في سياق اهتمامنا بمختلف وجهات النظر التي واكبت مراحل البناء الدستوري في المغرب، خاصة ما يهم القراءة الفرنسية، ننشر وقائع اللقاء الذي سبق أن أطرته الأستاذة نادية البرنوصي بمناسبة مراجعة دستور 1992 ، بحضور جاك روبير ,عضو المجلس الدستوري في فرنسا، وأستاذ للقانون الدولي . وقد صدر مضمون اللقاء الذي جرى بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، ضمن كتاب «مراجعة الدستور المغربي 1992 (دراسات وتحاليل) السيدة البرنوصي: ليس من الضروري أن نذكر بأن الساحة المغربية اليوم حافلة بالأحداث السياسية والقانونية، فالمغرب على مشارف دستور جديد، إذ لا تفصلنا عنه إلا بضعة أيام، لذلك أريد أن أغتنم هذه الفرصة وأقدم لكم ضيفنا اليوم الذي سيحاول أن يلقي الضوء على بعض التساؤلات. السيد جاك روبير, أستاذ للقانون الدولي، ورئيس شرفي لجامعة باريس الثانية وعضو في المجلس الدستوري الفرنسي, شغل منصب أستاذ بكلية العلوم القانونية بالرباط منذ سنة 1960 إلى 1962. وقد تردد أكثر من عشرين مرة على المغرب، قصد التدريس بكل من كلية الحقوق والمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، وقد ألف كتاباً مهماً تحت عنوان[ الملكية المغربية»، والذي يعتبر مرجعاً هاماً اعتمد عليه عدد كبير من المختصين في علم السياسة وطلبة القانون الدولي العام] وكلما ظهر دستور جديد بالمغرب إلا وانصب عليه اهتمام السيد جاك روبير، محللا بنوده في كل من جريدتي لوموند ولوكوتديان. { السيد جاك روبير,ما هي انطباعاتكم الأولية حول هذه الفترة التي يجتازها المغرب؟ الأستاذ روبير, إني سعيد جداً بوجودي في المغرب، هذا البلد الذي أتوفر فيه على عدد هام من طلبتي، والذي عملت على إجراء دراسات لمؤسساته، كما يغمرني سرور كبير لحضوري في هذه الفترة السياسية الحاسمة التي يشهدها المغرب. إن مشروع الدستور الجديد، لا يمكنه إلا أن يثير لدى رجل القانون الغربي الذي أمثله، الاهتمام البالغ والمساندة، لأنه يحتوي على نقطتين متكاملتين وهامتين. وتتجسد الأولى في الاستمرارية في تقليد دستوري مغربي وفي المجهود الكبير الذي بذل من أجل التحديث. فعند القيام بقراءة أولية، سندرك أن كل التوقعات التي وضعت منذ الاستقلال وحتى بعد اعتلاء صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني على العرش قد تطورت وتحققت باطراد مما أدى الى إنشاء دولة للقانون، والتي أعطاها أحد القادة السياسيين تعريفا لازلت أحتفظ به. ففي أحد خطبه الأخيرة، أكد هذا المسؤول «أن الديمقراطية مبنية على قواعد يقبلها الجميع تحت ظل القانون وتحت مراقبة ورعاية العدالة. أعتقد أن دولة القانون هي دولة تعتمد في نفس الوقت على قواعد معترف بها من طرف الجميع، وتعمل على توجيه السلط وتؤكد على دور البرلمان، أي على إعداد قوانين تقر العدالة وتنشر الهدوء على جميع المناقشات. فبعد دراسة عميقة لهذه المؤسسات، أدركت أنها بقيت وفية للروح الفكرية لجلالة المغفور له محمد الخامس وبعده جلالة الملك الحسن الثاني. فلازلت أتذكر القانون الأساسي الأول للمغرب، والذي يرجع تاريخه إلى يونيو 1961، أي بعد مدة وجيزة على اعتلاء صاحب الجلالة العرش، حيث تم إدخال المغرب في مسلسل الديمقراطية التمثيلية. ويبدو ذلك عبر مختلف الدساتير بدءاً بالأول، وانتهاء بالمشروع الذي اقترح أخيراً. وقد تمت مواصلة هذا الطريق الذي يرمي إلى أن يجعل من المغرب بلداً ديمقراطياً كبيراً وحديثا، يحتل فيه المشروع الجديد ركيزة إضافية تثبته وتدعمه. { السيدة البرنوصي: لنتابع الأفكار في سياقها، وأقول بأن أول شيء يثير الانتباه في هذا المشروع الجديد هو الإشارة المباشرة وغير المباشرة إلى حقوق الإنسان والحريات العامة. فالمرجعية الواضحة تكمن في ديباجة الدستور، أما غير الواضحة فيمكن قراءتها من خلال مقتضيات الدستور وأعني بذلك المجلس الدستوري، فمن خلال هاتين المرجعيتين يمكن أن نتساءل، هل في نظرك, هذه الإشارة الى حقوق الإنسان والحريات العامة يمكن اعتبارها جواباً يلبي مطالب القوى الوطنية، بما فيها الأحزاب السياسية، أو جواباً موجهاً للرأي العام الدولي، أم أنها مجرد نتيجة لمسلسل تاريخي وسياسي خاص بالمغرب؟ الأستاذ روبير: لقد أحسنت في تركيزك على هذه النقطة بالذات، فعندما نتناول بالدراسة دستور 1972، نجد أن ديباجته قد أشارت عند تعرضها لمسألة حقوق الإنسان إلى أن المغرب ظل وفيا للمبادىء الأساسية التي ترتكز عليها المنظمات الدولية، والتي هو عضو فيها، في حين أعلنت ديباجة الدستور الجديد بشكل واضح عن تشبث المغرب بالمبادىء الأساسية لحقوق الإنسان، كما تم الإعلان عنها دولياً. من الضروري إعطاء الاهتمام والأولوية لهذا الجانب من الأشياء خصوصاً، بعد المناقشات والمجادلات التي عرفها هذا الموضوع، والتي بالغ فيها البعض، وعليه أصبح من الضروري أن يؤكد المغرب في دستوره على تشبث شعبه بالمبادىء الأساسية لحقوق الإنسان. ويوضح الفصل الأول من الدستور المخصص للحريات العامة وحقوق الإنسان هذه المرجعية، في حين يكمن دور المجلس الدستوري في مراقبة مدى مطابقة القانون المصادق عليه من طرف البرلمان للحريات والحقوق الأساسية. { السيدة البرنوصي: أرى أنه لا يمكن الحديث عن الحريات العامة والحقوق الأساسية، وعن القوانين الدستورية دون الحديث عن النظام الدستوري.إذ يمكن الحديث فعلا عن الجديد في المشروع الدستوري باعتباره قد أفرد عنواناً كبيراً للمجلس الدستوري. إن إنشاء المجلس الدستوري الذي سيتكلف بمراقبة دستورية القوانين يعتبر مؤسسة مهمة، بالمقارنة مع دساتير 62 / 70 و 72 كما يعد خطوة الى الأمام في بناء الديمقراطية الليبرالية، خصوصاً وأن حق اللجوء إلى هذا المجلس جد مقيد في كل من الجزائروتونس. ففي تونس يخول حق الإحالة على المجلس الدستوري لرئيس الدولة فقط، أي أن هذه الإحالة تبقى أحادية وجد محدودة، أما في الجزائر، فإن هذا الحق يعود لرئيس الجمهورية، ورئيس الجمعية الشعبية الوطنية (البرلمان). وفي المغرب، تم توسيع حق الاستشارة، إذ شمل عدة أطراف، وهذه مستجدات مهمة ستعطي حق الاستشارة واللجوء للمجلس الدستوري لكل من صاحب الجلالة، والوزير الأول ورئيس البرلمان، ولربع أعضائه. فما رأيكم في هذا الانفتاح؟ الأستاذ روبير: بصفتي عضواً في المجلس الدستوري الفرنسي، اهتممت كثيراً بإنشاء المجلس الدستوري في المغرب، الذي يشكل في نظري أحد الركائز الأساسية في مشروع المراجعة، لأنني أعتبر أنه لا يمكن وجود دولة قانون حقيقية دون مراقبة القانون. وهذا لا يعني أن القانون غير صالح أو أننا نتهم النواب بسوء النية، ولكن التاريخ علمنا ونحن الفرنسيين نعرف هذا جيداً بأن القانون يمكن أن يكون قمعياً، لذلك لابد من وجود هيئة مستقلة تراقب مدى مطابقة القانون للمبادىء الأساسية وللحريات. ومما يلفت النظر في المجلس الدستوري المشار إليه في مشروع المراجعة، هو صياغته المحكمة، لأنني قمت بمقارنة المجلس الدستوري في النص المغربي بالنص الفرنسي، فلاحظت أن لهاتين المؤسستين اختصاصات متشابهة: اختصاصات انتخابية للبت في الانتخابات التشريعية والرئاسية، واختصاصات استفتائية، زيادة على اختصاصه في المراقبة اللازمة لقوانين المجالس والحقوق الوضعية، وخاصة القوانين التي تحال عليه بطريقة مباشرة. والمهم في هذا كله منح حق اللجوء إلى المجلس الدستوري لا للملك والوزير الأول، ورئيس مجلس النواب فحسب في فرنسا لدينا مجلسان أي رئيسان يخول لهما هذا الحق بل كذلك لربع أعضاء البرلمان. وإذا قمنا بعملية حسابية، فإن ربع أعضاء البرلمان بالنسبة لمجلس النواب يعادل تقريبا 60 برلمانيا، و 60 عضواً في مجلس الشيوخ الذين لهم حق الإحالة على المجلس الدستوري بفرنسا. سنكون إذن قد مارسنا المراقبة بطريقة فعالة، أي أنه سيعرض على المجلس الدستوري قانون صادق عليه مجلس النواب. ولم يتم بعد إصداره، لأن الجهاز التنفيذي، الملك، يتوفر على أجل ثلاثين يوماً لإصدار القانون. فخلال هذا الأجل، يمكن للسلطات السالف ذكرها أو لربع أعضاء مجلس النواب أن تلجأ إلى المجلس الدستوري. وقد تم اتباع نفس المسطرة الجاري بها العمل في فرنسا، بحيث يجب على المجلس أن يدلي برأيه بسرعة، لأنه لا يمكن انتظار إصدار القانون لمدة طويلة. فاستشارة المجلس من قبل نواب البرلمان تعد نقطة هامة وإيجابية، إذ لم يتم التنصيص عليها، في فرنسا إلا خلال ولاية الرئيس جيسكار دستان سنة 1974 حيث أعطى لستين نائباً أو ستين عضواً في مجلس الشيوخ حق الإحالة على المجلس الدستوري. والجدير بالذكر أن النص المغربي قد بلغ بالطبع المستوى الذي وصلت إليه فرنسا حالياً. أما بالنسبة لمشكل تكوين المجلس، والذي لايزال موضع نقاش في فرنسا، فإننا نتساءل دائماً عن مدى استقلالية أعضاء المجلس الدستوري الذين يتم تعيينهم من طرف السلطات السياسية. وبالفعل، فإن الحياد والموضوعية لا يرتبطان بنوعية السلطة التي تعين، بقدر ما ترتبط بضمير ووعي الأشخاص وبالوضعية القانونية التي حددت لهم. فعندما نعين أعضاء المجلس لمدة طويلة تسع سنوات في فرنسا، ست سنوات في المغرب ونحميهم من كل إغراء، فإن حيادهم وموضوعيتهم شيء مسلم به. أما فيما يخص تعيين أعضاء المجلس الدستوري المغربي، فإن المسطرة المتبعة تقترب مما هو جاري به العمل في فرنسا، فهناك أعضاء يعينون من طرف الملك وآخرون من طرف مجلس النواب. وفي فرنسا، فإن التوزيع يتم بالثلث، لأن المجلس الدستوري يتكون من تسعة أعضاء، وهناك مجلسان برلمانيان، إذن فمن البديهي أن يعين ثلاثة أعضاء من طرف رئيس الجمهورية وثلاثة من طرف رئيس الجمعية الوطنية وثلاثة من طرف مجلس الشيوخ. { السيدة البرنوصي: السيد جاك روبير، أنتم عضو في المجلس الدستوري، وتم تعيينكم لمدة تسع سنوات، وبعد انقضائها لن تكون لكم أية حظوظ للبقاء في عضوية هذا المجلس، طبقاً لمبدأ عدم تجديد الولاية المعمول به في فرنسا، أما فيما يخص المغرب، فقد لزم الباب المتعلق بالمجلس الدستوري الصمت حول هذا الموضوع. فهل تظنون أن هناك إمكانية تجديد الولاية؟ الأستاذ روبير: هناك تفسيران محتملان لهذا النص: التفسير الأول: هو أن قانوناً تنظيمياً سيضع الاجراءات المتعلقة بهذا الموضوع، وبالتالي سيحدد إمكانية تجديد ولاية أعضاء المجلس الدستوري أو عدم تجديدها. التفسير الثاني: يدافع عن موقف معاكس مؤكداً على أن سكوت الدستور لا يخول للقانون التنظيمي أن يحدد إمكانية تجديد الولاية. فهذا جدل فقهي ستحسم فيه الممارسة. { السيدة البرنوصي: أولا التفكير في الحريات العامة وحقوق الإنسان قد يؤدي بنا كذلك إلى التفكير في حقوق البرلمان. فنحن نعلم أن مشروع 1992، المشروع الحالي، يعطي أهمية خاصة للبرلمان، فبإمكان هذا الأخير مثلا أن يحدث لجناً للتقصي والمراقبة، والجميع يعلم بأن أحزاب المعارضة والأحزاب الأخرى لم تفتأ منذ سنة 1962 تطالب بإحداث هذه اللجن في إطار القانون الداخلي للبرلمان. إلا أن الغرفة الدستورية قد عارضت ذلك بصفة منتظمة. لذا وابتداء من اليوم، يمكن للبرلمان بواسطة قانونه الداخلي أن يحدث لجاناً للتقصي والمراقبة لتتبع أعمال الحكومة وأشياء أخرى. ثانياً، سيناقش البرلمان برنامج الحكومة مباشرة بعد تعيينها. وهنا يمكن الحديث عن مبدأ التصويت بالثقة، هذا التصويت الذي يمكنه مساءلة الحكومة وإرغامها على إبداء أجوبة في أجل محدد. فقد ولت الحقبة التي كانت تبقى خلالها الأسئلة منسية لعدة سنوات. فهل يمكننا على ضوء ما سبق، أن نقول بأننا انتقلنا من مرحلة البرلمانية السلبية، أي البرلمانية بدون روح الى برلمانية محصنة ومتوفرة على إمكانيات؟ { الأستاذ روبير: من أهم مزايا مشروع المراجعة، إعطاؤه صلاحيات أوسع ووسائل أكثر تطوراً لمجلس النواب، لأن نظام البرلمانية الثنائية والمغرب نظام برلماني ثنائي، لكون الحكومة تعين من طرف الملك، وهي مسؤولة أمامه، وفي المشروع، هي مسألة أيضاً أمام البرلمان يعتمد على التوازن بين الجهازين التشريعي والتنفيذي، وأظن أنه ليس من المستحب أن تكون هناك سيطرة لجهاز على آخر. وفي هذا الإطار، هناك أربع إضافات أتى بها النص الجديد، سأقف عند كل واحدة منها لأنها جد مهمة. الإضافة الأولى: الحكومة التي يعينها الملك الذي يعين الوزير الأول وكذلك الوزراء باقتراح من هذا الأخير، ملزمة بتقديم تصريح حول السياسة العامة أمام مجلس النواب لتطلب، ما كان يعرف في عهد الجمهورية الرابعة ب «تصويت الثقة». فالحكومة إذن، لا تشرع في ممارسة مهامها إلا بعد أن تحصل على ثقة مجلس النواب. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة في الدستور الفرنسي، حين تعين من طرف رئيس الجمهورية، ليست ملزمة بتقديم تصريح حول السياسة العامة أمام البرلمان. فبإمكانها أن تبدأ أشغالها دون الحصول على تزكية من البرلمان. وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن المغرب فيما يخص هذه النقطة، أكثر تقدماً من النظام البرلماني الفرنسي. الإضافة الثانية: تتعلق بلجن التقصي، إذ أنه من المهم جداً أن يطالب البرلمانيون بإحداث لجنة كلما دعت الظروف إلى ذلك.، ولتجنب التداخل بين السلطتين التشريعية والقضائية، نص الدستور المغربي، وبكثير من الحذر، على أنه لا يمكن إحداث لجنة للتقصي عندما تكون القضية موضوع البحث قد عرضت على العدالة، وعلى لجنة التقصي أن توقف أشغالها إذا ما تم اللجوء إلى العدالة، وذلك حتى تظل السلطتان مستقلتين. الإضافة الثالثة: مرتبطة بالحصة المتعلقة بأجوبة الوزراء على الأسئلة الموجهة إليهم من طرف النواب. فهذه الحصة جد مهمة في فرنسا، وأعتقد أنه سيكون لها نفس الشأن في المغرب. فمرة في الأسبوع بالبرلمان الفرنسي وسيحدث نفس الشيء في مجلس النواب يجيب الوزراء على أسئلة النواب. ففي فرنسا، كل الجلسات المخصصة لأجوبة الوزراء على أسئلة النواب تنقل على شاشة التلفزة، مسجلة نسب مشاهدة جد مرتفعة. فالرأي العام جد حساس لهذه الممارسة التي تمكنه من مراقبة الوزير وردود فعله خلال هذه الجلسات. وهذا شيء مهم، لأنه إذا لم يكن الجواب مقنعاً، يمكن أن يؤدي الى نقاش، ولمَ لا إلى مساءلة الوزراء، إذ أن النظام البرلماني ظهر الى الوجود في الديمقراطيات العريقة، انطلاقاً من حق النائب في طرح سؤال يؤدي إلى نقاش عام. وهناك إضافة أخيرة وتتعلق بإصدار القانون في أجل محدود، إذ يجب أن ينشر بالجريدة الرسمية ويدخل حيز التطبيق في أجل لا يتعدى الثلاثين يوما من تاريخ المصادقة عليه. فخلال هذه المدة، يمكن إحالة القانون على المجلس الدستوري (خلال المدة التي تفصل ما بين التصويت النهائي على القانون وإصداره من طرف السلطة التنفيذية). { السيدة البرنوصي: يصدر صاحب الجلالة القانون في أجل محدد، لأن الأجل في المشروع الدستوري محدد في ثلاثين يوما، الشيء الذي لم تنص عليه دساتير 1962 و1970 و1972. وعندما نعلم أن من بين اختصاصات رئيس الدولة إحالة القوانين على المجلس الدستوري شأنه في ذلك شأن باقي الأعضاء الذين لهم حق الإحالة، وكذلك تعيين الوزراء، أي أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، ألا يمكن القول بأننا أمام إعادة تحديد مفهوم السلطات التنفيذية؟ الأستاذ روبير: أعتقد أنه، حين يتم إحداث جهاز لمراقبة دستورية القوانين، يجب إعطاء الكلمة وحق الإحالة لكلتا السلطتين، أي التشريعية والتنفيذية. إذ يجب أن يكون لكل من الشريكين في اللعبة السياسية الحق في إبداء رأيه فيما يخص القانون والطعن في دستوريته، والقول: »لست متفقا، هناك خرق لنص دستوري أو لحق أساسي، وأطلب من المجلس الدستوري أن يقرر في هذا الموضوع«. وبالفعل فليس من المستحب أن تتمتع سلطة واحدة دون غيرها بحق الإحالة. فمن حق الطرفين اللجوء الى القاضي الأسمى، فهذه هي دولة القانون. { السيدة البرنوصي: بغض النظر عن ركائز الشرعية التي أتت بها الدساتير الأربعة، والتي تعتبر من مقومات الهوية المغربية، ألا ترون أن الدستور الجديد مستوحى من دستور الجمهورية الخامسة؟ الأستاذ روبير: الفرنسيون يعتقدون دائما أن العالم كله يقلد مؤسساتهم، وأظن أنه من الواجب الجنوح الى عدم الاعتداد بالنفس، صحيح أنه عندما نقرأ مشروع مراجعة الدستور وينطبق هذا كذلك على دستور 72 فإننا نجد بالفعل عدة مؤسسات تشبه الى حد كبير مؤسسات الجمهورية الخامسة. كما يقال بأن فرنسا ملكية انتخابية، ففي فرنسا كما في المغرب يمكن نعت النظام السياسي ب »النظام البرلماني الثنائي«. بمعنى أننا أمام أنظار برلماني ذي سلطة تنفيذية قوية. وهذا أمر طبيعي لأننا نتقاسم نفس وجهة النظر والتي نجدها في النصين الدستوريين، النص الفرنسي، ومشروع المراجعة المغربي، إذ نجد فيهما مؤسسات متشابهة وعلى سبيل المثال فالفصل 35 يشبه كثيرا الفصل 16 من الدستور الفرنسي، وكذلك الحقوق والحريات المنصوص عليها في التصدير الخ... وأكرر مرة أخرى أنه من اللازم تجنب الاعتداد بالنفسي، فعند قراءة هذا النص و نشعر في فرنسا بنوع من الغبطة لكون مؤسساتنا أصبحت تشكل مدرسة. { السيدة البرنوصي: قرأت مؤخرا في الصحافة المغربية أننا لسنا على أبواب دستور رابع، ولكن نحن بصدد دستور ثاني جديد يختلف بشكل جذري عن الدساتير الأخرى التي عرفها المغرب حتي اليوم، بالنسبة إليكم أستاذ روبير، هل يمكن اعتبار مشروع دستور 1992 تجديدا تقنيا في اتجاه نص أكثر تكاملا مما سبق. أم هل يتعلق الامر بوثيقة مغايرة جذريا؟ الأستاذ روبير: لا أعتقد أنها وثيقة مختلفة جذريا، ولكن إذ ا أخذنا بعين الاعتبار المستجدات الأساسية، فيمكن اعتبارها كذلك نظرا لأهميتها. ولكن حينما نتفحص مختلف النصوص الدستورية نص 62 وباستثناء نص 70 و72 والنص الحالي، نلاحظ ان هناك استمرارية في ترسيخ مسار المغرب نحو النظام البرلماني، ولكن الأمر لا يتعلق هناك بجمهورية خامسة على الطريقة المغربية، لأن مشروع المراجعة يذكر بمقومات المغرب الأساسية فهو يبقى في نص الدستور بلدا مسلما ومملكة عربية وأرضا حرة افريقية، وهذه حقائق لا يمكن تجاهلها، وهذه حقائق لا يمكن تجاهلها، وتعتبر مدعاة فخر للمغرب. { السيدة البرنوصي: عفوا أستاذ روبير، في حديث عن »دوغولية وراثية« أريد أن أقول بأنه يمكن تحليل الدستور على مستويين اثنين: مستوى المشروعية، أي الجانب التاريخي الوطني، ومستوى تقني أي الجانب القانوني والعقلاني. فعلى مستوى المشروعية، من المؤكد أن للدستور المغربي عبقريته وهويته الخاصة، ولكن على المستوى التقني والقانوني يمكن الربط بين الجمهورية الخامسة ومشروع دستور 1992. الأستاذ روبير: صحيح أنه على المستوى التقني القانوني، هناك تشابه كبير بين نص الجمهورية الخامسة، وبين مشروع مراجعة الدستور المغربي، يبقى أن الصراعات القديمة والنقاشات القديمة للشرعية والمشروعية متجاوزة. الشرعية هي موافقة الأمة وإجماع الأغلبية، فالحكومة التي ترتكز على إجماع الاغلبية حكومة شرعية، وإجماع الأغلبية والشرعية ينبثقان من صناديق الاقتراع لذا يجب استشارة الشعب إما مباشرة أي بواسطة الاستفتاء وإما بطريقة غير مباشرة عن طريق انتخاب النواب، وهذا ما سيتم بدون شك إنجازه مستقبلا. { السيدة البرنوصي: السيد جاك روبير، لدينا الآن نص قانوني متكامل، يتسم بانفتاح كبير، نص جدير بالاحترام، فهل سيكون هناك توافق ما بين هذا النص وكيفية تطبيقه؟ الأستاذ روبير: هذا ما أتمناه، فالنصوص القانونية بدون عطاءات وقيم الساهرين على تطبيقها لا قيمة لها. وعليه فالنص القانوني الجيد ومشروع المراجعة نص جيد سيستقطب أشخاصا قادرين على إدخاله حيز التطبيق، وهذا ما أتمناه من كل قلبي.