انطلقت أمس بمراكش أشغال الدورة الخامسة ل»الحوارات الأطلسية» التي تجمع هذه السنة أزيد من 350 شخصية بارزة من 49 بلدا - مع تمثيلية متوازنة بين دول الشمال والجنوب - لمناقشة موضوع: «تغيير العقليات: استراتيجيات من أجل فضاء أطلسي في مرحلة انتقالية». ويبحث المشاركون في هذا المنتدى الذي ينظمه كل من مركز السياسات التابع للمكتب الشريف للفوسفاط و صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة ، سبل إنماء فضاء المحيط الأطلسي، الواعد والمتحول، والذي أصبح مثار نقاش واسع نتيجة النمو الذي يعرفه، والفرص التي يوفرها. حيث يحتل الحوض الأطلسي مكانة استراتيجية في الاقتصاد العالمي نظرا للوزن المحوري الذي يمثله الجزء الشمالي لهاته الجهة. فاقتصاد كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي يشكل أكثر من 51٪ من مجموع الناتج الداخلي العالمي. ورغم أن اقتصاديات دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، التي لها منفذ على المحيط الأطلسي، لا يشكل، على التوالي، سوى 6٪ و 1٪ من إجمالي الناتج الداخلي العالمي، فإن التوقعات المستقبلية تبقى متفائلة جدا بفضل الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها مؤخرا هاته الاقتصاديات والتي توفر لها استقرارا أكبر. وتسعى بلدان الجنوب، التي أدركت كل الإمكانيات التي تتوفر عليها، إلى تطوير التعاون في ما بينها، وإلى تحقيق اندماج أفضل داخل الفضاء الأطلسي بكامله. والمثال الأكثر وضوحا ،في هذا السياق، هو، بالتأكيد، ضرورة توفير الطعام ل 9 ملايير شخص بحلول 2050. ومعروف أن إفريقيا، بفضل 65٪ من أراضيها الصالحة للزراعة غير المستغلة، هي القارة الوحيدة القادرة على توفير ذلك. وفي المجال الاقتصادي، عرف النمو تزايدا مضطردا في مجموع القارة الإفريقية، ذلك أن 27 دولة ذات اقتصاد قوي من مجموع 30 دولة في إفريقيا أصبح نموها في تزايد من 2000. وحسب البنك العالمي، فإن الدول الإفريقية تحتل المرتبة الأولى ضمن الخمسين بلدا التي استطاعت اتخاذ أفضل التدابير لتحسين المناخ القانوني للاقتصاد منذ 2005. ومن جهة أخرى، تضاعفت نفقات البنيات الأساسية خلال العشرية الماضية بحيث تشكل 3،5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي. وأخيرا، يتوقع أن تحتضن القارة في 2034 أكبر عدد من السكان النشيطين في العالم حيث يقدر أن يصل هذا العدد إلى 1،1 مليار شخص. ويرى المراقبون أنه بالرغم من سياسات التقرب والتودد إلى إفريقيا من طرف دول الشمال، وبشكل كبير، فإن السنوات الأخيرة عرفت ارتفاعا غير مسبوق للمبادلات التجارية بين بلدان الجنوب، وكذا للمبادلات بين الشمال والجنوب من جهة، وبين الجنوب والشمال من جهة ثانية. وهذه المبادلات الأخيرة لا تشمل السلع والخدمات واليد العاملة فقط، ولكنها تشمل أيضا تبادل القيم والأفكار والمشاريع والبرامج. وبالتالي، وفي ظل هذه الظروف، لا شك أن الوقت قد حان للبحث في كيفية إعادة التفكير في الفضاء الأطلسي وفي عقلياته. وقال المنظمون إن الهدف من هذه الدورة الجديدة هو إبراز منظومة الروابط التي تجمع بين الدول – مهما كان تنوعها– الموجودة في الفضاء الأطلسي والتي لها قيم مشتركة وتاريخ مشترك، لأن الإنسان في العمق وفي النهاية، هو ما يجمع هذا الفضاء المشترك. وستعمل دورة 2016 ل «الحوارات الأطلسية» – مع إفريقيا كضيف شرف – ستعمل على رسم معالم استراتيجيات تطمح إلى تعزيز حوار يدمج الجميع، ويعمل على تطوير تعاون وثيق يدمج أيضا الأجيال الشابة في المنطقة بكاملها في مسلسل بناء فضاء سليم، وتعاوني، وديناميكي، وموحد. وخلال الجلسة الافتتاحية أمس،ناقش المشاركون قضايا جوهرية مثل الاتجاهات الاقتصادية والانعكاسات الإقليمية للعولمة، وكذا آفاق الازدهار المختلفة المفتوحة أمام إفريقيا. وفي اليوم الثاني، سيعيد المتدخلون التفكير، أساسا،في موضوع مالية التنمية، وأوروبا بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد، كما سيتطرقون لمسألة في غاية الأهمية هي الأمن في منطقة الأطلسي، وذلك من خلال دراسة المخاطر، ومواطن الضعف، وسبل التأقلم والمواجهة. وفي اليوم الثالث، ستتم مناقشة قضايا تهم العلاقة بين الدين والسياسات العمومية، أو التحديات المتمثلة في تزايد النزعات الشعبوية. ومن المتوقع أن يعرف المنتدى الذي يستمر إلى غاية 16 من الشهر الجاري، نقاشات أخرى ساخنة حول: أثر الابتكارات والتكنولوجيا على قضية الحكامة، والتغيرات المناخية، وسبل مواجهة التطرف والإرهاب، وقضية التمييز بين الجنسين وبين الطبقات الاجتماعية. كما سيتم التركيز على دراسة تحديات الهجرة وتنقل البشر، إلى جانب قضايا ومواضيع أخرى.وسيتم اختتام الندوة، كما هي العادة، بلقاء «القادة الصاعدين»وهم مجموعة من ممثلي الشباب بالمنطقة، ومن أصحاب القرار في المستقبل، الذين سيقدمون عروضا حول رؤيتهم الخاصة لمستقبل المنطقة الأطلسية.