بمناسبة اليوم العالمي للشعر، يستحق نجيب الخداري ومراد القادري وبقية الأصدقاء في «بيت الشعر» أن نرفع لهم قبعاتنا مرتين على الأقل. أولا لأنهم جعلوا الاحتفاء المركزي بالشعر في يومه العالمي ينفتح على امتدادات المغرب الجغرافية والحضارية عبر تنظيم الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي الإفريقي الذي يسدل الستار على فعالياته اليوم بزاكَورة، بعد افتتاحه بها أول أمس. وهو المهرجان المنظم بشراكة مع الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) وجهات محلية، والذي استضاف شعراء ونقاد من السينغال، الكامرون، بوركينا فاسو، الكونغو، مصر، تونس وسوريا، بالإضافة إلى المغرب طبعا. وثانيا لأنهم «هربوا»، مرة أخرى، الاحتفاء المركزي من «المركز الثقافي» إلى المحيط (وليس الهامش)، زاكَورة هذه السنة، مكسرين بذلك، مجددا، أكذوبة «المغرب النافع ثقافيا» المهيمن على «الفيافي والقفار الثقافية» الواقعة خارج مركز نصب نفسه بنفسه «عواصم» للفعل الثقافي، ظلما وعدوانا وبشكل تعسفي. وقبيل أيام معدودات من احتفاء العالم بالشعر، كان المغرب الشعري والنقدي قد قطف ورود اعترافات ثلاثة جديدة بقيمته وإضافاته وعلو كعبه. انطلق الاعتراف أولا من قارة النقد، حيث نال المفكر والباحث محمد مفتاح جائزة الشيخ زايد للكتاب، فرع الآداب، عن كتابه «مفاهيم موسعة لنظرية شعرية (اللغة-الموسيقى-الحركة)». وبعيد الإعلان عن فوزه بالجائزة، كان الدكتور مفتاح قد صرح للجريدة بأن «النظرية الشعرية المقترحة في الكتاب، تعيد الاهتمام بالمكتوب، وفي الوقت نفسه، تهتم بالمنطوق أيضاً، بمعنى أنها تعتني بالسواد والبياض والصوت والصمت في آن واحد. هذا جانب، والجانب الثاني أنها تهتم بأداء الشاعر من حيث إنه ينشد شعره في محفل من الناس، فيقوم بحركات، وهو ينشد، سواء كانت الحركات بيديه أو عينيه أو رأسه أو باقي أعضاء جسده الأخرى، فهذه الحركات للشاعر، هي بمثابة نص أيضاً، فهي قد تشرح وتفسر ما غمض في النص المكتوب». ومن نفس الديار، العاصمة الإماراتية، لكن عبر بوابة الرواية هذه المرة، جاء التتويج الثاني، حيث فاز الشاعر المغربي محمد الأشعري، الدائم الترحال بين الإبداع الشعري والسردي، بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية لسنة 2011 عن عمله «القوس والفراشة». وقد علق الشاعر على فوزه بالجائزة مناصفة مع الروائية السعودية رجاء عالم أن هذا «لا يمثل بالنسبة إليه أي إجحاف أو تقصير، لأنني قبلت الدخول في اللعبة كاملة». مثلما أكد، أنه لا يسعى في أعماله إلى إرسال رسائل لأنها ليست مهمة الكاتب ولكنه يتأمل وضعا نعيش فيه تحت وطأة الخوف حيث نكون أشد تعلقاً بالحياة. مضيفا انه في إمكاننا، بإنتاج الجمال، أن نقاوم القبح من حولنا، واصفاً ما حدث في تونس ومصر بأنه نوع من إنتاج الجمال الإنساني العميق قامت فيه انتفاضات سلمية لصالح قيم كونية هي الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية ومحاربة الفساد. ومن باريس، جاء الاعتراف الثالث عبر بوابة الشعر هذه المرة، الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية الذي يعتبر أحد الروافد الأساس للقصيدة المغربية المتعددة اللغات، الممتطية صهوة اللغات المحلية والأجنبية. الاعتراف هذا حصل عليه الشاعر عبد اللطيف اللعبي عن طريق «الجائزة الدولية للأدب الفرانكوفوني بنجامان فوندان»، التي يمنحها سنويا، منذ 2006، «المركز الثقافي الروماني بباريس»، بتعاون مع جمعية «ربيع الشعراء» و»مؤسسة الدراسات بنجامان فوندان»، وذلك تخليدا لذكرى هذا الشاعر والفيلسوف الروماني الأصل والفرنسي اللسان. نحن إذن أمام برهان جديد على «النبوغ المغربي». نبوغ ثقافي يفرض أن يدمج الشأن الثقافي في صلب ورش الإصلاح المؤسساتي الكبير الذي أطلقه خطاب 9 مارس الملكي.