضاف اليهم مليوني متقاعد يتقاضون كل شهر رواتبهم في مراكز بريد الجزائر. وتدير مؤسسة بريد الجزائر أكبر حصة من الاموال في السوق المالية الجزائرية. ويقدر عدد زبائنها بأكثر من12 مليونا اي حوالي ثلث سكان الجزائر البالغ عددهم35 مليون نسمة. وقالت الاستاذة الجامعية ميسان موسى لوكالة فرنس برس «راتبي حوالى60 الف دينار (800 دولار). عندما اتقدم الى مكتب البريد لسحب راتبي لا يسمح لي بسحب سوى عشرين الف دينار كل مرة «. واضافت هذه السيدة التي كانت تتحدث في اكبر مركز للبريد في وسط العاصمة الجزائرية «اعيش على هذه الحال منذ حوالي سنة ما جعل حسابي نظريا مليئا بالأموال لكني في الحقيقة لا أتمكن من سحبها «. وأكد موظف في مركز البريد نفسه ان الحد الأعلى للسحب محدد بعشرين ألف دينار في اليوم، مع إمكانية سحب نفس المبلغ في اليوم التالي. ووزعت مؤسسة بريد الجزائر مجانا بطاقات للسحب الآلي للأموال. لكن استعمالها صعب خصوصا من قبل المتقاعدين المسنين الذين يصعب عليهم تذكر الرقم السري بينما لا يعرف كثيرون منهم القراءة والكتابة، ويحتاجون لمساعدة موظف البريد لسحب أموالهم. اما عمليات الدفع الالكتروني فتكاد تكون معدومة بسبب عدم توفر الاجهزة في كل المحلات التجارية وكذلك لتعود الجزائريين على الدفع نقدا. وحتى التجار الكبار يتعاملون بالملايين نقدا بدون أن تدخل أموالهم البنوك. وحاولت الدولة فرض استخدام الشيكات المصرفية والصكوك البريدية للمبالغ التي تتعدى50 الف دينار (666 دولار). لكنها تراجعت عن ذلك بعد احتجاجات ضد غلاء الاسعار في يناير الماضي. وكان يفترض ان يدخل هذا الاجراء حيز التنفيذ اعتبارا من مارس الماضي. وقد صرح وزير البريد وتكنولوجيات الاعلام والاتصال موسى بن حمادي ردا على سؤال في البرلمان من قبل أنه يعول كثيرا على فرض استخدام الشيك للتخفيف من أزمة السيولة. وعزا الوزير الجزائري المشكلة اساسا الى مختلف الادارات التي تصب اجور موظفيها في وقت واحد. كما حمل زبائن بريد الجزائر المسؤولية لأنهم يسحبون كل راتبهم دفعة واحدة. ولا تستطيع الادارات تغيير تاريخ دفع الاجور ولو بضعة ايام لأن ذلك سيثير غضب الموظفين. كما أن هؤلاء الموظفين مضطرون لسحب كل اجورهم لمواجهة غلاء الاسعار، لذلك «لن يكون حل مشكل السيولة النقدية غدا» حسبما رأى موظف في بريد الجزائر.