كانت سنة 2015 حبلى بالأحداث الصحية، وعاش خلالها المشهد الصحي على عدد من الإيقاعات ومشاهد التباين، التي تميّزت تارة بالمدّ وتارة أخرى بالجزر، لكن بالنسبة لي وانطلاقا من تخصصي ومن الممارسة اليومية والعلاقة بالمرضى، فإني لا أستطيع أن أتجاهل تعبيرا كان يرد على لسان عدد من المرضى، خاصة في أوساط النساء، حين حديثي معهن عن الإحساس الذي كانوا يشعرون به بسبب وزنهن الزائد، فكانت أغلب المريضات ترددن نفس الجواب «كنت كنتسنى مول الأمانة ياخد أمانته»! تعبير خطير، قاسٍ، وبالغ الصعوبة، عصيّ على الاستيعاب والتقبّل، مبعث للألم، فأي إحساس هذا الذي يجد المريض نفسه يحسّ به، وهو يؤمن بأنه انتهى ولم تعد تربطه بالحياة إلا مرحلة زمنية معدودة، بعدما أضحى عاجزا وأصبح عالة على غيره، فاقدا الأمل في غد أفضل، ينتظر مغادرة الدنيا دون أن يعيش مرضا عضويا بالمعنى المتعارف عليه، أو يصاب بأحد الأمراض التي يصنّفها البعض في خانة الخطيرة والمحبطة كالأمراض السرطانية، ومع ذلك نجد مثل هؤلاء المرضى يرفعون الراية البيضاء ويعلنون استسلامهم وهزيمتهم، مادام العلاج بالنسبة لهم هو بعيد المنال؟ إنها أحد أبرز ما رافقني خلال سنة 2016، وهي نفس الجملة التي أستقبل بها سنة 2017، مع عزيمة قوية على رفع التحدّي، إلى جانب كل الإعلاميات والإعلاميين بمختلف المنابر الإعلامية، مرئية كانت أو مسموعة، ورقية أو إلكترونية، الذين أوجّه لهم تحيّة خاصة واستثنائية، وأؤكد أنه علينا أن نضع يدا في يد وننخرط جميعا لمواجهة وباء يفتك بأكثر من 10 ملايين مواطن مغربي، قد يكون أحدهم قريبا لأي منا، أو أحدنا نفسه، وقد يكون كل واحد هو مشروع مريض بالسمنة غدا، إذا أغفل شرط الوقاية قبل السقوط في دوامة العلاج، ذات الكلفة الباهظة ماديا ومعنويا. إن السمنة لم تعد مجرد مرض بل أضحت وباء عالميا، بانتقالها من الرتبة الخامسة إلى الثانية ضمن خانة الأمراض التي تُعدّ سببا في الوفيات، لها تبعات عضوية ونفسية على المرضى، فضلا عن كلفتها الاقتصادية والاجتماعية الباهظة على المرضى الذين يعانون من فرط الوزن، وعلى أسرهم والمجتمع عامة. معضلة صحية تتطلب تظافر الجهود، بالنظر إلى أن مغربيا واحدا من بين ثلاثة يئن تحت وطأتها، وهي مصدر للعديد من الأمراض المكلّفة، كأمراض القلب والشرايين، والسكري من النوع الثاني، وبعض أنواع السرطان، ومشاكل المفاصل، وصعوبات التنفس، واضطرابات النوم، وغيرها...، فضلا عن التبعات النفسية كما هو الحال بالنسبة للعزلة والاكتئاب... إن الكلفة المالية في المغرب لمواجهة داء السمنة والأمراض المرتبطة به، تصل سنويا إلى 24 مليار درهم، أي حوالي 3 في المئة من الناتج الداخلي الخام، مبلغ كان من الممكن أن يُصرف لبناء مراكز استشفائية جامعية متعددة، أو مئات المراكز الصحية وعشرات المؤسسات التعليمية، وعليه يجب على الجميع، اليوم وبشكل ملحّ، الانخراط في نقاش جماعي، يجعل من السمنة أولوية يومية، عند الأطباء والمسؤولين والإعلاميين والفاعلين الجمعويين، وكل المغاربة، بهدف تحسيس المواطنين وتوعيتهم بتفاديها، وبنهج سياسة وقائية من الداء باعتماد نمط غذائي سليم وممارسة الرياضة، باعتبارها أفضل من الدخول في دوامة العلاج المكلّفة والخضوع للجراحة، التي لا يمكن أن تكون الوسيلة الأولى للتعامل مع السمنة، علما أن الدولة ليست لها الإمكانيات المادية والمعنوية المطلوبة لمواجهتها، أو الاستسلام للمرض وتبعاته. اختصاصي في جراحة التجميل والسمنة