تمايل أبو دؤالة وتثاقل، وأحس بدوار شديد وهو يهم بالوقوف، بعدما عب هو ونديمه قنينتي خمر وتركا واحدة. ألقى بجسده إلى الأرض بقوة، وأشار إلى نديمه بفتح القنينة الثالثة: اسقني خمرا وقل لي هي الخمر.... ولا تسقني سرا إن أمكن الجهر بادره النديم بالإجابة قائلا: نحن في الهزيع الأخير من الليل، وقد آن لك أن تذهب لتنام. لا تنس أنك مرتبط بحصة عمل صباحية، سيلاحظ تلامذتك آثار سكرك الطافح وعلامات سهرك وتعبك، لا تجعل من نفسك مسخرة أمامهم وأمام زملائك. قهقه أبو دؤالة وطخطخ، واستلقى بشكل كامل على قفاه ورد على كلام نديمه قائلا: إنك تهذي يا رجل عن أي تلاميذ، وعن أي زملاء تتحدث؟, لقد طلقت المدرسة بالثلاث, ولم يعد يجمعني بها جامع. لكن رأيتك قبل يوم أمس تستصدر أجرتك من الشباك الأوتوماتيكي, وعبرت لي عن تأففك من عدم تمكنك من أخذ عشرة آلاف درهم، هي قيمة أجرتك، دفعة واحدة وانتظار أربع وعشرين ساعة لاستلام ما تبقى منها. نعم أتسلم راتبي بانتظام رغم حصول الطلاق. ربما أفقدتك الخمرة عقلك. ما هذه المتناقضات: طلاق أجرة كاملة..؟ أنت من فقدت القدرة على الاستيعاب. قلت لك آخذ على رأس كل شهر عشرة آلاف درهم دون أن ينقص منها سنتيم واحد مع أنني لا أعمل ولو ليوم واحد في السنة، نظرا لظروفي الصحية, وللشواهد الطبية التي أبرر بها غيابي ما أعلمه هو أن سقف الأجرة الكاملة محدود في ثلاثة أشهر ومن تجاوز هذا السقف يخصم له نصف الأجرة. من قال لك بأنني تجاوزت ثلاثة أشهر؟, طيلة عشرة أشهر، هي عمر الموسم الدراسي، لا أتجاوز شهرا واحدا من الرخص المتقطعة، بمعدل ثلاثة أيام فقط في الشهر. رخصة طبية عمرها ثلاثون يوما تتحول إلى ثلاثة أيام، وثلاثمئة يوم راحة تختزل في ثلاثين يوما؟؟؟. ربما رميت عباءة التقدمية، وصرت تؤمن بالخرافات والأساطير،الشيخ الصمدي المثير للجدل يطوي السافات الطويلة في رمشة عين، وأنت تطوي الأيام والشهور في لمح البصر، يبدو أن مسا من الخرافة قد استولى عليك رفيقي. هذه معجزة، وليس خرافة أستمدها من كبيرنا «ابن تيمية» الذي يسر لي السبل، وأعاد ترتيب الأيام والشهور والسنوات في ذهن من أمده برخصي، لذلك فأنا لست كأيها الناس ليعاملوني مثلهم. بطاقة ابن تيميتنا تتنازل الأرقام في عينيه وتتطاير الأصفار من أمام ناظره، أو يعمى بصره عن رؤيتها. الثلاثون لا يرى منها سوى الرقم ثلاثة. فأنا رغم تسليمي إياه شواهد طبية عمرها ثلاثون يوما على رأس كل شهر، يسجل منها فقط ثلاثة أيام والباقي يحتسبه لي أيام عمل. جميل كل هذا ببركة رفيقكم ابن تيمية الشيوعي الذي يخترق، ربما، الأبواب الموصدة بالليل ويغير وثائقك؟ ابن تيميتنا يرسل هاتفا من مرقده له إلى المسؤول الإداري حينما يكون نائما وهو بالمناسبة رعديد جبان يخاف من أصحاب الهواتف وأصحاب النياشين، فيهرع إلى معالجة ملفي بما يملى عليه، وقلبه وجل. طيب، ما مصير تلاميذك الذين يحسبونهم ممدرسين وماهم بممدرسين؟ ينعمون بالراحة على مدار السنة ويدعون لي بالصحة والعافية وطول العمر، ويخصون المواظبين من زملائي على الحضور بالويل والثبور وعواقب الأمور. ألا تشعر بأنك ستجني عليهم؟ لا ياصديقي، يقول المثل المغربي « السريع والبطيء يلتقيان عند المعدة.هؤلاء التلاميذ محظوظون لأنني أخلصهم من عناء التردد اليومي على المدرسة، وأخلص آباءهم من محنة شراء اللوازم المدرسية وأضعهم رهن إشارتهم ليعينوهم في أمور حياتهم اليومية. أما المواظبون من تلامذة زملائي المحافظين على الحضور اليومي إلى المدرسة، فسيحصلون على الشواهد ثم ينبرون إلى الحيطان والشارع ليجدوا تلامذتي هناك قد حصلوا فيه على التفوق بحكم الأقدمية العامة، سيتوددون إليهم ويطلبون مساعدتهم، بعد أن يكونوا قد تخلصوا من شواهدهم إلى الأبد...، أنا أمنح تلامذتي شهادة الشارع عن جدارة وامتياز، وإذا تأملت حملتي الانتخابية الأخيرة فستكتشف أنهم كانوا سبب نجاحي الباهر، بحكم خبرتهم الطويلة واحتكاكهم الدائم بسكان الحي، ومعرفتهم الثاقبة بوسائل استقطابهم، وهي الشروط التي لم تتوفر في زملائهم الذين أكملوا دراستهم، واعتمد عليهم خصومي، فكانت نتيجتهم الاندحار.