أي أغنية تليق اليوم بنهر بردى في دمشق؟!.. ذلك أن المواويل التي ينشدها بشكل نشاز، هذه الأيام، جماعات «الشبيحة»، في شوارع سوريا، تصيب بالتقزز والغثيان.. وكل من شاهد صور الفيديو التي يستأسد فيها عناصر الأمن السوري، بالرفس على أجساد ورؤوس مواطنين سوريين عزل، مكبلي الأيدي ومطروحين أرضا، سيصاب بالعار في إنسانيته قبل عروبته. بل إن التلذذ الذي كان يصدر عنه أولئك الأُسْدُ البواسل، هو عنوان أزمة في التربية السلوكية لمن هم موكول لهم ممارسة واجب الأمن بمسؤولية.. وكل ما تفعله عدد من أنظمتنا العربية الشمولية، التي تدعي حماية الأوطان، هو أنها تبدع لنا أشكالا آدميين تدخل أسماؤهم وأفعالهم، دفتر العار في ذاكرة الناس. فبعد «البلطجية» بمصر مبارك، و«بلاطجة» بيمن الصالح، ها نحن نكتوي في إحساسنا الإنساني وانتمائنا العربي، ب «شبيحة» أسد سوريا.. كما أن جر جتث القتلى بشكل مقزز في الشارع العام، بعد تلك السرعة الهائلة في الضغط على الزناد، لإسكات صوت الإصلاح، يحار المرء كيف يسميه، هل الوحشية أم الهمجية؟!.. لأن سحل الجتث وهي تقطر دما، لم يشاهده العرب سوى في فلسطينالمحتلة، حيث الصهيوني ينتقم من الشهيد مرتين، مرة بقتله ومرة بالتمثيل بجتثه التي يجرها كالبهيمة!!.. ترى، ما الذي سيقولة نزار قباني، لو كان لا يزال بيننا هنا، عن عيون الدمشقية الباكية هناك؟!.. ما الذي سينشده الماغوط، أو يكتبه سعد الله ونوس، لو امتد بهما العمر، حتى يروا منطق الغاب، هذا الذي يسري في بلاد الشام؟!.. بل ما الذي سيقوله قبلهما المتنبي وأبو فراس الحمداني؟!.. وأي حكمة سيطلقهما أبوالعلاء المعري، في بلدته الشامية «معرة»، النائمة هناك في جغرافيات الحكمة والبصيرة ببلاد الشام الشاسعة؟!.. ما الذي كانت ستفعله زنوبيا، أميرة العزة في بلاد تدمر القديمة، التي كان يعتقد أن بياض أسنانها الناصعة من اللؤلؤ؟!.. وما الذي كان سيفعله صلاح الدين الأيوبي وسيف الدولة الحمداني، وصف طويل من رجال ونساء الشام، الذين صنعوا مجدا للإنسان في تلك البلاد المثقلة بالتاريخ والعز والشرف؟!.. كلهم، أكيد، سيضمدون جراح الأرض، وسيرشون البَرَد على أعين الشهداء الذين يسقطون هناك بالعشرات.. سيغنون ذات أغاني الكبرياء، في مسرحية الماغوط ودريد لحام «شقائق النعمان»، وسيطرحون، بتحد ذات السؤال الذي طرحه شاعر سوريا الآخر، عمر أبوريشة، في واحدة من أجمل قصائده: «أيها النسر، هل سأعود، كما عدت/ أم أن السفح، قد أمات شعوري»!!.. واضح، أن نسر الحرية والعزة، عاد للتحليق هناك في نهر بردى بدمشق، وهو ينصت لشعار السوريين الحاسم: «واحد، واحد، واحد.. الشعب السوري واحد». هذه هي الأغنية، هذا هو الشعار، وهذه هي الحقيقة الواضحة.. وفي الفيلم السوري الفاتن «دمشق مع حبي» للمخرج محمد عبد العزيز، تخلص الدمشقية للحبيب سنوات طوال، ولم تتعب أن تصعد الجبال للوصول إليه.. وأهل الشام، من درعة حتى دمشق، مرورا باللاذقية وحلب وحمص وحماة، يصعدون درج الوفاء لصورة الشام المنسوجة والمفتولة من العز والإباء.. الدم يراق هناك، والحرية تزهر في ضفاف نهر بردى، في ضفاف نهر الحياة، قرب جبل الشيخ والجولان وجبل قاسيون.. هناك تظئ القناديل بليل، درب الحياة..