تاريخ 20 غشت بما يجسمه من أبعاد وطنية لثورة الملك والشعب. هذا التاريخ سيضاف له ولاشك البعد الآخر، المسار الدستوري. إذ في هذا التاريخ أعلن جلالة الملك عن مشروع مراجعة الدستور. هل يمكن ان نستعرض مع الاستاذ العروي وبإيجاز المحطات التاريخية الكبرى في حياة المجتمع المغربي ككل، قبل أن يتبلور مفهوم المؤسسة الدستورية المغربية في شكلها الحالي؟ الانطلاقة الاولى بالطبع هي المؤسسة القديمة العتيقة المعروفة، وهي مؤسسة البيعة، فكما هو معروف في التاريخ فإن الدولة المغربية تأسست على ركيزتين. الركيزة الاولى محلية وهي القيادة أو المشيخة القبلية، والركيزة الثانية إسلامية وهي الإمام. وهاتان الركيزتان توحدتا في شكل البيعة أو المبايعة. ولهذه البيعة تاريخ طويل تطورت فيه، ويعرف ذلك المتخصصون ولاداعي هنا للدخول في التفاصيل. أريد أن أركز على نقطة واحدة وهي ما أسميه بالاصلاح المهم الذي حصل في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، أيام حكم السلطان محمد الثالث وخلفه السلطان سليمان. هنا أعيد النظر في نظام البيعة وأصبحت أكثر التصاقا وأكثر وفاء للبيعة النبوية المعروفة، أي أصبحت في شكل البيعة التي جاءت في القرآن الكريم. وكانت البيعة مكتوبة تأتي من كل مدينة مدينة ومن كل قبيلة قبيلة. هذه المرحلة، في نظري وهي المرحلة الثانية أساسية. هناك مرحلة ثالثة لا تقل أهمية عن السابقة وهي مرحلة السلطان محمد الرابع في أواسط القرن التاسع عشر الذي أدخل أمرين أساسيين: الاول، انه في ظواهر مهمة أعاد الى الاذهان ان الدولة لا توافق على الظلم وقال ذلك مرارا، بحيث أصبحت الدولة محلية تطالب ممثليها من المحليين ان يلتزموا بالقانون بكل معناه. وأدخل محمد الرابع نقطة ثانية أساسية، وهي الاستشارة. طبعا المشورة من الدين، ولكن محمد الرابع ادخل الاستشارة بكيفية منهجية في شكل ان كلما اضطر, أو كان على السلطان, على الملك ان يتخذ قرارا مهما جدا، في الامور الثانوية، ولكن قرارا يتحكم في مستقبل الدولة المغربية، فكان يستشير أي يطلب علنا من زعماء الدولة الدينيين ومن التجار الكبار والموظفين وكتاب الدولة والعلماء وأصحاب الفتوة الخ... ان يجيبوا كتابة وينشروا رأيهم في نقطة معينة. ثم سار على هذا الدرب الحسن الاول بحيث أصبحت منهج الاستشارة. هناك الاستشارة العامة وهناك الاستشارة الخاصة. إذا كان الامر يتعلق بشيء تقني فهناك استشارة خاصة، وإذا كان الامر يتعلق بأمرعام، فهناك استشارة عامة يشارك فيها الجميع داخل المسجد. التطور الرابع أساسي وهو دعوة مجلس الامة, المجلس الذي دعا إليه السلطان مولاي عبد العزيز سنة 1905 .فهذا تطوير للاستشارة التي كان يسير عليها السلطان الحسن الاول. وتطورت بعد 1905 حيث نتجت حركة دستورية مهمة جدا معروفة ونشرت أفكارا حول هذا الموضوع لإصلاح الجهاز المغربي. ولكن الأهم فيه هو بيعة 1908، إن هذه البيعة تطور للبيعات السابقة التي أصبحت في شكل يقترب مما يمكن ان يسمى بدستور الحاكم. كان هناك كذلك مشروع دستور 1908؟ هنا، لا أريد أن أدخل في هذا النقاش لأنه يهم المختصين، هناك من يعطيه أهمية كبيرة، وهناك من لا يعطيه نفس الاهمية، لأنه كان في صورة ترجمة للغة العربية للدستور العثماني المعروف بدستور 1876 الذي علق لمدة 30 سنة، ثم أعيد العمل به سنة 1908، فكانت إذن هذه النقطة، نقطة الدستور في العالم الاسلامي آنذاك مطروحة، فبعض المثقفين المغاربة أخذوا هذا الدستور وترجموه الى العربية وحاولوا ان يكيفوه مع الحياة المغربية. في نظري هذا الدستور أقل أهمية من بيعة 1908، لأن هذه البيعة تتويج للبيعات السابقة، الى حد أنه نظريا لو لم يحصل نظام الحماية، لربما تطور هذا النوع من البيعة تطورا طبيعيا الى دستور مكتوب في الشكل الحديث. إذن أربع محطات بارزة قبل الحماية، نأخذ مرحلة من الحماية الى الاستقلال لماذا تعلقت جميع المشاريع؟ طبعا، وقع التعدي على كل عمل وطني حيث وقع تجميده، بماذا يمكن ان نصف هذه المرحلة؟ مرحلة الحماية، طبعا كما قلت جمدت هذا التطور وربما أجهضته ولمدة طويلة توقف كل عمل دستوري لأن السياسة الرسمية للحماية كانت تبقى الامور على ما كانت، كما كانت تتصور هي الأمور ,حيث كانت لها نظرية مخالفة للواقع تماما في صلب الدولة المغربية. ولكن بجانب ذلك نظموا تمثيلا للأجانب، ثم بعد ذلك في مرحلة ثانية طلبوا من بعض المغاربة ان يشاركوا في هذا التمثيل، فوضع مشكل عويص بالنسبة للحركة الوطنية وللأقلية المتنورة في المغرب آنذاك. وهو إما أننا ندخل في هذا النظام الفرنسي الجديد، ونتمشى شيئا فشيئا نحو نظام تكون فيه السلطة مشتركة بين الفرنسيين والمغاربة، وهذا ما كان يسمى بتقسيم السيادة. وهذا ما بدا ظاهرا سنة 1950 عندما عرضت على الملك محمد الخامس إصلاحات 1955 ورفضها. إذن إما نساير هذه الاصلاحات وندخل في التمثيل ونشترك في السلطة، وإما نحترس ونقول لامشاركة إلا بعد الاعتراف بالسيادة المغربية، وحينئذ نبقى بدون تمثيل، وبدون مؤسسات تمثيلية. ويمكن القول بأن هذا المأزق هو تقريبا ما يواجهه الآن إخواننا الفلسطينيين في مفاوضاتهم. فكان الرد. رد الوطنيين عموما رد جلالة الملك المرحوم محمد الخامس والحزب الوطني، الرد هو: نرفض إصلاحات 1950 نرفض الدخول في هذه المشاركة في السيادة الى ان يتحقق الحق ونرجع الى السيادة المغربية، ولكن بمجرد تحقق الاستقلال نبني نظامنا الدستوري على أسس تمثيلية عصرية. دون الدخول في التفاصيل, فقط كلمة عن المشروع الحالي والتطور الذي حدث داخل المغرب في نظركم, هل هو ناتج عن تطور المغرب, أو فقط تطور فكرة المؤسسة الدستورية بالمفهوم المغربي، أين تضعون هذه العملية الوطنية؟ فيما يخصني شخصيا، أظن أن هذا التطور مزدوج ولكن مع ذلك أعطى الاهمية للتطور الداخلي، لتطور المجتمع المغربي، وأضع الدستور، مشروع الدستور الحالي في سياق التطور العام مما بدأت به، أي من نظام البيعة الى ما نصل إليه. أريد فقط، فيما يتعلق بهذا المشروع، مشروع دستور 1992 أن أركز على فكرتين: الفكرة الاولى ليست مذكورة مباشرة في الدستور, ولكن صاحب الجلالة نصره الله تكلم عنها في التقديم، وهي المتعلقة بتحرير المرأة، وأنا كما هو معروف من أنصار تحرير المرأة، وأقول أنه من الأهمية بمكان أن يكون صاحب الجلالة صاحب الأمر هو الذي فتح الباب للنقاش والاجتهاد في هذا الموضوع. النقطة الثانية: في نظري النقطة الأساسية في مشروع الدستور أنه يحدد تماما المستويات, مستويات السلطة ومستويات القانون, هناك مستوى السيادة بالمعنى العام, بالمعنى الاسلامي الذي كما يقال هي سيادة الدار والإيمان. هذا المستوى معروف, مستوى الظواهر. وحتي لا ندخل في التفاصيل، هنا المسؤولية تاريخية، مسؤولية أمام التاريخ وأمام الاستمرارية التاريخية. المستوى الثاني وهو مستوى الحكومة، أي مستوى القانون مستوى البرلمان, وهنا المسؤولية مسؤولية سياسية وفيها طبعا النقاش حول البرنامج الاقتصادي والاجتماعي إلخ... وللبرلمان إما الموافقة، وإما عدم الموافقة، وإذا حصلت الموافقة وحصل زيغ على البرنامج المرتقب فهناك ملتمس الرقابة. إذن مسؤولية سياسية بالمعنى الكامل. المستوى الثالث، ولا يقل أهمية على المستوى الثاني وهو المسؤولية على المستوى الاداري. لا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكن الآن هناك مسؤولية إدارية بحيث كل صاحب سلطة مفوضة يصبح الآن هو المسؤول عن ممارسة تلك السلطة، ولا يمكن الرجوع الى ما فوق أو التهرب من المسؤولية بالرجوع الى ما فوق. كل واحد مسؤول عما هو في مستواه. وهناك طبعا إمكانية التحاكم الى هذه المجالس التي منها المجلس الدستوري، ومنها من هو خارج الدستور ولكن داخل أيضا في أجهزة الدولة، وهي المحاكم الادارية، ومن هناك جاءت أهمية الكلام في الديباجة على الحقوق، حقوق الانسان المتعارف عليها عالميا وهذه نقطة أساسية ومهمة. أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط ورد هذا الحوار ضمن كتاب «مراجعة الدستور المغربي 1992»