تلقت جمعية البحث التاريخي والاجتماعي بالقصر الكبير، بحزن كبير وأسى عميق، نبأ وفاة أحد أبناء هذه المدينة الذي جعل غاية الغايات من وجوده في هذه الحياة تحقيق حلم الوحدة والحرية. فمنذ تلك اللحظة الحاسمة التي أمسك فيها بالمصحف الكريم أمام الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بمصر، هو ومجموعة من رفقائه في النضال ليقسموا « أقسم بالله العظيم أن أخدم المغرب والعروبة والإسلام بإخلاص» وبعدها خاطبهم الأمير: «إنكم اليوم مجاهدون». منذ تلك اللحظة إذن، وإلى آخر أيام عمره، ظل الراحل الكريم وفيا لهذا القسم، فلا حديث يحلوا له إلا حديث الوطن والوطنية، بيد أن الوطن في تفكير من فقدناه لا يقتصر على المغرب وحده، بل يشمل المغرب الكبير، وعلى الرغم من حصول هذه الدول على استقلالها، فإن الراحل لم يكن يرى في ذلك نقطة النهاية، بل بداية للعمل الجدي نحو وحدة المغرب الكبير، ولذلك كان قد وضع مهارته وخبرته في التكوين العسكري والتخطيط الاستراتيجي في خدمة شعوب المنطقة من المغرب حتى مصر. وبالمناسبة، فالعديد ممن أصبحوا زعماء وقادة في الجارة الجزائر، كانوا وقتها تلاميذ له، تكونوا عنده وتشبعوا منه بروح الثورة والمقاومة والتحرير. ومما يؤسف له أن قادة جارتنا اليوم أصبحوا أبعد ما يكون عن فكرة الوحدة. فقادة الجزائر يعرفون أكثر من غيرهم قيمة هذا الرجل وأفضاله وخدماته للثورة الجزائرية، ويتجلى ذلك في التقدير الذي كان يحظى به عندما يستدعى للحضور في مناسباتهم الوطنية. وللتذكير فإن الشعب الفلسطيني، الذي يعاني ما يعانيه من تقتيل، وتهجير، وحصار، كان الرجل قد تطوع للقتال إلى جانبه استجابة لنداء الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1947. وسجله النضالي غني بالمكرمات والمواقف البطولية، وهو لا يرتبط في ذاكرة مجموعة من الطلاب القصريين الذين قدر لهم أن يتابعوا دراستهم بالقاهرة وبغداد بهذا المنحى النضالي وحده، بل يرتبط أيضا بالمساعدات الجمة التي كان يقدمها لكل طالب جديد يفد إلى مصر من أبناء المغرب الكبير، مساعدات يقدمها بأريحية قل نظيرها، لإقامتهم والتحاقهم بمختلق الكليات المصرية. أيتها العائلة المكلومة، إن هذا الطود الشامخ، الذي ودعناه، بالرغم من أنه كان يعتز بأنه أحد أبناء المغرب الكبير، فإن وجدانه ظل دوما مرتبطا بمسقط رأسه ومهوى آبائه وأجداده، وكانت أعظم متمنياته في الأعوام الأخيرة أن يعيش بقية عمره في كنف مدينته وبين أصفيائه، واستجاب الله عز وجل لدعائه، فبعد الصلاة عليه في الجامع الأعظم بالقصر الكبير، دفن الراحل في مقبرة ضريح الولي الصالح مولاي علي بن أبي غالب بجوار قبر خاله الشهيد عبد السلام الطود يوم الأحد 14 محرم 1438ه موافق 16 أكتوبر 2016. وبهذه المناسبة الأليمة، يتقدم كافة أعضاء الجمعية لكافة أفراد أسرته الفاضلة بأحر التعازي والمواساة، طالبين من الله عز وجل للفقيد المغفرة والرضوان، ولأسرته الكريمة الصبر والسلوان. ((الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)).البقرة 156. صدق الله العظيم.