في إطار النجاح الذي حققه معهد العالم العربي في السنوات الأخيرة، تم افتتاح فرع لهذه المؤسسة في شمال فرنسا بمدينة تيركوان بضواحي مدينة ليل في 17 من شهر نونبر الحالي. «وافتتاح هذه المؤسسة حول الثقافة العربية التي يجب التعريف بها وهي خطوة جريئة في وقت حرج تشهده فرنسا، تميز بتزايد أحكام القيمة والتطرف المتعدد لهذا لا بد من التعريف بهذه الثقافة في تنوعها» يقول جاك لانغ مدير المعهد في تصريح بهذه المناسبة ويضيف «أنا أومن دائما أن الثقافة والتربية هما العلاج الفعال ضد كل أشكال اللاتسامح». وما يميز هذه المؤسسة التي تم التخطيط لها في ظل أغلبية سياسية من اليسار، وتم تحقيقها في ظل أغلبية من اليمين، هو الإجماع المقدس حول هذا المشروع يقول رئيس المعهد حول العالم والثقافة العربية بهذه الجهة الشمالية من فرنسا.هذه الجهة التي لها تاريخ متميز في مجال الهجرة القادمة من شمال إفريقيا، خاصة من المغرب والجزائر والتي كانت تعمل بقطاع النسيج وقطاع المناجم الفحمية الذي تميزت به هذه المنطقة في الماضي قبل أن تشهد هذه القطاعات أزمة خانقة، مما أدى الى إغلاق مختلف هذه الوحدات الصناعية،وتحول هذه المنطقة الى جهة منكوبة لسنوات طويلة. وبعد الازمة الطويلة اتجهت هذه المنطقة للبحث عن التحول نحو المجال الثقافي وهو ما يفسر تواجد فروع لمتحفين فرنسيين كبيرين بهذه المنطقة وهو متحف اللوفر والآن معهد العالم العربي. هذا الفضاء الذي كان في الأصل اكبر مدرسة لتعليم السباحة بفرنسا، والتي فتحت أبوابها سنة 1904 حتى سنة 1999 ، تم تحويله الى فضاء ثقافي،وسوف يتضمن مركزا لغويا خاصا بتدريس اللغة العربية، ومعرضا دائما، ومركزلا لتوثيق، بالإضافة الى برمجة معارض كبرى وسهرات فنية، ندوات وأعمال تربوية.وهذه المؤسسة التي تم افتتاحها منذ أكثر من قرن لدمقرطة السباحة، تعرف اليوم حياة جديدة من أجل دمقرطة الثقافة. وفي أول عرض بهذه المؤسسة يتضمن المتحف عددا من الاعمال المعاصرة والتي تم اختيارها من الاحتياطي الذي يتوفر عليه معهد العالم العربي بباريس، و»هذه الاعمال تم وضعها في حوار مع أعمال أخرى سواء أركيولوجية من الشرق القديم، من حضارة الإسلام وهي أعمال قدمها متحف اللوفر، وكذلك أعمال الفنانين المستشرقين منها اعمال أوجين دولاكروا وهي قادمة من متحف يحمل نفس الاسم يقول أريك ديلبون وهو مدير المتحف بمعهد العالم العربي، وهو ما يجعل العرض الفني الأول بمتحف العالم العربي «بتركوان» يقدم عرضا جديدا لأعمال قادمة من ثلاثة متاحف، وأغلبها يعرض لأول مرة بما فيها أعمال فنانين مغاربة كبار مثل الراحلين طلال الشعبية ومحمد القاسمي. ما يميز هذا المعرض هو «اللقاء بين الشرق والغرب، هذا الغرب الذي وجد في الشرق وفي حضارات أخرى وسيلة لتجديد أعماله الواقعية المتعددة، فان العالم العربي مند بداية القرن العشرين شهد ولادة فنية جديدة وفي وسائل جديدة وهي اللوحة وفن النحت. هذا الفن الذي وجد هوية خاصة به من خلال التفاعل مع حركات الابداع المعاصر يقول أريك ديلبون. الذي أضاف حول الاعمال الكاليغرافية التي يتضمنها هذا المعرض» الخط وهو جد أساسي في حضارة الإسلام،وهي اللغة التي نزل بها الوحي، والتي استعملت في القرون الأولى للإسلام كوسيلة مهمة في التزيين وأصبحت الكتابة لوحدها عملا فنيا، وأصبحت تحتل كل الفضاءات سواء المقدس أو الدنيوي. واللغة ولدت تاريخيا ببلاد الرافدين وعلينا ألا ننسى ذلك.» هذه المؤسسة وهذا المعرض مكنا من خلق إجماع سياسي بمنطقة الشمال الفرنسي «هوت فرانس». ومن الصدف في تاريخ فرنسا أن فكرة معهد العالم العربي بدأت مع رئيس من عائلة اليمين وهو فاليري جيسكار ديستان وأنجزت في عهد فرنسوا ميتران من اليسار ووزيره في الثقافة جاك لانع، واليوم بمدينة تيركوان فإن الفكرة بدأت مع رئيس جهة اشتراكي دانييل بيرشيرون ونفذها رئيس جهة من عائلة اليمين وهو كزافيي بيرتورون وجيرالد دارمنان عمدة مدينة تيركوان، وهو ما يعكس هذه علاقة الفرنسيين مع العالم العربي الذين جمعهم به التاريخ حول منطقة البحر الأبيض المتوسط.