ينعقد خلال الفترة الممتدة ما بين 22 و24 شتنبر الجاري بتراب الجماعة القروية لإملشيل إقليم ميدلت؛ « مهرجان موسيقى الأعالي » وذلك تحت شعار «ثقافة القمم كرامة الهمم ». وتعتبر هذه التظاهرة التي تحولت من مجرد موسم سنوي للخطوبة، فرصة للتعريف بالتراث الموسيقي الوطني لسكان أعالي الجبال، وتمكين الجمهور من الاستمتاع بالطابع الأصيل للفن الشعبي وجعله رافعة للنهوض بالمنطقة في المجال السياحي. ويشتمل برنامج دورة هذه السنة على ثلاث أمسيات فنية، تتضمن الأولى مجموعة من الرقصات الفلكلورية الأصيلة كأحيدوس آيت أحديدو وبناصر وأحيدوس ايت عبدي وأحمام أحيدوس، إلى جانب مجموعة من الفرق الموسيقية الأمازيغية يتقدمها الفنان حوسى 46 وميلود الغياط وابركو آزرو ومولاي علي ايتزر وميمون والشيخ لوسيور والفكاهي المدني أما خلال الأمسية الثانية فسيكون جمهور المهرجان على موعد مع احيدوس آيت أحديدو وأوخرو، وفرقة تانوردي والشيخ حمو وخلا والسعداني عبد العزيز ومجموعة مردة خنيفرة ومجموعة الحسنية وهرو آيت عياش وزيزي اسماعيل اغبالة، إضافة إلى جواد الناقب والفكاهي المدني ومن المرتقب أن تختتم فعاليات المهرجان بأمسية فنية ثالثة سيشارك في تنشيطها كل من مجموعة أحيدوس آيت أحديدو وأمغي وفرقة تونفيت وفرقة سيدي يحيى اوساعد والشيخ حدو بخو ومجموعة جيل الغيوان ومجموعة ميمون اورحو، وأشيبان اموكر وعائشة مايا والدامر الغياط والفكاهي المدني. تاريخ على امتداد قرن و نصف يعود تاريخ موسم الخطوبة إلى قرن و نصف و لم يتخذ صبغة وطنية إلا في الستينيات من القرن الماضي (1965)،ويجمع موسم الزواج الجماعي بين الصبغة الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و الروحية. ويضرب موسم الخطوبة بعمق في تقاليد منطقة أيت احديدو، ويعقد كل مستهل موسم فلاحي و يخلد لقصة حب خالدة تناقلتها أجيال المنطقة كانت تربط بين «إسلي» العريس و « تسليت » العروس اللذين أحبا بعضهما حبا جما، ويحكى أن القصة تعود جذورها إلى علاقة غرامية كانت بين شاب من قبيلة آيت إبراهيم و فتاة من قبيلة أيت اعزى و هما قبيلتان من « أيت احديدو » بإملشيل، وحالت القطيعة و الخصام الذي كان بين قبيلتيهما دون عقد قرانهما. و تقول الحكاية أن العشيقين أذرفا دموعا كثيرة بعد أن رفض أولياؤهما و شيوخ القبيلتين إتمام زواجهما، فكان لكثرة الدموع المنهمرة من عيونهما أن ملأت بحيرتي «إسلي» و «تيسليت» المتواجدتين بالمنطقة و تشكلان معلمة سياحية بإملشيل ،وقررت القبيلتان المتصارعتان التصالح بعد القصة الدرامية وفكرتا في تنظيم موسم للزواج الجماعي بإملشيل بمحاذاة بحيرة تسليت. ووفق التقاليد السائدة بالمنطقة فإن العريس يستعد للمشاركة في مهرجان الخطوبة بإملشيل بجمع مبلغ من المال لتقديمه كمهر متواضع للعروس، قبل أن يتقدما بوثائقهما أمام اللجنة بخيمة الزواج الجماعي، في طقوس ملؤها الاحترام و التقدير للمرأة. وتبرمج احتفالات موسم الخطوبة بجانب ضريح الولي أحمد ألمغني اعترافا بالدور التاريخي لرجل الدين امحمد ألمغني من الشرفاء الأدارسة في الصلح الذي جرى بين القبيلتين « أيت ابراهيم » و « أيت اعزى » اللتين ينحدر منهما العاشقان المحرومان من الزواج. تكريم المرأة بالأطلس الكبير الشرقي يرى العديد من المتتبعين لموسم الخطوبة بإملشيل أن حدث الاحتفال الجماعي بالزواج قرب ضريح الولي «احمد ألمغني»؛ يعد تكريما للمرأة وتقديرا للعلاقة النبيلة التي تفتح صفحتها الأولى تحت خيمة عقد القران بين الرجل و المرأة. وترتدي النساء المقبلات على الزواج أحلى ما لديهن من ملابس تقليدية ويتحلين بالقلائد والحلي، و يضعن لثاما على وجوههن و لايظهرن إلا العينين و تتقلدن على صدورهن قلادات صفراء و حمراء. ويتعرف زوار موسم الخطوبة على الفتاة العذراء من غيرها بالزينة وارتداء الحلي ويستطيعون أن يميزوها عن الأرملة والمطلقة الراغبة في الزواج للمرة الثانية، ويرتدي الأزواج جلابيب وبرانس و يضعون العمامة الأمازيغية ممتطين خيولهم المزينة. ويعتبر الاحتفال الجماعي بالزواج؛ حسب العديد من المهتمين بتراث المنطقة؛مؤشرا على تقدير المرأة التي تعتبر عنصرا هاما في الوسط السوسيواقتصادي بالمنطقة؛ كيف لا وهي الراعية والطباخة و المشرفة على شؤون البيت وفي بعض الأحيان تبني الجدران وتحمل الأثقال و تحصد الزرع. ومن أسباب إحداث تقليد الزواج الجماعي بإملشيل، وعورة تضاريس المنطقة و قساوة مناخها الشتوي وتباعد مراكزها القروية التي تجعل تنقل الرجل و المرأة أمرا صعب المنال. ومن ثم فإن موسم الخطوبة يسهل عملية إعداد الوثائق ويقرب المحكمة والعدول من الراغبين في الزواج في مستهل كل شهر شتنبر الذي يتزامن مع موسم بيع المنتجات الفلاحية التي تعرف بها قبائل « أيت احديدو ». ورغم بساطة المهر المقدم للعروس؛ فإن قيمة المرأة تحظى باهتمام كبير في موسم الخطوبة الذي يشهد على تمجيد الحب عن المال في الصداق. طقوس عقد القران يتم نصب خيمة كبيرة تسع عشرات الأزواج و الحاضرين لعملية عقد القران و ب»أكدود» جوار ضريح «سيدي احمد ألمغني» وتصطف العرائس « تسلاتين » والعرسان « إسلان » وهم ينتظرون دورهم للتقدم أمام محكمة الأسرة التي يمثلها قاضيان تم بين يدي العدول لتوثيق عقد النكاح إيذانا بزواجهما. ويعرف اليوم الأول من المهرجان عقد القران وتنظيم حفل شاي على شرف العرسان و العرائس، و توزع الهدايا قبل أن يتابع الحضور حفل العرس التقليدي الذي يخلله إعداد خبز « أبادير ». وترمز الخيمة الكبيرة التي تحيط بها خيم صغيرة المصنوعة محليا؛ إلى حياة البدو و الترحال التي عرفت بها قبائل أيت احديدو. في الوقت الذي يخطط قلم العدول و يوثق زواج إسلي و تسليت يُصنع قبالة الخيمة الكبيرة « خبز أبادير » الذي يفوق قطره المتر؛ وهو رغيف معروف لدى قبائل الأطلس ويطهى فوق الرمل أو فوق الأحجار في درجة حرارة مرتفعة، ويقدم « خبز أبادير » للعرسان والعرائس وأسرهم كانطلاقة لحياة سعيدة بين العريسين و أسرهم. وبالموازاة مع عقد القران تتحول الساحة إلى « سوق عام » يساهم في إنعاش اقتصاد المنطقة. فهو سوق موسمي يعقد في إطار مهرجان موسم الخطوبة الذي يعد مناسبة أيضا لإظهار تقاليد المنطقة وعاداتها واستعراض أحلى الأزياء التقليدية التي تتميز بها المنطقة من محايك « تسبنيت » و « تحنديرت » و حلي فضية و يستقطب عددا كبيرا من تجار التوابل و الملابس و مربي الماشية على اختلاف أصنافها(ماعز،إبل،بقر،بغال..) ، إضافة إلى بائعي الخضروات و اللحوم و الفواكه الجافة والأواني الخزفية والأفرشة المنسوجة من صوف الغنم و الماعز الذي تتوفر المنطقة على قطيع هام منه. ويعتبر السوق أيضا مناسبة يقتني خلالها سكان القرى النائية؛ مختلف حاجياتهم في سياق الاستعداد لمواجهة قساوة فصل الشتاء الذي عادة مايكون مصحوبا بعواصف ثلجية تعزل دواوير وبلدات المنطقة.