كان الشعر ومازال سفرا للإنسان من أجل ذاته ليقترب من ذهب الجمال الجواني، وليمدّ يده نحو الآخر المختلف. يحمل الشعر تحت قناع المتخيل مخاوف الشاعر وأسئلته، أحلامه وآماله. هذا الشاعر الذي يقتسم في دواخله انشغالات الإنسانية التي وسمت بميسمها أسطورته الشخصية. يملك حامل نار الشعر إذن امتياز ليّ عنق الأفكار الجاهزة واليقينيّات البرّاقة التي تهدّد السير العادل لمجتمعاتنا. وهكذا لا يتمثّل دوره في إيجاد الحلول المادية للمشاكل التي تقض مضجعنا في الحياة اليوميّة، بل في إيقاد نار النقاش الفعّال. نحتفي اليوم باليوم العالمي للشعر الذي يعود فضل الاحتفاء به عالميّا إلى المغرب، مادام الاحتفاء بالشعر والشعراء عملة نادرة عبر العالم. قال أحد الفائزين بجائزة نوبل في العاشر من دجنبر 1960 :« هنا لا يحتفى بالشعر، لأن القطيعة تزداد حدة بين الشعر وبين نشاط مجتمع يخضع لعبودية المادة. هذه الهوّة يقبلها الشاعر لكنّه لا يبحث عنها، والشيء نفسه يعيشه رجل العلم دون الممارسة التطبيقيّة للعلوم. لكنّنا نحتفي هنا في حالتي الشاعر والعالم بالفكر الخالص. لذلك لا ينبغي النظر إليهما كإخوة أعداء، لأنّ سؤالهما واحد على شفا الهاوية نفسها. وما يفرق بينهما فقط هو طريقة البحث والإبداع.». نحيّي بهذه المناسبة أيضا العمل العميق الذي يقوم به بيت الشعر في المغرب. ونرحبّ باسم الشعر بالشعراء الذي تعبّأوا اليوم حول الشعر الذي يعني الخلق و التغيير بالفعل اليوميّ والفنّي. فبالنسبة لقارّتنا الإفريقيّة اليوم وغدا، يمكن للشعر أن يصبح ملاذا لإنسانيّة جديدة محرّرة من كل عصبيّة متطرّفة في سفر العبور اللامنتهي، وأن يعتبر صيرورة وقفزة إبداعيّة تبني أسسا إفريقية جديدة نحن في أمسّ الحاجة إليها اليوم. من أجل إفريقيا اليوم وغدا، يحمل الشاعر زوّادته أحلامه ورآه مشعلا صدى أمل في آلاف الأرواح التي تنتظر تحريرا حقيقيّا من أجل قارة إفريقيّة موحّدة، متعدّدة وخلاّقة. -- (*) شاعر من الكاميرون، وهذا نص كلمته الخاصة بالدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي الإفريقي الذي ينظمه «بيت الشعر في المغرب» بزاكَورة من 19 إلى 21 مارس بمناسبة اليوم العالمي للشعر