اكتظت القاعة الكبرى لمقر السي عبد الرحيم بوعبيد وغصت جنباتها بالمناضلات والمناضلين الذين حضروا وتتبعوا وشاركوا بنقاشهم البناء والهادف والجريء من خلال طرح القضايا التنظيمية والسياسية لحزبنا، والمناسبة انعقاد المجلس الإقليمي الموسع الذي دعت له الكتابة الإقليمية بمكناس وأطره عضو المكتب السياسي الحبيب المالكي. وفي كلمة مقتضبة رحب الكاتب الإقليمي الأخ محمد إنفي بالأطر الحزبية ومن خلالها بعضو المكتب السياسي، معتبرا هذا المجلس بداية لعمل جديد يتوخى منه تفعيل الأداة الحزبية بالإقليم لتكون في الموعد، وفي مثل هذه الظروف بالذات للمساهمة في الدينامية الجديدة إن وطنيا أو إقليميا. بعد ذلك استعرض المالكي الخطوط العريضة التي مر منها الحزب إقليميا ووطنيا منذ 1959 ، مذكرا بالنضالات التي كان للاتحاد فيها الباع الطويل ليعرج بعد ذلك على ما ينتظر الاتحاد من محطات نضالية كبرى على المدى القريب، وبخاصة الإصلاحات الدستورية والسياسية التي كان الاتحاد سباقا إلى المطالبة بها. وتعميما للفائدة ننشر أهم النقاط كما تناولها عضو المكتب السياسي الأخ الحبيب المالكي. «أخواتي إخواني المناضلين أشكر الإخوة في الكتابة الإقليمية بمكناس الذين أتاحوا لي الفرصة لنتدارس معكم في هذا اللقاء التواصلي انشغالات حزبنا واهتماماتنا جميعا بالتطورات الأخيرة التي لا شك أنكم تتابعونها عن كثب، خصوصا وأن لمدينتكم تاريخا مشرقا في الكفاح من أجل مغرب حر وديمقراطي. لقد تميزت مدينة مكناس منذ أواخر الخمسينات بنضالها وتضحياتها في واجهات متعددة، كما اشتهرت بعطائها المتميز في مختلف المجالات، مما جعلها قبلة بالنسبة لحزبنا، وكانت مختبرا نضاليا في مرحلة معينة وخاصة في منتصف السبعينات، سواء من حيث المد أو الجزر الذي يميز عادة العمل السياسي . لكن الأساسي هو حضوركم المكثف الذي يعد إشارة قوية عن وجود إرادة حقيقية لتجاوز كل ما من شأنه الحد من إشعاع هذه المدينة وموقعها السياسي والتنظيمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي. ويمكن القول إن حضوركم هذا هو رسالة قوية للجميع للاستمرار في التمسك بحزبنا مهما كانت المشاكل ومهما كانت المعوقات ومهما كانت القضايا الخلافية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لأسباب مختلفة جعلت تنظيماتنا في المدينة والإقليم في وضعية دون مستوى ما نطمح إليه جميعا، رغم كل المجهودات التي بذلت. ويجب أن نعتبر لقاء اليوم نقطة انطلاق لمسيرة جديدة من أجل إعادة بناء حزبنا عموديا وأفقيا لأن ما ينتظرنا اليوم أكبر بكثير من مشاكلنا الداخلية التي كيفما كان حجمها وأهميتها تبقى أشياء طبيعية في حياة حزبنا، ولكن كذلك ننظر للمرحلة التي نعيشها اليوم والتي سنتحدث عنها بنفس الروح، وبنفس الانفتاح وبنفس الجرأة وبنفس الواقعية. لابد من أن نعالج مشاكلنا الداخلية الذاتية منها والموضوعية، ومرة أخرى نسجل الحضور المكثف للأطر الحزبية الذي، من خلاله، نلمس الإرادة القوية من أجل إعادة بناء حزبنا؛ لذلك أجدد لكم الشكر على حضوركم النوعي والوازن . أيتها الأخوات أيها الإخوة إن طموح المكتب السياسي طبعا هو طموحكم ورغبته هي رغبتكم وتوجهه هو توجهكم ، والأمل هو أن نحصن حزبنا من أجل تعزيز وتقوية وتصحيح كل ما يمكن تصحيحه داخل التنظيمات سواء بمكناس أو في مدن وأقاليم أخرى؛ والمكتب السياسي في حاجة إليكم وإلى كل من ينخرط في هذا اللقاء التواصلي الذي نعتبره نقطة انطلاق لمسيرة جماعية خاصة؛ ونعلم أنكم تتابعون كل ما يجري داخل الحزب والساحة الوطنية، الشيء الذي يعتبر مؤشرا على تحول أو بداية التحول في الحياة الحزبية. أذكركم أخواتي إخواني بأن المجلس الوطني لحزبنا منذ بداية هذه السنة، عقد عدة دورات واجتماعات باعتباره المؤسسة التقريرية أو كما ينعت ببرلمان الحزب. هذه اللقاءات المتكررة للمجلس الوطني تمخضت عنها مواقف وقرارات حزبية تخص القضايا الوطنية التي تهم مستقبل بلدنا، خصوصا في ما يتعلق بالإصلاحات الدستورية والسياسية، بحيث يمكن القول أن الاتحاد الاشتراكي استرجع زمام المبادرة. فقد كنا سباقين في طرح الإصلاح الدستوري والسياسي، ومواقف حزبنا من خلال مجلسه الوطني أكدت على أن سنة 2011 يجب أن تكون سنة الإصلاحات الدستورية والسياسية. وقبل ذلك، كنا اعتبرنا سنة 2010 سنة التنظيم وإعادة التنظيم، بل وتحديد أفق تنظيمي جديد. وهذا هو الذي جعلنا نجتهد ونشتغل طيلة السنة الماضية في إطار الندوة الوطنية التنظيمية التي خرجت بعدة مقترحات وتوجهات انطلاقا من تجربة حزبنا في المجال التنظيمي وكذلك استجابة للمرحلة الحالية. وفي الدورة المقبلة لمجلسنا الوطني، سنعلن عن التوجهات التنظيمية الجديدة وكل ما من شأنه أن يفعل ويكيف نظامنا الداخلي وكذلك القانون الأساسي لحزبنا بكيفية طبيعية ومنطقية. انطلاقا مما ذكرناه يبدو أن هناك ترابطا عضويا بين ما قررناه تنظيميا في 2010 وما يطرح من إصلاحات دستورية وسياسية في 2011، وإن كان الاتحاد قد أثارها في مذكرة خلال شهر ماي من سنة 2009 تفعيلا لمضامين البيان العام للمؤتمر الوطني الثامن لحزبنا، هذه المذكرة التي أثارت نقاشا واسعا وانتقادات معقولة للقواعد الحزبية وتنظيماتها، وأيضا لدى جزء كبير من الرأي العام الوطني. بطبيعة الحال يمكن أن نعتبر عدم تعميمها نقدا ذاتيا لأنه كان من الواجب، سياسيا، أن نعلن في الوقت المناسب عن فحوى هذه المذكرة لتصبح ملكا للحزب بكل مكوناته وليس ملكا للمكتب السياسي، بل أكثر من ذلك ملكا للرأي العام الوطني، وأن تصبح مادة أساسية للنقاش ولتعميق الوعي من أجل شرعنة الإصلاحات الكبرى لبلادنا التي نعتبرها مصيرية ويجب أن ينخرط فيها الجميع، خاصة أن لدينا تجربة في تسعينيات القرن الماضي حيث أن حزبنا في إطار الكتلة الديمقراطية سنة 1992 و1996 تقدم أيضا بمذكرة تطالب بضرورة الإصلاحات الدستورية بكيفية خاصة، وكانت موضع نقاش مستفيض ونشرت في الإعلام الحزبي ونوقشت في عدة ندوات ولقاءات لأن قضية الدستور وقضية الإصلاح قضية وطنية تهم الشعب المغربي كافة. أخواتي إخواني ما حدث حولنا منذ نهاية السنة الماضية وبداية هذه السنة وما يعيشه المغرب الكبير وما يعيشه العالم العربي من تحولات ديمقراطية، أصبح معها المطلب الدستوري مطلبا قوميا إذا صح التعبير. إن قرارات مؤتمرنا الوطني الأخير 2008 ومذكرة الإصلاحات المرفوعة إلى جلالة الملك تنفيذا لمقررات المؤتمر وما تعيشه الشعوب العربية من حراك بحثا عن الديمقراطية ... يؤكد صواب موقف حزبنا. إن دسترة المؤسسات تعني بناء دولة تستجيب لمتطلبات المرحلة التاريخية التي نمر منها جميعا وتأخذ بعين الاعتبار التطورات الكونية في مجالات مختلفة . أكثر من ذلك، فإن الحركة التي يعيشها الشباب المغربي في الأسابيع الأخيرة وتبنيه لكل مطالبنا في كل ما له علاقة بضرورة وبحتمية الإصلاحات الدستورية والسياسية، كل هذا يؤكد مرة أخرى صواب مواقف الاتحاد الاشتراكي رغم أن البعض كان يعتبر الإصلاح الدستوري ترفا، وأن إقحامه في الأجندة السياسية والوطنية ليس أسبقية من الأسبقيات وأن اهتمامات المواطن المغربي هي اهتمامات،»إذا سمحتم»، خبزية، ولست بحاجة هنا إلى ذكر الأسماء. وجاء الخطاب الملكي ل 09 مارس 2011 حاملا رسالة قوية تأخذ بعين الاعتبار كل المطالب التي أشرنا إليها والتي سوف ندقق بعض الجوانب منها. والاتحاد الاشتراكي في دورة مجلسه الوطني اعتبر الخطاب الملكي ل09 مارس منعطفا في تاريخ الإصلاح الدستوري... إن على مستوى التوجهات العامة أو على مستوى المنهجية المتبعة في ما يخص إصلاح الدستور؛ لكل ذلك أريد أن أقول، وهذا ليس من باب المزايدة، أننا كنا دائما على حق لأننا ننظر دائما للمستقبل. لقد بادرنا منذ أزيد من سنة وفي سياق أجرأة ما صادق عليه المؤتمر الوطني الأخير والذي ألح على ضرورة فتح هذا الورش الإصلاحي ليصبح التغيير في بلادنا مستمرا بعد أن توقف سنة 2002، لذلك فمسؤوليتنا اليوم مستمدة في العمق من مسؤوليتنا بالأمس، ولا نبالغ عندما نقول بأنها مسؤولية تاريخية. وإذا لم يتحمل الاتحاد الاشتراكي كامل مسؤوليته لصيانة هذا المسلسل وتحصينه وإعطاء المضامين الضرورية والملموسة لما يجب أن يكون عليه الدستور المغربي في المستقبل، سيسائلنا المستقبل على ذلك. أخواتي إخواني إن مسؤوليات الاتحاد جسيمة وثقيلة في هذه المرحلة الجديدة وفي هذا الظرف ، ولهذا يجب أن نصحح أوضاعنا الداخلية؛ وبدون ذلك، لا يمكن أن نعبئ الشعب المغربي غدا في اتجاه تعزيز المكتسبات. فإذا لم تصحح هذه الأوضاع التنظيمية بكيفية جادة على أساس التسامح والحوار انطلاقا من ضوابطنا وانطلاقا من تراثنا المشترك ومن هويتنا ومما ينتظرنا، فإننا لا نعتقد أن هذا المسلسل الجديد سيعطي كل ثماره. نعم أيتها الأخوات أيها الإخوة، تحملنا مسؤولية تسيير الشأن العام سنة 1998، انطلاقا من تصويتنا بنعم السياسية لفائدة الدستور الذي وفر شروط تجربة التناوب التوافقي وفتحنا أوراشا عدة، لكنها توقفت سنة 2002 وتوقف معها الانتقال الديمقراطي. وما التراجعات التي عشناها إلا نتيجة هذا التوقف، لكن من مسؤوليتنا أن نجعل من الدستور الجديد تعبئة نتوجه بها نحو 2012 لاستكمال الانتقال الديمقراطي لكي تصبح الحياة السياسية طبيعية تميزها الشفافية من خلال احترام قواعد اللعب الديمقراطية. علينا أن نجعل من التراجعات التي اشرنا إليها منطلقا للتفكير في المستقبل لنقول كفى وما عشناه لا نريده أن يتكرر. إن حزبنا يتوفر على مشروع التغيير والمضي نحو الأفضل لأنه يتوفر على إمكانيات متعددة وعلى كافة المستويات ( فئة الشباب والنساء و...). لقد وضع مجلسنا الوطني التوجهات العامة للنسخة الأولى من الإصلاحات التي سنقدم في شأنها مقترحات ملموسة للجنة التي تسهر على صياغة الدستور الجديد؛ ومن بين المحاور الكبرى لهذه المذكرة ما يرتبط بالمؤسسة الملكية والبرلمان والحكومة والجهة التي تعتبر من ركائز مغرب الغد. إن الإصلاحات في عمقها نوعية بدليل أنها تهم الهوية المغربية من خلال دسترة اللغة الأمازيغية التي لا أخفيكم سرا أن نقاشا متطورا حول هذا الأمر انطلق في صفوف حزبنا. وما نعتبره إيجابيا أنه ولأول مرة تطرح فيه مسألة فصل السلط دون تلكؤ، إذ لا أحد كان يتحدث عن الفصل 19 من قبل على الرغم من كون إمارة المؤمنين من الثوابت لأسباب تاريخية ودينية وسياسية. أما مصدر التشريع فتبقى المؤسسة البرلمانية الإطار الوحيد لذلك لأن ثنائية التشريع في عصرنا تطرح إشكالات، ولأن ازدواجية التشريع لا تساعد على توضيح الرؤية بل هي بكل بساطة تهميش للسلطة التشريعية. وإن ما يميز التصور الجديد هو تحديد صلاحيات الوزير الأول لأنه سيصبح المسؤول الأول عن تطبيق برنامج الحكومة وعن الإدارة بكل قطاعاتها، ولأول مرة منذ فجر الاستقلال ستكون حكومة ما بعد 2012 سياسية من خلال دسترة مجلسها التي تضع الحدود الفاصلة في المسؤوليات وتقوي سلطات الوزير الأول. ويمكن القول أن دستور الغد هو مطمح جميع المغاربة، والاتحاد سيناضل من أجل إقناع حلفائه لتبني أفكار متقدمة. أما مسألة استقلال القضاء فتبقى من الأولويات الكبرى ومن القضايا الحتمية التي ناضل من أجلها حزبنا الذي يعتبر أن المواطن هو ضحية لعدم احترام هذه الاستقلالية؛ لذا يجب إعمال آليات جديدة من أجل تطويره. ولإنجاح هذا الورش الإصلاحي الكبير، لابد أن يكون هناك موقع قدم للمرأة المغربية في هذه الهندسة الجديدة إذ لا يمكن لأي إصلاح أن يسير في الاتجاه الصحيح دون إشراكها، وحزبنا ناضل من أجل أن تكون المرأة المغربية مشاركة في صنع القرار. وما تخصيص نسبة معينة في المؤسسات المنتخبة لها إلا دليل على رؤيتنا المتقدمة في المجتمع. فالتوازنات الجديدة للسلط لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار التطورات التي حصلت أفقيا بعدما كان كل شيء يتم عموديا؛ ويعتبر هذا تطورا كبيرا في الحياة السياسية ببلادنا. أخواتي إخواني لقد تساءل الكثير من الساسة إن كان فعلا حزبنا قادرا على أجرأة مضامين البيان العام لمؤتمرنا، ونقول لهؤلاء إن من يحمل مشروع التغيير قادر على الإنجاز ومن يطرح سؤال القدرة من عدمه لا يمارس السياسة. إننا نريد أن نكون صانعي الدستور الجديد لنتجاوز ما يمكن تجاوزه لربح رهان معركة 2012، ومن هنا يجب أن نرجع إلى مكونات حزبنا وفق الضوابط الداخلية المبنية على أساس الانضباط، والانضباط يقتضي المحاسبة ودونها سنعيش في الفوضى. إن حزبنا عاش مرحلة تاريخية صعبة منذ 1959 أدى فيها مناضلونا ضريبة قاسية ويجب أن نعلم جليا أن ما نعيشه وما وقع في المغرب لم ينزل من السماء، بل هو تسريع في وتيرة الإصلاح التي كافحنا من أجله. لذا فإن مسؤوليتنا ثقيلة وعلينا أن نخرج للمجتمع ونفسر هذه الأمور للمواطن المغربي، علينا أن نفسر للمواطنين بأن الدستور الجديد سيرقى لا محالة بالحياة العامة للشعب المغربي، وسيعالج المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعيدا عن لوبيات الضغط. وإذا لم نفسر للمجتمع هذه الأمور سنعيش مسافة بعيدة عن الواقع لأن ما ينتظرنا داخل المجتمع صعب والشعب المغربي يرى فينا الأمل؛ فعلينا أن نكون في الموعد. نعم هناك غضب نضالي مشروع نعتبره لبنة بناء، لكن لا يجب أن نبقى سجناء لحظة ما، بل يجب أن نكون جميعا على موعد مع التاريخ، ومكناس، على الخصوص، هي جزء من صانعيه. إن الخلاف شرط لتعميق النقاش والحوار في ما بيننا، وبفضل القوة التفاوضية الداخلية يمكن أن تذوب الخلافات،إذا ما جعلنا من الحوار الأداة والأسلوب الأنجع لمعالجة كل قضايانا، خصوصا وأن لنا قواسم مشتركة أساسية تكرست عبر مراحل صعبة كانت امتحانا حقيقيا، لكن استطعنا أن نتغلب عليها.»