لم يكن خطاب رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي في اختتام الدورة الأولى من الولاية التشريعية العاشرة، المنعقدة أول أمس إعمالا لأحكام الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلس، خطابا عاديا في زمن سياسي عادي، بل كان خطابا تتزاحم فيه العبارات كي تعلن في مدلولها ودلالاتها أن الوضع غير طبيعي، وأن هناك زمنا غاليا يقتطع من الوطن في دقة المرحلة وراهنيتها، وأن المؤسسة التشريعية التي يسعى الزمن السيء إلى إفراغها من مهامها، من المفروض عليها القيام بذلك في تقييم أثر السياسات المعتمدة من طرف الحكومة ووزاراتها، وتقييم أدائهن في تنفيذ هذه السياسات، وممارسة العمل الدبلوماسي الموازي بناء على تصور يعي حجم التحديات المطروحة على المغرب في ظل محيط إقليمي ودولي يعرف تحولات انقلبت فيها كافة الموازين، الشيء الذي يستدعي استحضار هذه التحولات في عمل مؤسساتي منسجم بأغلبيته ومعارضته في ظل دستور قادر على تنظيم العلاقة بين كافة الفرقاء السياسيين، خدمة لتصورات رهينة بمصلحة بلادنا. وهي التحديات التي فرضت نفسها على خطاب رئيس مجلس النواب، رغم التقديم الذي حرص الحبيب المالكي ،كعادته، على اقتناء الجمل فيه كي يعيد للمؤسسة التشريعية هيبتها من أجل ممارسة دورها الدستوري، تشريعيا وسياسيا، في دولة عريقة كالمغرب، وهو توجه إلى الذات الجماعية في تناول قضايانا الكبرى، استحضر فيه خطاب رئيس مجلس النواب حدث عودة المغرب إلى مكانه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي حيث «كنا جميعا في الموعد مع التاريخ حينما صوتنا بالإجماع على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي. ولذلك لا ينبغي، ولا يحق لنا أن نخلف موعد اليوم وغدا في اتجاه مواجهة التحديات التي تنتظرنا في هذا السياق، إذ علينا ألا نجعل من الزمن السياسي خصما، بل شريكا وحليفا لتحصين المكتسبات ومواجهة التحديات». وهي التحديات التي تذكر ب»خطورتها، حيث فاقمت الأوضاع في محيطنا الشمال الإفريقي وفي الشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء، من المخاطر الأمنية وعولمة الإرهاب وانتشار خطاب التطرف والتشدد، فيما يساهم انهيار الدولة في بعض البلدان في الفوضى وازدهار تجارة السلاح وتهريب البشر والجريمة المنظمة وكل الممنوعات، وفاقمت النزاعات الداخلية من معاناة ملايين البشر الباحثين عن أماكن آمنة مع ما يطرحه ذلك من أسئلة حول معنى التضامن اليوم، ومعنى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والحقوقية تجاه ظاهرة الهجرة واللجوء التي تسائل الضمير العالمي في الوقت الحاضر، وبالموازاة مع هذه الأوضاع، وفي علاقة جدلية معها، تزدهر في مناطق أخرى من العالم خطابات الانطواء على الذات وتجد خطابات النزعات القومية الضيقة صداها لدى شرائح اجتماعية واسعة مع كل ما يحتمله ذلك من تطورات وتداعيات على العلاقات الدولية، وعلى الأمن والسلم في العالم، وعلى الأوضاع الداخلية لكل بلد، وبالأساس على القيم المشتركة بين أعضاء المجموعة الدولية «. تحديات دفعت رئيس الغرفة الأولى بالمؤسسة التشريعية إلى أن يغير من نبرة الخطاب ومن تصاعد وتيرته دفاعا عن مفهوم الشراكة في الممارسة السياسية. وهو المفهوم الذي مافتئنا في الولاية السابقة ندافع عنه كحزب وكفريق اشتراكي، حيث سجل فيه الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مرافعات من بوابة الدستور المتقدم في الفصل العاشر منه، الدفاع عن إشراك المعارضة في وضع القوانين المصاحبة للدستور لتنظيم العمل الرقابي في بلادنا ، عمل تتساوى فيه المعارضة والأغلبية في النهوض بالعمل المؤسساتي بمفهوم الشراكة، ويتوجه فيه العمل الرقابي إلى عمق قضايانا الاستراتيجية بالتعاون والتضامن والتباري الحقيقي لتناوبات سلسة تخدم الذات الجماعة أي الوطن . لهذا كانت الجمل النواة تتخذ أبعادها ودلالاتها على لسان رئيس مجلس النواب كي يسجل بقلق كبير أن «هذه التحولات والظواهر الجديدة على الصعيدين الجهوي والدولي، ومستلزمات تحصين المكتسبات التي حققتها بلادنا والدفاع عن مصالحها العليا في محيط، بقدر ما يحمل من آمال وما يتيحه من مؤهلات وإمكانيات، بقدر ما يطرح أيضا تحديات وتساؤلات مقلقة، كل ذلك يملي علينا مسؤوليات جسيمة للتجاوب مع نداء التاريخ ونداء المرحلة، من خلال الحرص على إعمال مقتضيات الدستور، والاضطلاع بأدوارنا الرقابية والتشريعية، واتخاذ المبادرات التي يقتضيها الراهن الوطني والجهوي. ويظل السؤال مطروحا، هل الارتقاء السياسي والوعي الاستراتيجي بدقة المرحلة و راهنيتها يشكل موضوعا شريكا بين الفرقاء السياسيين والمسؤول عن الوضع الحالي في بلادنا وأعني رئيس الحكومة المعين من طرف ملك البلاد لتشكيل الحكومة، وهل نحن نجتر زمننا السياسي السيء الذي ضيعنا فيه قوانين مصاحبة للدستور بافتعال معارك في قبة البرلمان بالأمس، بطلها من حج مرات عديدة في الخمس سنوات الماضية إلى الجلسات الشهرية ليحول المسار إلى الحديث عن الذات والاستقواء بالأغلبية العددية والانحياز إلى حزبه عوض القيام بمهامه الرئاسية في الحكومة، وهي المهمة التي يملك فيها الصلاحيات الواسعة التي ينبغي أن تخدم البلد عوض دكان حزبي كيفما كانت قناعاته السياسية والإيديولوجية، وذلك هو الموقع الذي ناضلنا من أجله كي نعطي للمؤسسة الحكومية أبعادها المؤسساتية والدستورية في ظل دستور المسؤولية والمحاسبة. وهو السؤال الذي يشكل نواة خطاب رئيس مجلس النواب، الذي فضل أن تكون الدورة التي غابت عنها مهامها الفعلية،بالفعل والقوة، دعوة إلى الفصل بين الخصم والشريك في العمل المؤسساتي الذي يستدعي في مهامه « الانضباط في العمل وتجويد الخطاب وإعطاء صورة متجددة عن المؤسسة التشريعية لدى الرأي العام» والهدف هو « تقدم بلادنا وترسيخ الديمقراطية والاستجابة لتطلعات الشعب المغربي والارتقاء إلى مستوى تطلعات جلالة الملك أعزه الله».