ونحن على بعد يوم من افتتاح فعاليات الدورة 23 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، نرى أنه لابد من إبداء بعض الملاحظات والتساؤلات التي تبدو لنا مهمة، وتحتاج الى إعمال بعض التفكير فيها لتجاوز وضعية تداول الكتاب الورقي وانحسار نسبة القراءة. المقروئية والإقبال تسجل كل سنة عند نهاية المعرض نسب المبيعات من الكتب وعدد الزوار. وهذه النسب التي تعرف ارتفاعا سنة بعد أخرى تحتاج الى قراءة في الزمن وفي الأثر التي تخلقه على مستوى حركية المشهد الثقافي بالبلاد، قراءة ونشرا وتوزيعا بعيدا عن كل لغة مطمئنة ومسكونة بهاجس الارقام كدليل على النجاح، قراءة تنطلق من الأسئلة التالية: هل تعكس مبيعات الكتب خلال المعرض متن القراءة أم هامش الاقتناء؟ وهل لتسويق الكتب وعدد الزوار أثر على تنمية وارتفاع نسبة المقروئية داخل مجتمع ما؟ فإذا كنا نتفق على أن ظاهرة المعارض ظاهرة صحية ، فإنه في غياب فعل قرائي مستمر في الزمن وغير مقتصر على اللحظة المناسباتية، تبقى النتائج قاصرة نوعا ما عن اتخاذها معيارا لقياس حجم المقروئية، ودينامية المشهد الثقافي، وهي مسؤولية تتشارك فيها وزارات وقطاعات ولا يمكن تحميلها لوزارة الثقافة وحدها. الثقافة الإفريقية تأتي استضافة دول وسط إفريقيا ضيف شرف الدورة 23 للمعرض الدولي للكتاب في سياق وطني منتشِ بعودة المغرب الى عمقه الإفريقي مؤسساتيا، وهي العودة التي يجب أن تتأسس على قواعد صلبة لربح رهانها الاستراتيجي . فالمغرب الذي انشغل ثقافيا، ولعقود ما بعد الاستقلال، بقضايا الشرق القومية وتكريس بعده العربي، حصر علاقته بإفريقيا في ماهو سياسي ، خصوصا في قضية الوحدة الترابية وبالنتيجة تم إغفال البعد الهوياتي والثقافي الإفريقي للمغرب. اليوم القاعدة الصلبة لتثبيت هذا التوجه الاستراتيجي هي قاعدة الثقافة والهوية والتي يجب استثمارها جيدا والعمل من واجهتها لأنها تختزن رصيدا هاما من التراكم التاريخي والثقافي والروحي، بالانفتاح على كل إفريقيا الفرنكفونية والأنجلوسكسونية للاستفادة من غنى وتنوع هذه الثقافات. دور النشر من بين 353 عارضا مباشرا في فعاليات المعرض، تحضر دور النشر المغربية ب 55 ناشرا، فيما تسجل دور النشر الاجنبية حضورا ب 154 دارا. وهو حضور لا يمكن قراءته بعيدا عن معيقات ومشاكل النشر بالمغرب في سوق تتسم بالركود القرائي وحسابات الربح والخسارة وهو ما يجعل دور النشر الاجنبية تتفوق حضورا بالنظر الى حركية النشر الحيوية داخلها. لكن هذا المعطى الواقعي لا يجعلنا نغفل الكم الهائل من الاصدارات المغربية الرصينة في مختلف أصناف المعارف التي تتولى نشرها دور نشر أجنبية مما يفتح السؤال عريضا: لماذا يلجأ كتابنا الى دور نشر بالخارج ؟ هل لإشعاع هذه الدور عربيا وانتشارها أم لبريق الاسم، أم أن مشاكل قطاع النشر بالمغرب تدفع في هذا الاتجاه؟