روجت الحكومة المصرية لحصولها على قرض ب12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، بناء على شروط اقتصادية صعبة، على أنه إنجاز اقتصادي غير مسبوق، في حين اعتبر خبراء اقتصاديون وسياسيون أن هذه الحالة تعكس تأزم الوضع الاقتصادي المصري. وشدد خبراء اقتصاديون على أن الإنجاز الاقتصادي الحقيقي هو بتعدد وزيادة موارد الدولة، وأعربوا عن تخوفهم من أن تتحول القروض إلى حبل مشنقة بدلا من طوق نجاة، في ظل التجارب السابقة التي فشلت في إدارة قروض ومنح ومسادعات خليجية تبلغ قيمتها أضعاف القرض الجديد. تجارب مريرة من جهته، قال الاستاذ في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حازم حسني، إنه لا يمكن اعتبار القرض إنجاز اقتصادي، «فهو أداة من الأدوات التي من الممكن أن تساهم في إحداث تغيير اقتصادي، لكنها مرهونة بسياسات قادرة على استخدامها بشكل أمثل». وأضاف: «الثقة بمعنى توقيع شيك على بياض مرفوضة.. الحكومة أخذت قرارات وإجراءات، وعليها أن تظهر إشارات إيجابية، وهو ما لم يحدث»، مشيرا إلى أن «المواطن تجاربه مريرة مع أنظمة الحكم»، كما قال. ووصف حسني أسلوب الترويج للقروض الخارجية بأنه «جزء من الضجة الإعلامية التي تصاحب أداء الحكومة في التسويق لمشاريع كبرى سابقة لم تحقق المرجو منها، كمشروع تفريعة قناة السويسالجديدة»، معربا عن تخوفه من حجم القروض وأن «تُستدرج مصر لأخذ قروض كثيرة، وتستمرئ هذه القروض، ثم تجد نفسها في لحظة ما غير قادرة على السداد». وأكد أن «ما يتم تصويره على أنه طوق نجاة قد يكون حبل مشنقة، فالقروض من هذا النوع يمكن أن تُتخذ لفرض وصاية دولية على الاقتصاد المصري». وشكك في قدرة الحكومة على إدارة هذه القروض، قائلا: «أشك في كفاءة الحكومة في إدارة القروض، ولكن دعنا ننظر ماذا يفعلون». دواء مر أو سم زعاف في المقابل، وصف مستشار البنك الدولي السابق، وأستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة عين شمس، عمرو صالح، القروض ب»الدواء المر». وقال ل»عربي21»: «في ظل عجز موازنة كبير، ودين عام محلي ضخم، ليس أمام الحكومة سوى الاقتراض للوفاء بالتزاماتها». ويرى صالح أنه «على الرغم أن القروض غير محببة، وتزيد عجز الموازنة والدين العام، ولكن على الجانب الآخر يعد الحصول على قرض بهذا الحجم دليلا على أن الحكومة قادرة على الوفاء والالتزام بتعداتها، والمؤسسات الدولية بدأت تنظر إلى مصر على أنها قادرة على الوفاء والسداد»، وفق تقديره. لكن صالح رهن جدوى الحصول على قرض ب»استخدامه في إصلاح اقتصادي حقيقي. وتقول الحكومة إنه يصاحبه برنامج اقتصادي، ولكني لا أستيطع رؤية البرنامج بوضوح، وهذه نقطة سلبية، مقارنة ببرناج الحكومة المصرية في مطلع تسعينيات القرن الماضي، كان واضحا وناجحا». زيادة الموارد لا الديون من جهته، رأى الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، أن مصر دخلت في دوامة الديون الداخلية والخارجية، مشيرا إلى أن «هناك تسارعا رهيبا في مسألة الديون التي قفزت في يوليوز الماضي لنحو 55,8 مليار دولار، ومن المتوقع أن تقفز لنحو 68 مليار دولار في نهاية العام بعد القروض الأخيرة، هذا بخلاف قرض شركة سيمنس، وبخلاف القرض النووي الروسي «، وفق قوله ل»عربي21». وكلفت فاتورة الديون خزانة الدولة العام الماضي 5.2 مليار دولار. وتوقع الولي مضاعفة هذا الرقم «بعد القروض الجديدة، ومع استمرار طرح سندات دولية». وأشار الولي إلى أن القروض «يجب ألا تزيد عن 60 في المئة من الناتج المحلي، ولكنها الآن تجاوزت ضعفا هذه النسبة». وتساءل عن قدرة الحكومة المصرية في سداد الديون في ظل «نقص الموارد وتراكم الفوائد والأقساط السنوية»، معربا عن تخوفه من أن يتم تسديدها «على حساب الاحتياجات الأساسية للمواطن». ولفت إلى أن «الإنجاز الاقتصادي الحقيقي هو زيادة موارد الدولة، أما القروض فهي أموال مصطنعة»، كما قال. حكومة فاشلة أما القيادي السابق بجبهة الإنقاذ، مجدي حمدان، فقد شن هجوما عنيفا على سياسة الحكومة الاقتصادية في استمراء القروض. وقال «لا يوجد ديون تعتبر إنجازا اقتصاديا. الديون هي تكبيل للدولة والمواطن، والحكومة فشلت في تحقيق مقومات اقتصادية أخرى مثل الصناعة والتجارة ولجأت للاقتراض». ورأى أن «جزءا من القروض سيذهب لسداد ديون الشركات الأجنبية في مصر، خاصة النفطية، وسداد ديون أخرى. وأصبحت (القروض) الوسيلة الوحيدة لسد عجز موازنة الدولة، وتغطية فواتير السلع الأساسية»، وفق قوله. وحذر من أن تؤدي القروض إلى «رفع مستوى التضخم، وتراجع المنتج المصري». وقال إن ثقته في الحكومة في مصر «بالسالب»، مشككا في قدرتها على إدارة القروض، «بعد أن عجزت الحكومات السابقة في إدارة منح وودائع خليجية بأكثر من أربعين مليار دولار».