p إلى أي مدرسة فنية يمكن أن نصنف أعمال محمد سعود؟ n أسلوبي الفني هو البحث في جمالية اللون وتوظيفه وفق أبعاده الدلالية ، وأوظفه من منظور فيزيائي أي من خلال توزيع النور والظل ، وكذلك من منظور كيميائي كمادة تخضع إلى مزج وأحيانا إلى صناعته بمواد مختلفة دون أن ننسى المنظور الجمالي. وهذه الأبعاد الثلاثة خاصة البعد الأخير أنطلق فيه من بيئتي الثقافية، لأننا شعب يولي أهمية كبرى للون، ويمكن لنا أن نستشف ذلك في بيوتنا ورياضاتنا التي نجدها تعج بالألوان من فسيفساء ونقوش على الجبس والخشب، ولم يجانب الفيلسوف الفرنسي «دي بورطال» الصواب حين اعتبر شعب «المور» الذي كان في الأندلس ملوك اللون، لأنهم جردوا اللون من طابعه القدسي والطبقي، والجانب الثاني من أسلوبي هو محاورة أشكال إبداعية أخرى كالشعر والتصوف وأصناف أخرى من الإبداع. p تعتبر أول من صمم لوحة رقمية في القارة الإفريقية، كيف تحدتنا عن ذلك؟ n هي تجربة خضتها أواخر التسعينيات ولم تكن معروفة في ذلك الوقت ، وإن كانت اليوم أكثر انتشارا وحضورا في الساحة التشكيلية العالمية، كنت أعرف جيدا أن الفن الرقمي سيلقى إقبالا كبيرا في العالم ، لأن وسائل التكنولوجيا الحديثة بتطورها الهائل لا يمكن لها أن تمر دون أن تترك أثرها في باقي أصناف الإبداع، وشهد مشروع «الفنون الجميلة الرقمية « الذي أطلقه الفنان والفيلسوف الكندي «هيرفي فيشر» تطورا هائلا، ونظمت معارض كبرى لهذا الفن ، وأصبح الفن الرقمي حاضرا في الرسم والنحت والموسيقى والعمارة ومختلف أصناف الإبداع. p ما هي مرتكزات المشروع الجمالي لمحمد سعود؟ والرسالة الفنية التي يعمل عليها؟ n مشروعي الجمالي هو البحث في جمالية اللون دون إغفال الجانب الدلالي، وإذا كان البعض يعتقدون أن الفن التشكيلي بحث جمالي صرف فما حجتهم على الكثير من الكتابات التي تناولت الأعمال الفنية الخالدة وقامت بتحليلها مستعينة بعلوم أخرى للكشف عن الجوانب الخفية من عالم الفنان ، ولعل آخرها « شيفرة دافينشي» لدان براون ،الذي حقق مبيعات تجاوزت 60 مليون نسخة رغم أن الكاتب ليس ناقدا فنيا ولا باحثا جماليا ، إضافة إلى كتابات أخرى وهي كثيرة جدا ركزت على البعد التضميني أكثر من البعد التعيييني، لأن الجانب الأخير ببنائه وتوزيع كتله وأيقوناته لا يمكن أن يكون اعتباطا أو هندسة للوحة بل يخدم الجانب الأول. صحيح أن في الفن قصدية ولا قصدية ولكن يبقى البحث فيهما موكولا للناقد الفني الحصيف الذي يمكن أن يستجلي الجوانب المرئية واللامرئية فيها، مستعينا بأدوات إجرائية وفق منهجه النقدي. كما أن مشروعي الجمالي لا يقتصر على ما أنجزه من لوحات، بل هو تقريب الأعمال الفنية لمختلف الشرائح بأسلوب مبسط وبنوع من النقد الباطن، وأحاول ألا تكون هذه الأعمال من أوروبا أو أمريكا فقط ، بل أسعى قدر الإمكان إلى تناول تجارب متعددة من مختلف أنحاء العالم، مراعيا في ذلك التنوع والتنويع ، قد تكون هذه الأعمال منحوتات أو إنشاءات جمالية أو لوحات من مختلف المدارس أو صورا فوتوغرافية أي كل ما يتعلق بالفنون البصرية ، وذلك لإرساء ثقافة بصرية أستفيد منها وأفيد من خلال الأسئلة والتعقيبات والإضافات التي تثري هذه الثقافة. p كيف تنظر لواقع الساحة التشكيلية المغربية؟ n الساحة التشكيلية في المغرب تعرف نوعا من الفوضى العارمة، والكل يعرف مصدر هذه الفوضى، وما يغيظني أن الكثير من الأسماء الفنية تم إقبارها عن قصد، إضافة إلى عدم إفساح المجال للشباب وتشجيعهم بإشراكهم في المعارض أو الكتابة عنهم . فنفس الأسماء المعروفة تتكرر وأصبحت كطابوهات يمنع المساس بها أو القفز عليها، رغم أنه يجب نفض الغبار عن الساحة الفنية كي تنجلي لنا الكثير من الأمور التي يجهلها الكثيرون ،ونقتدي بما فعلته المكسيك حين أعادت النظر في موروثها الثقافي، ومن بين الأسماء التي برزت في هذه المرحلة الفنانة «فريدا كاهلو» التي اشتهرت كزوجة لرسام الجداريات الشهير «دييغو ديريفيرا» وكشاذة جنسيا ، ولكن إعادة النظر في الميراث الفني لهذا البلد كشفت لنا عن فنانة عظيمة. وفي بلدنا يجب الإقرار أن الكثير من الأسماء ساهم في ظهورها وضعيتهم الاجتماعية وبعض الوسطاء، وأن بعضا من الأعمال التي نمجدها ما هي إلا استنساخ حرفي لأعمال فنانين آخرين ،إضافة إلى النمطية واجترار الفنان لنفسه ولذلك ترى الأعمال الفنية متشابهة ، والأخطر من كل هذا أنك إذا سألت عن فنان يمكن لك أن تجد من يعرفه ولكن إذا سألته عن منجزه الفني لن يذكر لك قطعة فنية واحدة له ،وأؤكد لك أن المغاربة لا يمكن لهم أن يذكروا لوحة واحدة يتفقون عليه . ولكن هذا ممكن إذا سألناهم عن ليوناردو دافينشي سيذكرون لك «الجوكندا» أو «العشاء الأخير»، أو عن بيكاسو سيذكرون لك «غيرنيكا»، أوعن «إدوارد مونش» سيذكرون لك «الصرخة»، إذن ما السبب؟ كما أن عامل المحور والهامش ساهم بشكل كبير في تغييب الكثير من الأسماء الفنية . صحيح أن لكل دولة محورا كما نجد في باريس ونيويورك وطوكيو ، ولكن في هذه الدول كان المحور دائما يقتات من الهامش كي يتوسع أكثر ، وهنا حدث العكس لأن المحور ضيق جدا يشبه بؤرة مغلقة يصعب على بقية الفنانين الاقتراب منها أو اختراقها. p كناقد هل ترى الساحة الفنية أفادت من المنجز النقدي؟ أم أن هذا النقد مازال قاصرا عن صياغة مقولة نظرية محكمة يمكن الاستناد عليها؟ n هناك كتابات فنية جديرة بالاحترام والتقدير ولا يمكن للإنسان أن يبخسها ولكن للأسف قليلة جدا، ومع قلة هذه الأقلام لا أعتقد أن النقد سيتطور لأن باقي الكتابات لا يمكن تصنيفها نقدا، بل هي مواضيع إنشائية مركبة من جمل مستقاة من نصوص متعددة، مما يحدث نشازا في بنائها وتركيبها ، كما أن مثل هذه الكتابات إذا حذفت منها اسم الفنان يمكن لك أن تغيره بأي اسم آخر ،لأنها لا تتحدث عن التجربة بل تتحدث عن الشخص بالكثير من الإطراء والتبجيل ، إضافة إلى أنها مدفوعة الأجر، وأصبح هؤلاء الكتاب بمثابة قناطر للمرور يسوقون الوهم للناس ، ورغم إيمان الكثير من الفنانين بوجود هذا الوهم، فإنه يفضلون العيش فيه بدل العيش في الظل. وللقضاء على هذه الظاهرة لابد من فتح كليات للفنون الجميلة فيها تخصصات ومن بينها النقد الفني كي يظهر جيل جديد بإمكانه أن يقدم إضافات هامة في هذا المجال ، كما أنه على الجهات الوصية أن تشرك النقاد الموثوق فيهم في انتقاء الأعمال الفنية للمتاحف وتشجيع الأبحاث التي يصدرونها . ولما لا تخصيص جائزة لهذا الصنف من النقد. p صممت أكثر من 100 غلاف لعدد من المبدعين والشعراء العرب، وأنت متابع جيد للساحة الثقافية، كيف ترى لعلاقة الفن التشكيلي بباقي أنواع التعبير الأدبي الأخرى، كالشعر والسينما؟ n هذا سؤال دائما يطرح علي بنفس الصيغة ، ولا علاقة للوحاتي التي تظهر على الأغلفة بالتصميم ، فأنا لا أرسم لوحات لأغلفة ، لأن اللوحات أنجزت قبل ظهور هذه الكتب، ويمكن ملاحظة ذلك في الفرق بين تاريخ إنجاز اللوحة وظهور الكتاب الذي يحمل تلك اللوحة، كل ما في الأمر أن هناك اختيار للكتاب والشعراء والباحثين للوحات التي يرونها مناسبة لوضعها على أغلفة إصداراتهم، ولذلك يجب التمييز بين المصمم ومن يرسم وفق الطلب والفنان الذي توضع لوحاته على أغلفة ..أما الأغلفة والملصقات وشعارات الهوية التي صممتها فلا أذكرها لأنها غالبا ما تكون ذات طابع تجاري أكثر مما هو فني، نظرا لكثرة التدخلات في التصميم وتخضع لمزاج أشخاص لا يراعون المعايير الفنية. أما عن علاقة الفن التشكيلي بالشعر والسينما فهي علاقة تجاور وتحاور، ويمكن أن نلمس ذلك في بعض التجارب الشعرية كتجربة محمد بنيس وبحثه حول بنية المكان في المتن الشعري ، وفي السينما هناك أمثلة كثيرة عن التجاور والتحاور بينهما لأن كليهما يعتمدان على الجانب البصري، ويكفي أن نذكر توظيف الفن التشكيلي في أفلام المخرج الياباني" أكيرا كوروساوا" وفي العالم العربي نجد المخرج" شادي عبدالسلام" خاصة في تكوين الكادرات وخلق التوازن بينها. p تجتاح الساحة الفنية موجة من فناني يوم الأحد، أو الفنانين المزيفين الذين سرعان ما تسلط عليهم أضواء الصحافة، بتزكية من سماسرة دور العرض، كيف تنظر للظاهرة؟ n تجتاح اليوم المعارض والملتقيات الأدبية والفكرية موجة من (الفنانين والشعراء والكتاب) الذين لا يتوفرون على أدنى شروط الإبداع مع بعض الاستثناءات ، والسبب هي العلاقات التي ينسجونها في وسائل التواصل الاجتماعي، فما يراه هؤلاء من أعمال فنية وقصائد الهايكو وقصص قصيرة جدا يعتقدون أنه من السهل الإتيان بمثلها، ويتطاولون على مختلف أصناف الإبداع. وفي الفن خاصة استغل الكثير من منظمي المعارض هذه الظاهرة لأغراض تجارية محضة، وأصبح كل من يملك المال باستطاعته أن يعرض في أي مكان، وليست هناك معايير للانتقاء، لأن المعيار الوحيد هو دفع المال، وكل من يشارك في هذه المعارض التجارية يعتقد انه فنان ويوهم الكثير من الناس بأنه وصل إلى مستوى محترم ، وتنطلي هذه الخدعة حتى على وسائل الإعلام ، ولا يعرفون أن مثل هذه المعارض لا تختلف عن الأسواق المتنقلة التي تعرض البضائع ، ويمكن لأي شخص أن يكتري المساحة المخصصة له .كما ظهرت سمبوزيومات تستقبل الفنانين ليرسموا فيها لأيام معدودة خاصة في الدول الأوروبية مقابل إقامة في مزارع وتغذية رديئة، وفي الأخير يترك الفنانون أعمالهم، إضافة إلى ثمن مشاركتهم لمنظمي السيمبوزيزم مقابل الحصول على ورقة اسمها شهادة المشاركة لا يخسر فيها المنظم أكثر من درهم واحد. ولا ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي أفرزت أيضا مجموعة من الفنانين الوازنين. أما بالنسبة لفناني الأحد ، فأجيب عن هذه العبارة بالكثير من التحفظ، لأنها تعني أشياء كثيرة وينضوي ضمنها فنانون كبار ومن بينهم الفنان الفرنسي «روسو» المعروف بالجمركي، وكانت تطلق أيضا على فناني التيار الفطري أو الساذج.