لقد دخل المغرب في دينامية غير مسبوقة في الشهور الأخيرة وأصبحت الاصلاحات الدستورية تحتل الصدارة. موضوع يسيطر ويوجه أجندة الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والرأي العام الوطني، كثر النقاش وتعددت اللقاءات وأصبحت وسائل الاعلام المنبر الرئيسي لجس نبض المثقفين والسياسيين والشباب عن شكل ومضمون الاصلاحات المرتقبة. وينصب النقاش وباستمرار على مجموعة من المحاور ذات أهمية قصوى في بناء دولة الحق والمؤسسات، دولة حقوق الانسان والحكامة الجيدة بدون أن يوجه أي اهتمام إلى نقطتين جوهريتين وأساسيتين في بناء المغرب الديمقراطي الحداثي، ألا وهما المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات والمناصفة في تقلد المناصب. إن طرح الدساتير المغربية السابقة يبقى ناقصا كون بنودها، وإن تؤكد على المساواة بين الجنسين أمام القانون، فهي لم تتطرق إلى المساواة بين الرجل والمرأة إلا في الميدان السياسي ، بنود غير كافية اليوم ولا تعبر عن نضال النساء من أجل المساواة والمناصفة، كون تعميق الديمقراطية وتحديث المؤسسات لا يتم بدون مساواة بين الجنسين ومناصفة. إن إدراج مطلب المساواة بين الجنسين والتعبير عنه بوضوح وشفافية في الدستور الجديد، أصبح ضرورة ملحة، لا يمكن تلافيها أو التخلي عنها وتمييعها وتأويلها بالرجوع إلى بنود عامة أو مرجعية حقوق الانسان، لقد حان الوقت لنسمي الأمور بأسمائها وألا نضع الحدود أو نلتزم الصمت كلما تعلق الأمر بالمساواة بين الرجل والمرأة. لن نكرر الصمت لأن التغييرات التي طرأت في المغرب في 15 سنة الأخيرة والمكتسبات الجديدة التي حصلت عليها المرأة المغربية، والتي أدخلت تحولات عميقة في وضعيتها، تحتم علينا اليوم ، نساء ورجالا، أن نعمل جاهدين من أجل إقرار جوهر هذه المكتسبات في الدستور المرتقب، أي المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. إن نضال النساء من أجل حقوقهن المشروعة ومساندة الجمعيات الحقوقية والتنموية ، ولجوء الفقهاء إلى الاجتهاد وحكامة ملك البلاد وسعيه المستمر إلى إنصاف المرأة ، أفرز اليوم مغربا جديدا، مغرب يخطو خطواته المتفاوتة نحو التعبير الحر، والديمقراطية والمساواة، وما لاحظناه في المسيرات الشبابية 20 فبراير و20 مارس، ليؤكد على أن المساواة بين الجنسين لم تعد مطلبا ولكن أصبحت ممارسة عادية، شابات وشباب جنبا إلى جنب يجوبون شوارع المدن، يدافعون عن نفس المبادئ، يعملون بنفس المنطق، يتحاورون ويتبادلون الحوار عبر FACEBOOK بكل بساطة، يخرجون في صفوف متراصة.. يدافعون بنفس الحماس والجرأة عن النهوض بمغرب جديد، مغرب الديمقراطية، مغرب الحكامة الجيدة، مغرب المساواة والعدالة الاجتماعية. إن جيل الانترنيت و FACEBOOK هو الذي سيعيش في ظل الدستور الجديد، لذا فالتنصيص على المساواة كما أكدنا عليه يصبح ملزما، والمناصفة أداة رئيسية لإرساء الديمقراطية. لنرجع إلى تشكيلة المجموعات المساهمة في الاصلاح الدستوري: على مستوى اللجن الرسمية أو اللجن الحزبية والسياسية، نلاحظ أن تواجد الشباب والنساء يبقى ضئيلا ولا يعبر عن القوة الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الفئات . وحين نطرح مسألة المساواة والمناصفة على بعض المثقفين والسياسيين ونسائلهم عن الصياغة الملائمة لإدراجها في الدستور الجديد، نجد أولا عدم الاهتمام بهذه القضية والرجوع ثانيا إلى مبررات زائفة مثل: - المجتمع المغربي غير ناضح وسوف لا يقبل بإقرار مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات - الحركات الاسلامية سوف تعارض هذا النوع من الاصلاحات - الهيئات السياسية غير مستعدة للتفاوض على هذا المبدأ - إذا أدرجت المساواة في النص سوف تلزم الدولة والأحزاب بتفعيلها، هل هم قادرون على ذلك؟ - قلة النساء المؤهلات للتبارز على السلطة تعوق تفعيل مبدأ المساواة. عبر هذه التبريرات المتناقضة مع التغيرات الطارئة في المغرب تدرك الهوة بين الأجيال، جيل الاستقلال وجيل الألفية، جيل السيطرة الرجولية والجيل الذي يعمل من أجل المساواة. فكيف يمكن تبرير عدم التنصيص في الدستور على المساواة بحجة أن المغاربة غير جاهزين لقبولها، هل كان المغاربة مستعدين لقبول مدونة الأسرة؟، هل كان كل البرلمانيين سيسايرون ويحبذون ويقبلون بالعمل بهذا النص، كانت بطبيعة الحال نقاشات مستفيضة وتعاليق مختلفة، ولكن في آخر المطاف وبعد مخاض عسير أخرجت إلى حيز الوجود وأصبح التعامل معها عاديا. إن الشعب المغربي واع كل الوعي بأن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم كما قال الأخ عبد الرحيم بوعبيد، وإن دستور 1996 أصبح متجاوزا في مجموعة من بنوده، لذا فإن تمت مراجعته فستكون مراجعة شاملة، وشموليتها تكمن في إدراجها مبدأ المساواة بين الجنسين والمناصفة في المجال السياسي لا على مستوى الديباجة ولا على مستوى بنود خاصة، مؤكدة كل التأكيد على سمو القوانين الدولية على التشريع المحلي. إن دور المشرع اليوم هو أن يعمل بآليات التمييز الايجابي كما عملت به مجموعة من البلدان الديمقراطية من أجل بناء عقد اجتماعي من أجل المساواة والمناصفة بين الرجل والمرأة.