«إذا كانت المنطقة تعاني من نقائص بنيوية عديدة تجعل المعاناة هي العنوان الأبرز ليوميات سكانها، من مختلف الأعمار، إناثا وذكورا، طيلة شهور السنة، سواء خلال أيامها الباردة أو الحارة، فإن هذا الموسم تميز بتقهقر أوضاع المجموعة المدرسية الوحيدة بشكل لم يعد يحتمل تأجيل البحث عن بدائل ناجعة قبل فوات الأوان». إنها الخلاصة التي توحدت حولها آراء العديد من أبناء قبيلة إداوزكري المتواجدة بالنفوذ الترابي للجماعة القروية إيماون بالمساحة الجغرافية لإقليم تارودانت، تعلق الأمر بالقاطنين بدواويرها أو بالمستقرين بمختلف المدن المغربية تحت إكراه الارتباط بمقرات العمل. وبخصوص المعطيات الخاصة ب «عملية التعليم والتعلم»، فإن دواوير القبيلة تتوفر على «مجموعة مدارس الأطلس الصغير» الابتدائية، متوزعة بين المركزية المتواجد مقرها ب «تسركا» وعدد من الفرعيات - تسع فرعيات - وهي: «أكرض نوالوس» ثلاثة أقسام، «تيزولا «قسمان،» أنامر «قسم واحد، تماجوت «قسمان»، «إغيروابوض» قسمان، «توزليمت» قسمان، هذه الأخيرة تتواجد بمحاذاة الوادي وتفتقر لسور يحميها من أي فيضان محتمل!، «أيت الطالب» قسمان، «إلماتن» ثلاثة أقسام ، «تيزي نواداي « ثلاثة أقسام، هذه الفرعية تعيش على وقع مفارقة غريبة ، حيث أنه بالرغم من توفرها على سكن للمعلمين ، مقارنة مع فرعيات أخرى يعاني فيها المعلمون والمعلمات الأمرين نتيجة افتقارها لمساكن تقيهم قساوة الظروف المناخية، فهي لا تضم سوى 10 تلاميذ فقط، بسبب توالي هجرة الأهالي صوب المدن في أفق تمكين أبنائها من فرص التمدرس في ظل شروط أكثر ملاءمة. وإلى جانب عدم التوازن المسجل على مستوى توزيع أعداد المتمدرسين - 320 تلميذا وتلميذة بالمجموعة كلها - من فرعية إلى أخرى، والذي يشكل عقبة كأداء أمام الأطر التربوية لأداء مهامها على الوجه المطلوب، هناك عامل الأقسام المشتركة المتعددة المستويات ، حيث على المعلم - أوالمعلمة - أن يقسم السبورة لكل مستوى على حدة داخل حجرة ضيقة، مع ما يعنيه ذلك من صعوبة في التواصل وتأثير سلبي على عطاء ومستوى استيعاب وفهم مستغلقات الدروس من قبل المتمدرسين ذوي اللسان الأمازيغي. وينضاف لما سلف من سلبيات وعوائق، غياب المرافق الصحية في مجمل الفرعيات، وحتى المتوفر منها يفتقد للحد الأدنى من الشروط الصحية. يقول أحد المنشغلين بالعمل الجمعوي حول هذه النقطة: «كيف يمكن لنا أن نقنع الآباء بضرورة إرسال بناتهم إلى المدرسة والفرعيات لاتتوفر على مراحيض لائقة تمكن التلاميذ والتلميذات من قضاء حاجتهم الطبيعية في منأى عن خطر الإصابة بمرض من الأمراض جراء اشتداد البرودة مثلا، دون إغفال أن التقاليد المحافظة لا تنظر بعين الرضى لمشاهد قضاء الحاجة في الخلاء، خاصة بالنسبة للفتاة»، مضيفا: «وهذا العائق يعد أحد عوامل الهدر المدرسي بالمنطقة، أو حرمان الصبايا، بالمرة، من حقهن في التمدرس، ومن ثم يتم تكريس الأمية واتساع دائرتها بتداعياتها الثقيلة مستقبلا، على الفرد والجماعة، في تناقض صارخ مع المجهودات المبذولة والبرامج المسطرة على الصعيد الوطني، في أفق التقليص من معدلات الأمية وتدارك الزمن الضائع في ما يخص تمتيع كافة أبناء وبنات الوطن من حقهم في التعلم والانعتاق من مخالب الجهل واللاتعلم « . خطار أخطار ألاخطر في سياق الحديث عن النقائص المحيطة بعملية التمدرس، دائما، طفت على السطح، هذا الموسم، مسألة التأخر في تمكين متمدرسي الفرعيات من مقررات عدد من المواد ضمنها « التربية الإسلامية، التربية التشكيلية، النشاط العلمي ، الاجتماعيات...»، حيث لم تتوصل إدارة المجموعة بالكمية المخصصة لها سوى في الأيام الأخيرة من سنة 2016، التي طويت صفحاتها في نهاية الأسبوع المنصرم؟ وتعليقا على هذا «الواقع المعتل»، تساءل المتحدث الجمعوي قائلا: «هل في ظل مثل هذه الظروف غير السليمة، يمكن الحديث عما تسميه بلاغات الوزارة الوصية ب «تكافؤ الفرص» بين أطفال مختلف الجهات؟، فإذا كان صغار وصغيرات جهات أخرى قد قطعوا أشواطا متقدمة في تحصيل الجديد من المعارف واكتساب المهارات، فإن أبناء دواوير القبيلة، مازال التعثر يطاردهم، رغم الجهود التي يبذلها الطاقم التربوي والإداري لتجاوز الإكراهات المتعددة الأوجه؟». وفي سياق العوائق، أيضا، تحدثت بعض المصادر عن تكرار حالات الغياب وسط المعلمات تحت مبررات شتى، كما هو حال معلمة غابت لأزيد من شهر بفرعية «تيزولا»، وأخرى ب «تيزي»، دون نسيان الحالة المتهالكة للأقسام، التي فقدت غالبية نوافذها مناعتها نتيجة للتكسير والإتلاف، ما دفع التلاميذ للاستعانة بالبلاستيك قصد اتقاء تسرب التساقطات المطرية وضربات البرد القاسية، بعد أن بلغت الحرارة، مؤخرا، درجات غير مسبوقة من الانخفاض. هي، إذن، وضعية تسيجها «الأعطاب» من كل جانب تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة، سواء من قبل الآباء والأمهات أو من طرف الإدارة التربوية للمجموعة المدرسية بالمنطقة، ليبقى الأمل معقودا، وفق تصريحات بعض الجمعويين من أبناء القبيلة، على مشروع إحداث «مدرسة جماعاتية»، الذي سبق مراسلة المديرية الإقليمية لقطاع التربية والتكوين بتارودانت بشأن استعجالية إخراجه إلى أرض الواقع، وعقد لقاء ، مؤخرا، بمقر المديرية حضره النائب الإقليمي وممثلان عن جماعة «إيماون»، تم التباحث خلاله حول الموضوع ذاته ، كما تحركت فعاليات جمعوية من أجل توفير المبلغ المالي الكفيل باقتناء سيارة لتأمين نقل التلاميذ من مختلف الدواوير، طبقا لخريطة وبرنامح تتفق عليهما كافة الأطراف المتدخلة. هذا ومن بين أهم الأهداف التي تسعى «المدرسة الجماعاتية» - كبديل تربوي - إلى تحقيقها نجد: «تصحيح وتلميع صورة المدرسة كمؤسسة اجتماعية في أذهان السكان وثقافتهم - تجميع تلاميذ المستوى الواحد في الفصل الواحد لتفادي سلبيات الأقسام المتعددة المستويات - الحد من الهدر بمختلف تمظهراته: «المادي، البشري، المدرسي، الزماني» - ترشيد الموارد البشرية و ضمان استقرار المدرسين في ظروف أفضل والحد من عزلتهم الدافعة إلى غيابهم - إشراك الساكنة في تدبير وتسيير شؤون المدرسة عن قرب - تتبع المسار التربوي والتعليمي للمتمدرسين – كسب رهان جودة التعلمات من خلال استقرار المدرسين والمدرسات والحضور الفعلي للتلاميذ - تيسير عملية المراقبة وتأطير المدرسين، وحل معضلة إعادة الانتشار بالقضاء على الخصاص بالبوادي وتشجيع تمدرس الفتاة بالوسط القروي...». ترى هل يتحقق «الحلم» وتتاح لمئات طفلات وأطفال دواوير «إداوزكري» فرص التمدرس في ظل ظروف توفر الحد الأدنى من شروط التعلم ، كما هي «متعارف عليها» في مناطق قروية أخرى «أكثر حظا» على امتداد خريطة البلاد؟