ليس ثمة شك في أن الخطاب الملكي ل 9 مارس الحالي قد شكل لحظة متميزة في التطور الدستوري والسياسي لبلادنا. فقد مثل استجابة فاقت انتظار المتتبعين لرد الفعل المغربي في ظل الهزات التي يشهدها العالم العربي، والتي وجدت صداها من خلال حركة 20 فبراير. فقد فاجأ الملك بشمولية الإصلاح الدستوري الذي سيفتح مع أجراته آفاقا واعدة إذا توفرت له كافة الشروط لتحقيق المراد منه. لقد أعاد هذا الخطاب لبلادنا الريادة في مجال الإصلاح الذي قطع أشواطاً مهمة منذ تربع جلالة الملك على العرش، والذي عرف نوعاً من التعثر في المدة الأخيرة. فنحن أمام نفس جديد يطعم المسيرة الإصلاحية بدماء جديدة. ونحن أمام بداية دينامية أخرى لابد لكافة الأطراف من توفير الشروط الضرورية لإعطائها محتوى ملموساً. الأفكار التي تضمنها الخطاب الملكي لا تشكل تعديلا فحسب، بل تفتح المجال أمام هندسة دستورية جديدة قوامها ثلاثة أبعاد. البعد الأول يعيد بناء الحكامة الترابية على أساس الديمقراطية المحلية التي توجد في صلب كل تنمية مستدامة، والتي ترتكز على الجهة. في هذا السياق، فقد ذهب جلالة الملك أبعد من توصيات اللجنة الملكية حول الجهوية التي بقيت محافظة في استنتاجاتها عندما رفضت مطلب الإصلاح الدستوري كمدخل للجهوية، واقترحت على العكس من ذلك، مقاربة تركز فقط على العمل في ظل القانون الحالي في انتظار إنضاج شروط تعديل دستوري، لكن التحولات التي يعرفها العالم العربي، والتي هزت أركان أنظمة ظلت عصية على التغيير تبين أن درجة قياس النضج تبقى مشفوعة بالنسبية. فالخطاب الملكي تجاوز مقترحات اللجنة في هذا الإطار، معتبراً أن المجتمع المغربي وصل الى درجة من النضج تغني عن التدرجية، وتمكن من إدراج الجهوية الموسعة في صلب النص الدستوري. على هذا الصعيد، فإن هذه الدسترة ستتم عبر الانتخاب المباشر لأعضاء المجلس الجهوي، وتوسيع اختصاصاته، وتمكين رؤساء المجالس الجهوية من سلطات تنفيذية ظلت لحد الساعة من اختصاص العمال والولاة. في نفس الوقت، فإن مجلس المستشارين سيعرف تغيراً سواء في مكانته حيث سيتحول الى غرفة ثانية على شاكلة ما هو جار في كثير من الدول العريقة في الديمقراطية. ومن ثم ستتراجع اختصاصاته وتركيبته بحيث سيعبر عن التمثيلية الترابية للجماعات المحلية وليس السوسيو مهنية التي أصبحت ممثلة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي. أما البعد الثاني، فهو الذي سينصب على تركيز دولة القانون من زاوية حقوق الإنسان. وفي هذا الساق، يفتح الأمر نقاشاً حول تعددية الهوية المغربية من خلال إدماج الأمازيغية كتراث مشترك للمغاربة. وكذلك تعميق حقل حقوق الإنسان من خلال دسترة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وفي نفس السياق، التأكيد على استقلالية القضاء. وكذلك دسترة مؤسسات حقوق الإنسان والحكامة الجيدة، وتوسيع اختصاصات المجلس الدستوري المكلف بمراقبة ملاءمة القوانين للدستور. وأخيراً ينصب البعد الثالث على إعادة تنظيم السلطات. وفي هذا السياق، تحتل الحكومة حيزاً مهما من الإصلاح من خلال إبرازها كمؤسسة جوهرية في الحقل التنفيذي من خلال دسترة المنهجية الديمقراطية القاضية بتعيين الوزير الأول من الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد، وجعله رئيساً للسلطة التنفيذية ومسؤولا على الادارة وتطبيق برنامجه ودسترة مجلس الحكومة من خلال تحديد اختصاصاته. نحن إذن أمام أوراش متعددة تتطلب من جهة وضعها في قالب دستوري سيعرض على الاستفتاء. وهي المهمة المنوطة باللجنة التي يترأسها المناضل والفقيه الدستوري اللامع الأستاذ عبد اللطيف المنوني، تحت إشراف آلية سياسية مكونة من الأحزاب والنقابات، وهي التي يبدو أنها خلقت لتوسيع دائرة المشاورات لإنزال هذه الخريطة بهدوء وثبات. ومن جهة أخرى، فإن المبتغي منها هو إعطاء نفس جديد للدينامية الإصلاحية من خلال الانكباب على مجالات لا يتضمنها الدستور، ولكن يعبد الطريق نحو إنجازها. إذا كان الخطاب الملكي قد وضع خارطة للطريق تؤطر الإصلاح الدستوري المرتقب، فإنه لم يعتبر ذلك حصريا، بل دعا اللجنة الى الإصغاء الى تصورات مختلف الفاعلين قصد إثراء مقترحاتها النهائية. لذلك، من المنتظر أن تواجه اللجنة في عملها عدة إشكالات وتساؤلات. فكل صياغة لوثيقة دستورية ينبغي أن تراعي الانسجام الداخلي بين مكوناتها والتوازنات اللازمة بين متطلبات وقوى متباينة وكذا النجاعة الضرورية لتسمح للنظام بالاستمرار بشكل فعال. ودون استباق ما ستتمخض عليه أعمال هذه اللجنة، يمكن أن نتلمس بعض الإشكالات التي ستفرز طبيعة السقف الذي نتطلع إليه. ففيما يتعلق بتعميق الحقوق والحريات، يمكن أن تثور نقطتان. أولاها يتعلق بإدماج الأمازيغية في صلب الدستور. هل يتعلق الأمر فقط بالإشارة إلى تعددية الهوية المغربية التي توجد في صلبها الأمازيغية، وهو أ مر ليس محل جدل، أم في العمق، يمكن أن ينصب النقاش حول إدماج الأمازيغية كلغة. وفي هذه الحالة، هل المراد هو إضافتها كلغة رسمية الى جانب العربية، أم إدراجها كلغة وطنية، مما سيطرح إشكالا حول مبررات هذه الهرمية اللغوية. كذلك فيما يخص توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي مست العديد من المجالات، و التي سيتم دسترتها. يمكن على سبيل المثال، أن نشير إلى مركز المعاهدات الدولية في النظام الدستوري المغربي. لقد دعت تلك التوصيات إلى تكريس سمو القانون الدولي لحقوق الإنسان على القانون الوطني، وهو في الواقع، مطلب لن يبقى مقتصراً على هذا المجال، بل يطرح نقاشاً أوسع حول العلاقة بين الدستور والقانون الدولي الاتفاقي على ضوء الفصل 31 من الدستور الحالي، والذي صمد في وجه التعديلات منذ سنة 1962، إذا استثنينا التعديل البسيط الذي عرفه خلال دستور سنة 1996، عندما تحدث عن كون الترخيص بالمصادقة يتم بقانون بعدما كانت الدساتير السابقة تشير إلى المؤسسة البرلمانية. فهو يعطي للملك حق التوقيع والمصادقة على المعاهدات باستثناء تلك التي تكلف مالية الدولية التي تظل من اختصاص البرلمان. فهل سيعرف تعديلا يمكن من توسيع تدخل البرلمان في مراقبة التزامات الدولة الخارجية؟ من الأفضل تحديد بشكل أوضح، المجالات التي تتطلب موافقة من البرلمان قصد المصادقة, وتلك التي لا تفترض ذلك. في نفس السياق، من المستحب توضيح المسطرة الواجب اتباعها فيما يتعلق بالمصادقة على المعاهدات التي يمكن أن تكون غير متفقة مع نصوص الدستور. فالصيغة الدستورية الحالية غامضة وهي موضع نقاش أثير في عدة مناسبات. وهي لا تحدد ماهي الجهة التي تقرر مخالفة معاهدة الدستور. لذلك يمكن توسيع اختصاص المجلس الدستوري لتحديد نوعية المعاهدات التي يمكن أن لا تتلاءم مع الدستور، والتي تستوجب مراجعته قصد المصادقة عليها، كما هو الشأن في فرنسا حيث تم توسيع الدستور من خلال مجموعة من القوانين الدستورية كما هو الأمر با لنسبة للمصادقة على معاهدة ماسترخت في سنة 1992 ومعاهدة أمستردام في سنة 1999، وكذا النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في نفس السنة. وفي سياق تركيز الضمانات الدستورية لحقوق الإنسان، يبدو ضروريا توسيع مجال الدفع بعدم دستورية القوانين. وقد يتم ذلك من خلال السماح للأفراد أمام القضاء بعدم دستورية قانون ما أو تنظيم، على أساس أن تتولى محكمة عليا كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الدستوري أو غرفة من غرف المجلس الأعلى بالحسم في أمر دستوريته من عدمها.النقاش الثاني الكبير يكمن في الإشكالات الناجمة عن ترسيخ مؤسسة الحكومة في الهندسة الدستورية وهي تطرح في العمق الإشكال الصعب والمتمثل في تحديد نوعية النظام الذي نتطلع إليه من خلال تحليل معمق وواقعي الخصوصية المغربية. هل يتعلق الأمر بالتوجه نحو نظام برلماني, أم سنبقى في نفس المنظومة الحالية مع إعادة تدقيق للسلطات المختلفة؟ فما هي طبيعة التوازن بين اختصاصات الوزير الاول ومكانة الملك الذي يتمتع باختصاصات فعلية كرئيس للدولة باعتباره أمير المؤمنين والقائد الأعلى للقوات المسلحة. فضلا عن اختصاصاته الخارجية لكونه هو الذي يمثل مجموع الأمة داخليا وإزاء المحيط الخارجي. تبدو فكرة الملك الذي يسود ولا يحكم غير متوائمة مع مجمل هذه الاختصاصات التي ستظل مخولة للملك. لذلك لنفحص بعض الإشكالات على الأقل النظرية التي قد تصاحب تنفيذ هذه الإصلاحات. إن دسترة الوزير الاول من الحزب الذي احتل الرتبة الاولى في الانتخابات التشريعية شيء إيجابي ومهم، ولكن تطبيقه قد لا يخلو من صعوبات. فهو من جهة يترك دائما للملك حق الاختيار بين الاشخاص لأن الأمر قد لا يعني بالضرورة تعيين زعيم الحزب، كما هو الامر في أغلب الأنظمة النيابية التي يصبح فيها رئيس الحزب الفائز مكلفا بتشكيل الحكومة. ومن جهة أخرى قد يصبح غير منتج إذا لم يستطع الشخص المعين لهذا المنصب من تشكيل حكومة تتوفر على الأغلبية الضرورية للحصول على الثقة داخل مجلس النواب. فنحن نعرف أنه بدون الثقة لا يمكن للحكومة أن تباشر ولا أن تستمر في ممارسة عملها. وفي حالة فشل الشخص المعين هل يبقى الترشيح دائما ضمن الحزب الفائز أم يمكن تكليف شخصية من حزب لا يتوفر على هذا الامتياز؟ في نفس الوقت هل سيحدد أجل لتشكيل الحكومة؟ كذلك فيما يتعلق بتركيبة الحكومة، هل يمكن إدراج سقف لا يمكن تجاوزه للتشكيلة الحكومية حتى لا يتم التضخيم في عدد الحقائب الوزارية التي تبدو في بعض الاحيان بدون فعالية؟ هل الحديث عن حكومة سياسية يعني بالضرورة حصر الوزارات على المتحزبين. في الواقع، لاشيء يمنع حكومة سياسية من أن تتضمن في صفوفها شخصيات ليست بالضرورة غير حزبية، ولكن ما هو أساسي هو أن هؤلاء ينبغي أن يكونوا خاضعين لتوجيهات الوزير الاول الذي يقع عليه عبء تطبيق برنامجه الحكومي. وهو ما سيسمح من الابتعاد عن تلك التصنيفات التي كانت تميز بين وزراء حزبيين عاديين ووزراء السيادة. النقاش الآخر ينصب على المدى الذي ستصل إليه اختصاصات الوزير الأول، وفي نفس الوقت دسترة مجلس الحكومة. فمن جهة نعرف جيدا أن دسترة مجلس الحكومة لن تكون إلا من قبيل تكريس واقع. فمجلس الحكومة يجتمع أسبوعيا. والانتقادات الموجهة لم تكن تنصب على وجود الحكومة، ولكن على كونها كانت تعطي الانطباع أنها عبارة عن وزارات مستقلة تفتقد لتلك اللحمة اللازمة لحكومة في النظام النيابي: فالوزير الاول ينبغي أن يقوم بوظيفتين أساسيتين وهما التنسيق بين مختلف الوزارات وثانيها التحكيم في الخلافات التي قد تقوم بين أعضاء الحكومة, سواء فيما يتعلق بأولوية المشاريع مثلا أو فيما يتعلق بالاعتمادات المخصصة لكل وزارة. لذلك لامناص من إدراج فصول تنص على وظائف الوزير الاول وخاصة فيما يتعلق بالتوجيهات السياسية التي ينبني عليها برنامجه الحكومي. إن دسترة مجلس الحكومة يجعلنا أمام واقع جديد يتضمن مؤسستين وهما مجلس الحكومة والمجلس الوزاري. ماهي نوعية العلاقة التي يمكن أن نتخيلها في هذا المضمار؟ ماهي طبيعة مسؤولية الحكومة؟ والاختصاصات الحصرية التي ستناط بمجلس الحكومة. وماهي المجالات التي سيحافظ عليها المجلس الوزاري؟ أولا فيما يتعلق بالتركيبة، هل سيبقى مجلس الحكومة مفتوحا لجميع الاعضاء. في حين، فإن المجلس الوزاري قد يضيق ليشمل فقط الوزراء بدون كتاب الدولة إلا فيما يتعلق بالملفات التي تهمهم؟ وفي هذا السياق ينبغي ضبط مركز أعضاء الحكومة من خلال الإشارة إما في الدستور أو عبر قانون تنظيمي لحالات التنافي المتعلقة بهم. أخيرا فيما يتعلق بالاختصاصات، فإن ما هو أساسي هو تمكين الوزير الأول وأعضاء الحكومة من الوسائل الإدارية والسياسية التي تجعلهم قادرين على الاضطلاع بالمهام المنوطة بهم. ومن الواضح أن حقل التعيين في الوظائف السامية سيتعرض لتدقيق أكبر. أخيرا فيما يتعلق بالبرلمان، فإن الاتجاه سيسير نحو تكريس هرمية تستجيب لشرعية كل مجلس وتخرجنا من برلمانين بدل غرفتين. فالتوجه الاصلاح سيعطي لمجلس النواب المنتخب بالاقتراع العام المباشر اختصاصات أوسع من مجلس المستشارين قد تتضمن كما لاحظنا توسيع مجال القانون ليشمل البعد الدولي لحقوق الإنسان وكذلك توسيع مجالات الرقابة لتشمل فضاءات تنفلت من رقابته في الدستور الحالي. وينبغي إعطاء مجلس النواب إمكانية تحديد جدول الاعمال باشتراك مع الحكومة حتى لا تبقى هذه الأخيرة متأثرة بهذا الامتياز. إذا تجاوزنا هذه القضايا وغيرها التي ستكون في صلب النقاش، والتي ينبغي للمجتمع السياسي والمدني أن يفتح حولها نقاشات هادئة ومسؤولة، فمن الواضح أن هذا المنعطف الدستوري مهما كانت تمفصلاته لا يمكن أن يغير بين عشية وضحاها الممارسة السائدة. فذلك يتطلب نوعا من الإصرار ومزيدا من الاصلاحات التي ينبغي أن تشمل كافة مكونات الحقل السياسي. مما سيطرح تحديات جدية على الأحزاب وعلى المجتمع المدني الذي يوجد المواطن في صلبه. فبقدر ما ترتفع صلاحيات المؤسسات بقدر ما تزيد مسؤوليات القائمين على تدبيرها. هناك حقيقة بسيطة تظل قائمة حتى إشعار آخر، وهي أنه لاديمقراطية بدون أحزاب في مستوى تطلعاتها. فرغم تعدد آليات للوساطة النابعة من المجتمع المدني، فهي تظل غير مهيكلة وغير معبأة للتدبير اليومي للهواجس والانشغالات. فهي تنتمي الى قوى التنبيه والتحذير، لكن عبء تفعيل الاجراءات يتطلب أحزابا في نفس المستوى. الكل متفق اليوم أن نفوذ وحضور الاحزاب السياسية قد تراجع بشكل ملحوظ لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية. فقد ضعفت وظيفتها فيما يتعلق بتأطير المواطنين وتشجيعهم على المشاركة في الاستحقاقات السياسية. وقد كانت نسبة المشاركة الضعيفة في انتخابات 2007 صدمة ومؤشرا واضحا على الهوة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي. في نفس السياق فقد تم إضعاف الوظيفة الحزبية لإنتاج النخب السياسية المسؤولة والمتوفرة على الكفاءة اللازمة . لتدبير الشأن العام. وهي كذلك فقدت الجرأة المتأنية على المبادرة، وبالتالي اكتفت بالانتظار, فنحن مطالبون اليوم الى تقييم موضوعي لموقع الاحزاب يتوخى رصد ما لها و ما عليها, ويسعى الى تأهيلها لمصاحبة المرحلة الجديدة. وفي هذا السياق يمكن ان نسوق بعض التوجهات التي قد تساعد على تحقيق هذا الهدف. فهي تتمثل في استقلالية القرار الحزبي ارتكازا على تفعيل المؤسسات الحزيبة المنتخبة من خلال احترام الديموقراطية الداخلية والنقاش المفتوح والمؤطر. ثانيا اعادة الاعتبار للتنظيمات الحزبية ليس من خلال حرب مواقع، ولكن من خلال اشعار المناضل بأهميته في التنظيم لأنه مفيد باقتراحاته و بمساهمته في خدمة المجتمع وفي تقدم الاشياء. فعلى سبيل الجهوية الموسعة التي نراهن عليها لإقرار حكامة ترابية جيدة وجديدة, لن تكون لها مردودية سياسية واجتماعية اذا لم يتم تدبيرها بكفاءات وطاقات قادرة على تخيل الحلول و المبادرات اعتمادا على تحقيق المصلحة العامة للبلاد. وأخيرا لا مناص من منافسة مفتوحة داخل الأحزاب لافراز قيادات تقريرية وتنفيذية على أسس البرامج والقدرة على تحقيق الأهداف وليس على أساس اعتبارات تجرد السياسة من معانيها النبيلة وتحولها الى مجال للمناورة والتلاعبات التي لم تعد مفيدة في ظل مجتمعات اصبحت أكثر من اي وقت مضى ضاغطة من أجل ممارسة افضل. ليست الأحزاب السياسية وحدها في ميدان التنافس الديموقراطي. لقد بينت التحولات الجارية قوة المجتمع المدني كضاغط نحو الإصلاح ومالك لأدوات تفوت بفعل ثورة التكنولوجيات الجديدة في الإعلام والتواصل. لكن المجتمع المدني يملك أكثر من ذلك اذا تحول من عازف عن العملية السياسية وعن مجرد مندد ببعض ممارساتها الى فاعل نشيط من خلال المشاركة في العملية الانتخابية التي تعتبر الآلية الأكثر ديموقراطية لانتاج ومحاسبة الفاعلين السياسيين، وخاصة المسؤولين منهم. فالشباب سيساعد على التغيير اذا انخرط ضمن الأحزاب بممارسة متميزة. وسيكون اكثر إيجابية اذا لم يبق منتقدا ومتفرجا. فصحيح لا سياسة بدون أخلاق. ولكن الأخلاق في السياسة لها خصوصياتها النابعة من تعقد العملية السياسية برمتها. ما يدفعنا مرة أخرى الى الارتياح هو الشعور بأن شعلة الإصلاح قد توقدت من جديد. وهي ليست ميكانيكية وليست فقط مجرد نصوص. انها صيرورة تفترض اصلاحات وإجراءات عملية يقع علينا جميعا عبء اخراجها بالشكل الذي يعطي للمشروع الديموقراطي الحداثي الذي كرسه الخطاب الملكي الأخير محتوى فعليا وليس مجرد شعارات أو وعود.