أمام المد الذي يشكله الأئمة الراديكاليون في شبكة الأنترنت, و هو ما يعرف نجاحا باهرا, فتحت ألمانيا بإحدى جامعاتها شعبة لتكوين رجال الدين المسلمين و هو ما يشكل سابقة من نوعها في أوربا. طوماس شني «طيب, أنظر إلى ساعتك؟ سوف أفسر لك الإسلام خلال ثلاثين ثانية, الأمر يسير و الجميع يستطيع القيام به» , هكذا يتكلم أبو حمزة ,الذي كان إسمه في السابق «بيير فوغل» إلى مستمعيه. فالرجل الأصهب اللحية الذي يضع طاقية فوق رأسه و يرتدي القفطان التقليدي مع خدود بارزة -تشير إلى مساره القصير كملاكم- هو أحد المعتنقين الألمان للإسلام بل هو أشهرهم في البلاد. فدرسه حول الإسلام, و الذي يتم بته عبر اليوتوب, يعد واحدا من الخطب الدينية الإسلامية التي تتناسل على الأنترنت الألماني. و الأسلوب كالتالي, سؤال ديني أو عملي يليه رد قصير و شعارات مميزة, و الكل بلغة ألمانية جيدة : «نعم, لننطلق. الإسلام هو الاعتقاد في إلاه واحد .هذا الإلاه هو الموجه و الخالق القدير للكون» هكذا يتكلم حمزة-فوغل بطريقة مغني الراب. فمنذ عبوره لمدة سنة و نصف بجامعة أم القرى بمكة سنة 2004 ,و هو يتنقل بين المساجد و قاعات المحاضرات بألمانيا مفسرا اعتناقه الإسلام, الذي يعد السبيل الوحيد «للنجاة من الجحيم». و يعلق الأستاذ رؤوف سيلان و هو عالم اجتماع متخصص في الإسلام قائلا: «خطاب بيير فوغل مليء بالمغالطات لكنه يقدم بطريقة بليغة و بالألمانية, و هذا يعجب الشباب». و الأستاذ رؤوف سيلان هو المدير المساعد للمركز الجامعي للدراسات البيثقافية حول الإسلام, و هو المركز الوحيد من نوعه الذي فتح أبوابه في سبتمبر الماضي بجامعة «أوسنابروك»(شمال غرب ألمانيا) و هو مركز يسعى إلى تقديم تكوين للأئمة و أساتذة الدين الإسلامي. تطل نوافذ مكتب الأستاذ سيلان على ساحة قصر» أوسنابروك» حيث يتخذ منه المركز مقرا .فمن هنا تأمل ألمانيا تطوير قواعد إسلام «مصنوع بألمانيا» (مايد إن دجرماني) ,و يوضح رؤوف سيلان الذي وضع كتابا تحت عنوان «أئمة الإسلام» : حوالي 2000 إمام يقدمون خطبهم كل أسبوع بألمانيا. قليل منهم أصوليون, و لكن الأصوليين منهم شباب عصامي يتحدث الألمانية بشكل جيد و يستخدم الأنترنت لنشر خطاباته. إنهم يبسطون الإسلام إلى حده الأقصى و يسيسونه, و بذلك يفتنون الشباب المنحدر من الهجرة, الذين غالبا ما يفرون من الأئمة المحافظين الذين يلقون خطبهم بالعربية أو بالتركية» دروس حول المجتمع و الهجرة و إلى جانب هذا الجيل الجديد من «أئمة الأنترنت» المتأثر غالبا بالأورتودوكسية السلفية, يحصي سيلان أغلبية من الأئمة غير المتطرفين و المحافظين البعيدين عن إشكالية الاندماج. و هذه حال الثمانمائة إمام الذين ترسلهم تركيا و تؤدي أجورهم و هم يمكثون ثلاث أو أربع سنوات في ألمانيا و هم يجهلون في الأغلب كل شئ عن اللغة و السياق السياسي و الاجتماعي للبلاد. و يفسر رؤوف سيلان الأمر قائلا :» ردا على هذا نريد تكوين أئمة بلغاء متفتحين على المجتمع المحيط بهم و قادرين على مواجهة خطابات المتطرفين, نريد تكوين أئمة فاعلين من أجل الاندماج لا عائقا أمامه». في «أوسنابروك» يشغل موسى الحسن دياو منصب المسؤول عن تأطير التكوين الذي يخضع له هذه السنة 31 إماما و عاملة اجتماعية في مساجد المنطقة, و هو يقول : «لا نقدم دروسا فقهية, بل نقترح في البداية دروسا لاكتشاف المجتمع الألماني و مؤسساته و لكن أيضا دروسا حول ظاهرة الهجرة و انعكاساتها الاقتصادية و الثقافية و النفسية» و من جهته يقول عبد الجليل زيتون عميد المسجلين في التكوين و إمام مسجد إبراهيم الخليل أقدم مسجد بأوسنابروك. و عبد الجليل هذا سوري الجنسية حل بألمانيا منذ أربعين سنة و هو حاصل اليوم على الجنسية الألمانية و يتحدث اللغة الألمانية بطلاقة :» لم أتسجل من أجل نفسي بقدر ما تسجلت لإعطاء المثل للأئمة الشباب. فمن الأساسي أن يعرفوا ألمانيا جيدا ثم أننا نتعلم دائما. فمن المفيد لي أن نعرف كيفية اشتغال المصالح الاجتماعية من أجل الاشتغال معهم و أن نكتشف في أي إطار قانوني تنظم العلاقة بين الكنائس و الدولة في ألمانيا...و أنا اليوم ألقي خطبي باللغة الألمانية و النتيجة أن لدي اليوم حوالي 200 شخص يأتون للإنصات لي كل جمعة و من بينهم كثير من الشباب» و ينظم مسجده بانتظام لقاءات مع القساوسة المسيحيين بالمدينة, لكن عبد الجليل زيتون يشتغل أيضا من أجل زرع الإسلام في المجتمع الألماني و هو نائب رئيس شورى مقاطعة ساكس السفلىو هي تجمع يضم ثلثي الجمعيات الإسلامية بالمنطقة و قد اتفقت مع الحكومة المحلية على إعطاء دروس حول الإسلام في المدارس ذات الأغلبية المسلمة من التلاميذ. ماستر لسنة 2011-2012 حتى نهاية التسعينات, اعتبرت الطبقة السياسية الألمانية أن «العمال المدعوين» بألمانيا منذ الستينات سيعودون إلى بلدانهم. لهذا لم تبذل أي مجهود خاص لإدماج السبعة ملايين أجنبي بالبلاد إضافة إلى ثمانية ملايين ألماني مولودين من أبوين مهاجرين. و هكذا أصبح الإسلام ثالث ديانة بالبلاد, و مع غياب سياسة إدماج واضحة و غياب محاور تمثيلي أعاق كل حوار بين المجتمع الألماني و مسلميه. و مع حكومة «شرودر»و إصلاح قانون الجنسية سنة 1999 وعت ألمانيا باهمية الاندماج و الحوار بين الثقافات. و هكذا استضافت الحكومة الفدرالية سنة 2006 أول ندوة ألمانية حول الإسلام و سهلت إنشاء مجلس التنسيق بين مسلمي ألمانيا, و منذ ذلك الحين تم ربط التواصل رغم أن الوجه الإيديولوجي لبعض المنظمات الإسلامية الحاضرة للندوة ظل موضع نقاش. و قد تم وضع برنامج طموح من بين أهدافه الإدماج المؤسسي للإسلام و مساندة الجيل الجديد من المهاجرين و تطوير الدروس الإسلامية بالمدارس الألمانية إلى جانب الدروس الكاثوليكية و البروتستانتية و إنشلء كليات للفقه الإسلامي قادرة على تكوين الأساتذة و الأئمة. و حول هذا الموضوع يقول البروفيسور «بولنت أوكار» مدير المركز و عضو الندوة الألمانية حول الإسلام :»مشروعنا و المهمة التي أوكلت لنا هي العمل على إعداد و تأسيس إسلام ألماني. إسلام يعترف بالدستور و يندمج في المجتمع المسيحي العلماني.نحن في طريقنا لتكوين دكاترة في الفقه الإسلامي و نأمل أن نقدم شهادة ماستر خلال السنة الجامعية 2011-2012 و هي الدرجة الأولى نحو تكوين أئمة ألمان حقيقيين.» النموذج النمساوي تم افتتاح مركز «أوسنابروك» للتكوين في اللحظة نفسها التي صدر فيها كتاب «ألمانيا تتهدم» لصاحبه «ثيلو سارازين» الذي بيع منه حوالي 1,2 مليون نسخة , و هو يتحدث عن الخطر الدمغرافي للمهاجرين المسلمين و عن انخفاض مستوي تكوينهم و هو يتهمهم بالاستفادة من النظام الاجتماعي لألمانيا دون إرادة منهم في الاندماج و من جهته يقول»مارك دول» أحد مؤسسي حزب «الحرية» المعادي للمسلمين : «لا أرى سببا في تكوين أئمة ألمان على حسابنا نريد إلغاء صناعة الإدماج هاته التي تنفق الملايير دون طائل, فإذا أراد هؤلاء أن يندمجوا فليقدموا الدليل ثم نرى بعد ذلك» أمام هذا الخطاب يحب موسى الحسن دياو و هو مواطن نمساوي من أصول موريتانية, أن يقدم النموذج النمساوي, فبالرغم من محافظة هذا البلد الأوربي إلا أنه هو البلد الأوربي الوحيد الذي منح الإسلام ,لأسباب تاريخية, وضع الدين الرسمي منذ 1912 : « لقد حاول اليمين الشعبوي لجورج هايدر أن يلعب على الخوف من الأصولية الإسلامية, لكنهم حين حاولوا منع النقاب , أوقف المجلس الدستوري الشكوى باعتبارها لا تتماشى مع حرية التدين. فالنموذج النمساوي يظهر أن تعايش الديانات ممكن في ألمانيا و في أوربا» لكن الطريق سيكون طويلا, لأن الطبقة السياسية و إن أشادت بالتعاون الذي بدأ مع المسلمين إلا أنها تشتغل فوق أرض مليئة بالمطبات و تتعامل دوما مع مخاوف جزء غير يسير من الناخبين, و هذا ما يفسر التردد الكثير لأنجيلا ميركل التي تحذر مواطنيها مرة من ضرورة التعود على المساجد في بلادهم و في مرة أخرى تعلن أن التعددية الثقافية قد ماتت و أن السياسة لم تتوقف أبدا عن الاستناد للمبادئ الأخلاقية للمسيحية. ليبراسيون الفرنسية 8 أبريل 2011