بلدان جديدة تنضم إلى الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي، من بينها المغرب    الأستاذ البعمري يكتب: "تهجير الفلسطينيين للمغرب.. الكذبة الكبيرة!"    بعد إدانته بالإعدام ابتدائيا.. تأجيل المحاكمة الاستئنافية لقاتل "بدر"    شاطئ الحسيمة يلفظ جثة حوت ضخم نافق    أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يوجه الشكر لجلالة الملك محمد السادس لجهوده في حل أزمة الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى إسرائيل    أوزين عن التصويت لصالح قانون الإضراب :"نشرع للوطن وليس لموقع في الوطن"    فلسطين تشكر جلالة الملك على حل أزمة الأموال المحتجزة لدى إسرائيل    امن خنيفرة… توقيف شخصين أحدهما من ذوي السوابق القضائية بتهمة نشر خبر زائف عبر وسائل التواصل الاجتماعي من شأنه المساس بالإحساس بالأمن لدى المواطنين    محامي فؤاد عبد المومني يطالب بتطبيق قانون الصحافة في قضية تدوينة موكله حول زيارة ماكرون    الفنان عبد الحفيظ الدوزي يصدر أغنيته الجديدة "اش هدا"    ترتيب البطولة الاحترافية المغربية للقسم الأول "الدورة 20"    المغرب يشارك في المؤتمر العام الثامن للاتحاد العربي للكهرباء بالرياض    طقس بارد وصقيع وضباب وأمطار متفرقة ورياح قوية غداً الثلاثاء    نهضة بركان ينفرد بصدارة البطولة ويواصل الزحف نحو اللقب هذا الموسم    وفاة الفنانة السورية الشابة إنجي مراد في ظروف مأساوية    الندوة الدولية الثالثة حول مصطفى الأزموري (إستيبانيكو) في نيويورك تكرس الروابط الأطلسية بين المغرب وأمريكا    أرقام قياسيها تحققها الصناعة السينمائية المغربية خلال سنة 2024    من كازابلانكا إلى فاس.. أوركسترا مزيكا تُطلق جولتها الموسيقية في المغرب    حقيقة إستعانة المغرب بممرضات مصريات    المغرب يصدر أزيد من 5 آلاف طن من البصل إلى الإمارات    خبراء يحذرون من التأثيرات الخطيرة لسوء استخدام الأدوية والمكملات الغذائية    إقصاء مبكر.. ليفربول يتجرع خسارة مُذلة على يد فريق في أسفل الترتيب    تصفيات كأس إفريقيا للريكبي…المنتخب المغربي يبلغ النهائيات بفوزه على نظيره التونسي    كونسينتريكس تدعم التنمية بجهة فاس    القنصلية المغربية بروتردام تحتفي بالسنة الأمازيغية 2975 بحضور رسمي وجمعوي    ذكراك فى القلوب راسخةٌ يا غرّة الأوفياء    أداء إيجابي في تداولات بورصة البيضاء    ترامب يصعّد حرب الرسوم الجمركية    علماء أمريكيون يطورون كاميرا فائقة السرعة تعالج الصور فور التقاطها    تهجير الفلسطينيين مخالف للقانون الدولي ومهدد للسلم والامن الدوليين    الذهب قرب ذروة مع تزايد الطلب على الملاذ آمن بعد خطط رسوم جمركية جديدة    أسعار الغاز الطبيعي ترتفع بأوروبا    البرتغالي "ألكسندر دوس سانتوس" مدربا جديدا للجيش الملكي    فيلم "دوغ مان" يواصل تصدّر شباك التذاكر في الصالات الأميركية    زريدة خارج أسوار الرجاء صوب الاتحاد الليبي    'شكل وصحة العقد التوثيقي بين الممارسة التوثيقية والعمل القضائي" موضوع يوم دراسي باكادير    علاكوش يترأس المؤتمر الإقليمي لمسيري المصالح المادية والمالية بتطوان    المغرب يقترب من التأهل التاريخي إلى مونديال 2026 بعد إقصاء هذا المنتخب    ترامب: أمريكا قد تفقد صبرها تجاه وقف إطلاق النار في غزة بعد الحالة المتردية لرهائن إسرائيليين    بولعجول يرد على "الفحص التقني"    حركة استقلال القبائل تفتح قنوات الاتصال مع إدارة ترامب ووزير خارجية وتطلب فرض عقوبات على النظام الجزائري    السعودية تطيح ب 3 شبكات إجرامية لتهريب المخدرات    غابة الحوزية: الرئة الخضراء تحت تهديد الانقراض    بكراوي يهدي "إستوريل" هدفين    ترامب مٌصرّ على تهجير الفلسطينيين: ملتزم بشراء غزة وسأعطي أجزاء من القطاع لدول أخرى في المنطقة    تدخل ناجح للوقاية المدنية لإنقاذ مسن بعد سقوطه بسطح منزله في طنجة (فيديو)    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    دراسة: القهوة تقلل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني    أستاذ بكلية الآداب بتطوان يفوز بالمرتبة الأولى لجائزة الدوحة للكتاب العربي    تطوان شهدت 43 حالة انتحار و10 جرائم قتل خلال سنة 2024    الاتحاد الأوروبي يسمح باستخدام مسحوق حشرات في الأغذية    وداعا للشراهة في تناول الطعام.. دراسة تكشف عن نتائج غير متوقعة    سفيان الشاط يحصل على الدكتوراه بميزة مشرف جدًا مع التوصية بالنشر    "فحوص بوحمرون" تسجل إصابات مؤكدة في 11 مؤسسة تعليمية بطنجة    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قانون «جاستا» إرهاب من النوع الجديد
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 10 - 2016

مع تشريع ما يدعى بقانون «جاستا» الأمريكي، رجعت بي الذاكرة إلى سنوات طويلة ماضية، عشنا فيها مع كل صور القمع والإرهاب الأميركي في حربها ضد العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان في جميع أصقاع العالم، بدءا بالشعب الأميركي، وأعطي هذا الإرهاب الشرعية بذريعة أنها من متطلبات حرب باردة ضد عدو شيوعي يقبع في الطرف الآخر من العالم.
في ذلك العصر كان الفرد الأمريكي يختفي خلف الشمس إذا عبّر عن رأيه ضد السياسات الأميركية ومبادئها الرأسمالية المتوحشة؛ وكانت الولايات المتحدة ترسل جيوشها لقصف وقمع الدول والشعوب في حربها الدموية ضد الاتحاد السوفييتي؛ وكانت الاستخبارات الأمريكية، وأتباعها، تُسمي كل الوطنيين العرب (المثقفين المنتمين وغير المنتمين إلى الأحزاب الوطنية) بالإرهابيين، فقط لمواقفهم المبدئية ضد الفكر الرأسمالي.
لم تتورع الولايات المتحدة في عام 1958، عن إرسال أسطولها لقصف ثورة عبد الكريم قاسم في العراق، لأنها ثورة لم تكن تناسب المواصفات الاستعمارية الغربية، ولولا وجود قطب سوفييتي يحفظ توازن القوى الدولية لقُصفت بغداد في ذلك اليوم.
في الستينات كنت ما أزال بين الطفولة والشباب عندما أدمنت القراءة، وتعودت أن أقرأ كل قصاصة ورق تصلني، ولا أعلم إن كان ذلك من حسن أو سوء حظي، حيث أن بعض تلك القراءات الثقيلة على عقلي الصغير حينها بقيت محفورة في الذاكرة. وربما أسوأ ما نهش براءة عقلي في ذلك الزمان هو ما كنت أقرأ وأشاهد عن الحرب الأميركية في فيتنام (1965-1973)، بكل تفاصيلها التي تقشعر لها الأبدان، وأكثرها بشاعة كانت أخبار وصور المدن الفيتنامية التي سُوّيَت بالأرض تحت القصف الأميركي، في عمليات عرفتُ لاحقا بأنها تُدعى بال"carpet bombing" وصور الفيتناميين المشردين في العراء، وصور أفراد الجيش الأميركي وهم يقطعون الرؤوس عن أجسادها.
لم تكن تلك الحرب البشعة الوحيدة في ذلك الوقت، حيث كانت دول أميركا اللاتينية، شعوبا وأنظمة، تئن من القمع والفوضى العارمة (الخلّاقة) التي كانت تنفذها وكالة الاستخبارات الأميركية عبر سلسلة من الانقلابات الدموية أشاعت كل أنواع القمع والتعذيب والإذلال الاقتصادي، وراح ضحيتها المئات من الآلاف من شعوب المنطقة، وخلفت وراءها مافيات الجريمة والفقر والصراعات الداخلية في كل دول أميركا اللاتينية.
كانت الأولى حرب الأرض المحروقة، والثانية حربا مخابراتية دموية، ولكن استغرق الأمر سنوات كي أفهم أن كل الحروب الأميركية البشعة التي تلت إسقاط القنبلتين النوويتين على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما اليابانيتين، تُدعى حروبا بالوكالة، استخدمت فيها الولايات المتحدة كل أسلحة الدمار الشامل، وكل أنواع الإرهاب الجسدي والبوليسي والقمعي، في ذروة حربها الباردة ضد شبح يُدعى الشيوعية، والحقيقة أنها كانت لتحطيم القوة التي كانت تنافسها في العالم، الاتحاد السوفييتي. نجحت تلك الحروب في تنفيذ عمليات الصدمة والرعب والفوضى في تلك البلدان، حتى وصلت إلى حالة اللاعودة للاستقرار الوطني، مع استمرار صراعاتها الداخلية حتى يومنا هذا. خسرت تلك الشعوب طموحاتها في العدالة الاجتماعية والاستثمار الوطني لثرواتها. لقد تمكنت تلك الحروب من إبقاء الهيمنة الخارجية على القرار السياسي وعلى الثروات، مع ترسيخ أعمدة الفوضى (الخلاقة) في مفاصل البلاد المستهدفة. توقفت الحروب هناك، ولكن المصالح الأميركية لم تتوقف، بل بدأت تنشر دمارها في كل اتجاه.
ففي صباح يوم 13 أبريل 1975 استيقظ أهل بيروت على خبر بدء القتال بين أطراف مسلحة بعد عملية نفذتها مجموعة من الملثمين (مجهولي الهوية) بإطلاق النار على حافلة ركاب تنقل عددا من الفلسطينيين الأبرياء، من النساء والرجال المسنين وقُتلوا جميعا، ورغم أن الفاعلين كانوا مجهولي الهوية إلا أن تلك الحادثة كانت كافية لإطلاق عنان حرب أهلية بين كل الفصائل الفلسطينية واللبنانية، على كامل التراب اللبناني. حرب أنعشت أسواق ومصانع السلاح الغربية التي لم تتوقف عن تزويد كل الأطراف اللبنانية المتحاربة بكل أنواع الأسلحة لتبقى مستمرة على مدار خمسة عشر عاما، ولا تزال نتائجها تعبث بكل المنطقة العربية. انتهت الحرب اللبنانية بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة، ورغم مرور أكثر من ربع قرن على ذلك التاريخ، إلا أن لبنان يعيش في حالة من الفوضى تحت سيطرة أكبر ميليشيا إرهابية مسلحة في الوطن العربي ولدت في تلك الحرب بجنسية لبنانية وولاء إيراني. والأغرب أن هذه الميليشيا تتعامل مع سوق السلاح العالمي خارج إطار الدولة أمام أنظار المجتمع الدولي دون رادع.
كانت الحرب الأهلية في لبنان أولى ثمار مشروع قوس الأزمات الأميركي الذي كشف عنه، فيما بعد، زبغنيو بريجنيسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، في مجلة التايم الأميركية، في 15 يناير 1979، تحت عنوان "إيران.. هلال الأزمات" هدفه خلق الأزمات في المنطقة العربية بواسطة الأصولية الإسلامية والتطرف الديني لتكون رأس الحربة في إسقاط الاتحاد السوفييتي، وإن مركز ثقل هذا الهلال أو القوس، هو إيران. مشروع قوس الأزمات أسس الإرهاب عبر الجماعات الجهادية التي أطلقت عليهم الاستخبارات الأميركية حينها اسم "المجاهدين"، حتى سقوط القطب السوفييتي. وبعد ذلك السقوط المدوي، الذي أدى إلى ضرورة إعادة هيكلة النظام الدولي، استبدلت سي آي إيه اسم "المجاهدين" باسم "الإرهابيين"، ليتحولوا فجأة إلى مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي.
عاصرت شخصيا كل تلك السياسات الأميركية، التي لا مكان لسرد المزيد منها في هذه المساحة البسيطة. فبعد الحرب الباردة زُجّت منطقتنا العربية في منظومة جديدة من السياسات الأميركية الأكثر دموية وتهديدا لأمن العالم... فتلك السياسات لم تتوقف عند حروب البلقان العرقية والدينية التي أدت إلى تفتيت دول المعسكر الاشتراكي مباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، والتي لا تزال شعوبها تئن من آثارها البشعة على حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما لم تنته عند غزو واحتلال العراق وسياسات الإبادة الجماعية للشعب العراقي في أبشع حفلات القتل والتعذيب تاريخيا، وتدمير العراق بأكمله، واستخدام الإرهاب بهدف تقسيمه إلى ولايات متصارعة، لا بل حروب المصالح لا تزال مستمرة بأشكال متعددة.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة نجحت خلال فترة قصيرة في إخفاء كل الآثار الإعلامية التي يمكن أن تُذكّر ببشاعة سياساتها في تلك الحروب والجرائم. ففي سعيها الممنهج لتغيير صورتها عملت مؤسسات أميركية مكلّفة بإخفاء كل معالم الماضي، ومسح تلك الذاكرة عالميا، وأخفت كل مادة إعلامية تشير إلى بشاعة تلك الحقبة.
لقد تمكن صانعو الصورة الجديدة للولايات المتحدة من تحوير صورة تلك الدولة الرأسمالية الاستعمارية الشريرة إلى صورة معكوسة تماما، فتحولت فجأة إلى داعية إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، المناقضة للمبادئ الرأسمالية. وزادت هذه الصورة الجديدة تلميعا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وبدء تشكيل نظام دولي جديد تحاول الولايات المتحدة الاستفراد بقيادته، فتحولت أميركا وجيوشها الدموية، إلى دولة راعية للحرب ضد الإرهابيين قاطعي رؤوس البشر (ومن يعترض على هذه الصورة الأميركية الجديدة يقطع الإرهابيون رأسه).
الأخطر من كل ما سبق أن السياسات الأميركية نجحت في كل حقبة زمنية في أن تستقطب العرب وتسحبهم في حبال تحالفاتها، وتضمهم في خندقها ضد كل القوى التي تحاربها، وخصوصا القوى العظمى في الشرق، الصين وروسيا، رغم أن هاتين القوتين لم تدخلا يوما بلادنا كغازيتين أو طامعتين في ثرواتنا.
نجح الإعلام الغربي، أثناء الحرب الباردة، في تشويه صورة روسيا والصين بالمؤثرات الدينية، التي وضعت المجتمعات الاشتراكية في خانة الكفر والإلحاد، في عملية إعلامية مضللة ومفبركة، وصدقت شعوبنا كل ذلك الإعلام، وكنا نحن العرب أول الضحايا الخاسرين بعد الحرب الباردة. ونجح ذلك الإعلام، بعد الحرب الباردة، في تضليل شعوبنا وتشويه صورة دول الشرق العظمى، في حرب إقليمية لا صالح لنا فيها، بل هي حرب بالوكالة تدور على أرضنا لتقسيم المنطقة في مشروع لن يحقق أي مصلحة لأي شعب أو نظام عربي، والنموذج العراقي والليبي والسوري شاهد على هذه الحقيقة.
منذ عام 1990 انتقلت كل الحروب الأميركية بالوكالة إلى الساحة العربية، فتحولت المنطقة إلى ساحة حرب تتواجه فيها كل جيوش الغرب لقتل عدو افتراضي اسمه الإرهاب. عدو ينمو ويكبر وينتشر تحت الغارات الجوية المستمرة، مع نزيف وابتزاز اقتصاديين عربيين لم يتوقفا منذ ربع قرن، وصولا إلى قانون "جاستا"، الذي لا يقل خطرا من الإرهاب على بلداننا، مبشرا بمرحلة جديدة في المشروع الأميركي الذي يهدد المنطقة.
فهل سنستدرك الخطر الذي تعيشه بلداننا، حكومات وشعوبا، لتوجيه تحالفاتنا الإستراتيجية بالاتجاه الصحيح، دفاعا عن مستقبل هذه الأمة، أم إننا سنصحو يوما "ونحن أموات"، بحسب تشبيه الخبير الاستراتيجي العسكري الأميركي لنمط الجيل الرابع من الحروب التي تعيشها المنطقة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.