أعلن المغرب انسحاب الجيش الملكي من المنطقة العازلة بالكركارات من جانب واحد، استجابة لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة درءاً لكل تصعيد للتوتر في المنطقة، من شأنه أن يؤدي إلى تهديد أمنها والاستقرار بها. جاء هذا القرار، بعد المكالمة الهاتفية التي أجراها جلالة الملك محمد السادس مع الأمين العام للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، حيث وضعه ملك المغرب في صورة الوضع الخطير، الذي تدفع إليه عصابات جبهة البوليساريو الانفصالية ، من خلال استفزازاتها المتكررة في المنطقة، ممثلة في قيامها بعمليات تسلل ليلية إلى المنطقة العازلة من فترة إلى أخرى. وقد جاءت دعوة الأمين العام إلى تجنب كل ما يمكن أن يؤدي إلى تهديد أمن واستقرار المنطقة ،وتهديد وقف إطلاق النار، وسحب قوات الجانبين من المنطقة، وتسهيل عملية التنقل بها، استجابة لمضمون التنبيه المغربي إلى خطورة الوضع.على أنه،ما لم يتم تدخل الأممالمتحدة ،لنزع فتيل توتر إضافي في المنطقة، فليس ممكنا التكهن بعواقب أي صدام بين المغرب والعصابات المسلحة وخاصة مع من يحركها راهنا، بوهم القدرة على استعادة المبادرة بعد الهزيمة، التي تعرضت لها أطروحة الانفصال في مؤتمر الاتحاد الافريقي بأديس أبابا. الموقف المغربي ، خلف –طبعا- ردود فعل إيجابية مثمنة، باعتباره سلوكا مغربيا يجنح على الدوام إلى السلم في مختلف الظروف، لكن ليس عنوانا -أبدا- لأي تفريط ممكن في الحقوق السيادية الوطنية للمغرب، وفي مقدمتها حق الدفاع عن وحدة ترابه الوطني، وسيادته غير المنقوصة، وفقا لقوانين الشرعية الدولية. وقد فوتت من جديد، مواقف من افريقيا، بما في ذلك الاتحاد الافريقي، واوربا والولايات المتحدةالأمريكية، ومن الأمانة العامة للأمم المتحدة، الفرصة، على أعداء الوحدة الترابية للتشويش على موقع المغرب القوي، الذي يتحرك منه داخل افريقيا وفي مختلف المحافل الإقليمية والدولية،إذ انزلاق الموقف إلى نزاع مسلح ،يعني فتح المجال أمام عبث القوى المعادية في ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وحشرها في زاوية المواجهة ،مع المجتمع الدولي، ومع الأمين العام للأمم المتحدة بالذات. غير أن بعض الأصوات الباهتة، برزت في المغرب، تحاول التشكيك في الموقف المغربي من زاوية اعتباره نوعا من الاستعداد للتفريط في الصحراء ،ومحاولة الربط التعسفي بين قرار الانسحاب من جانب واحد، وبين شروط وهمية لانضمام المغرب إلى الاتحاد الافريقي. ولئِن كان ثمة من ربط بين الأمرين، فهو لجهة الإصرار المغربي على تفويت كل الفرص التي يحاول أعداء وحدته التربية اقتناصها للتغطية على الفشل الذريع، الذي منيت به محاولاتهم عرقلة استعادة المغرب لموقعه داخل مؤسسات القارة الافريقية الرسمية وفي مقدمتها الاتحاد الافريقي. وبالتالي، فإن قرار الانسحاب كقرار تكتيكي سليم ، قد جاء ليؤكد نظرة المغرب إلى طبيعة النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء ، والعناصر المحددة في اتخاذ المواقف منه بحسب التطورات والمستجدات. في هذا السياق ، فإن كل رجل سياسي موضوعي، مغربيا كان أو غير مغربي، يدرك أن هناك مستويين، وبُعدين أساسيين في كل قضية من حجم القضية الوطنية، كما هو الشأن بالنسبة إلى قضية الصحراء المغربية ،هما: المستوى المبدئي الاستراتيجي أولا.والمستوى التكتيكي، أو ما يمكن اعتباره تدبير الأزمات ثانيا. وإذا كان الموقف المبدئي، يتسم بالثبات والاستمرارية، فإن الأبعاد التكتيكية المرتبطة بتدبير ملفاتها الأصلية والطارئة، تتسم بالتطور والتغير على إيقاع معطيات الواقع الموضوعي المحلي والإقليمي والدولي المرتبطة بالملف. إن البعد الثابت هنا، هو مغربية الصحراء، وهدفه المركزي منع قيام دويلة وهمية في المنطقة، تكون عنصرا في استراتيجية هيمنة الجزائر أو غيرها من القوى، التي تحاول تمزيق وحدة المغرب الترابية عبر تبني أطروحة الاستعمار الاسباني بعد رحيله عن الأقاليم المغربية الجنوبية. أما البعد المتغير، فهو منظومة من الممارسات والمبادرات، وردود الفعل التي لجأ إليها المغرب خلال عمر الأزمة الإقليمية المفتعلة حول الصحراء لتمريس الموقف الوطني، وتحقيق الهدف المركزي، والشرط الجوهري فيه على أرض الواقع، وهو منع قيام «دويلة « على أرض الصحراء المغربية. وقد عرف هذا البعد أشكالا كثيرة ، تراوحت بين اعتماد الدبلوماسية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية ، وبين ممارسة العمل المسلح في شكل مقاومة المستعمر، وفي شكل الدفاع في مواجهة عدوان العصابات المسلحة، التي كانت تتحرك تحت إمرة جزائر بومدين ومن خلفوه على السلطة من جنرالات وسياسيين، تحركهم إملاءات الجنرالات من جهة، وتحت إمرة ليبيا معمر القذافي في فترة حالكة من فترات هذا النزاع، الذي تجاوز الأربعين عاما من عمره، من جهة أخرى. على كل حال، فإن المغرب، الذي قدم مبادرة الحكم الذاتي الموسع لأقاليم الجنوب، واتبع سياسة تنموية نشطة، وبعيدة المدى، في الصحراء المغربية بما يجعل من هذه الأقاليم نموذجا يحتذى، لا يمكن أن يؤثر في موقفه الوطني واستراتيجيته كما في تاكتيكاته، في تدبير ملف الصحراء ،كل محاولة للتشكيك، لا في حقه السيادي على الصحراء ،ولا في نواياه بالنسبة لمستقبلها .وكل محاولة ترويج لمثل هذه التأويلات، تلتقي –موضوعيا- مع أطروحة الخصوم، الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لمنع عودته إلى الاتحاد الافريقي، ليقينهم بأنها تقرع الأجراس، إيذانا بنهاية المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية، ثم وبحركات بهلوانية مثيرة للشفقة ،بدأوا يروّجون لانتصارهم الوهمي على المغرب، بزعم أن ممارسته من موقع الاتحاد الافريقي، يعني اعترافا ب»جمهورية» معسكرات اعتقال أبناء الصحراء المغاربة في تيندوف تحت الإدارة الجزائرية.