تعتبر المشاركة السياسية عملية يقوم من خلالها الفرد أو الجماعة بالإسهام الحر والواعي والمنظم في صياغة نمط الحياة السياسية للمجتمع، وكما أن المشاركة السياسية تعد العملية التي يلعب من خلالها الفرد دورا في الحياة السياسية أو المجتمعية، وتكون لديه الفرصة لأن يساهم في صنع الأهداف العامة في المجتمع وتحديد أفضل الوسائل لانجازها[1]، لذلك تعد المحطات الانتخابية فرصة لتجديد الثقة بين الناخبين والمنتخبين الذين يقومون بتسيير الشأن العام، وكذلك من أجل إحداث نقلة نوعية في سلم الانتقال الديمقراطي، وإعادة الاعتبار إلى العمل السياسي. ووعيا من المغرب بهذه الأمور المهمة من أجل تحقيق التنمية في جميع أصعدتها وضمان مشاركة المواطنين في الانتخابات التشريعية بتاريخ 7 أكتوبر 2016، والتي من خلالها سيقوم المواطنون باختيار ممثليهم بمجلس النواب، التي سوف تؤدي إلى انبثاق الحكومة التي ستسير شؤون البلاد. والقانونية لاستحقاقات 7 أكتوبر جاء دستور 2011 بمجموعة من المقتضيات والتي من بينها إسناد السيادة للأمة والتي تمارسها مباشرة بالاستفتاء، أو بصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها[2]، وهذه السيادة لن تتأتى ممارستها إلا بوجود وعي سياسي، هذا الأخير الذي هو منوط بالأحزاب السياسية بقوة الدستور التي تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين والمشاركة في السلطة على أساس التعددية والتناوب[3]. وكما أن دستور 2011 يعتبر على أن الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي.[4] وتعني الشفافية الإتاحة والولوج المتكافئ لمختلف المتنافسين في الانتخابات سواء، والاستفادة من الإمكانات المخصصة على قدم المساواة دون تمييز قانوني يمكن أن يمس بمبدأ تكافؤ الفرص ويرجح كفة جهة على أخرى، أما وصف الانتخابات بالحرة يعني خضوعها لشرط أساسي يمكن من قياس درجة تحرر الناخبين والناخبات والمرشحين والمرشحات من كل ضغط أو تأثير يكون سببا في عدم التعبير عن إرادتهم بكل حرية واختيار، أما المصداقية فتتجسد في الإخلاص في التعامل والجدية فيه، مما يساعد على بناء الثقة وترسيخها. وتتعلق التنافسية بعملية تهدف إلى تحقيق المفاضلة بين مختلف العروض الانتخابية.[5] هذا بالإضافة إلى الترسانة القانونية المنظمة للعملية الانتخابية، كالقانون التنظيمي لمجلس النواب، والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية بالإضافة القوانين والمراسيم المنظمة للعملية، هذا دون إغفال الإجراءات التي قامت بها السلطات كمنع تقديم أضاحي العيد والمساعدات على اعتبار أنها تمس بالتنافسية بين الأحزاب السياسية وتعمل على استمالة أصوات الناخبين من خلال الأعمال الخيرية، مما حدا ببعض الباحثين إلى اعتبارها أنها مجرد رشاوى انتخابية.[6] المحور الثاني: سؤال المشاركة السياسية في انتخابات 07 أكتوبر 2016 عرفت الانتخابات التشريعية السابقة ل 25 نونبر 2011، والتي تزامنت مع الربيع الديمقراطي، الذي اجتاح المنطقة مما أدى بحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية إلى ترؤس الحكومة، وقد تراوحت نسبة المشاركة حسب تصريح وزير الداخلية الطيب الشرقاوي حوالي 45.4%. ويعتبر الرهان المطروح حاليا هو الرفع من هذه النسبة في الانتخابات القادمة من أجل إعادة الاعتبار للعمل السياسي وإعادة تشكيل العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. أولا: المرأة والمشاركة السياسية بدأت الناشطات النسويات، في أنحاء عدة من بلدان العالم الثالث، بطرح موضوع دور النساء ومشاركتهن في السياسة، ولعل الأحداث التي جرت خلال القرن الماضي، والتي أدت إلى نبذ الاستعمار والفصل العنصري، والقضاء على الدكتاتوريات قد أطلقت بدورها العنان للتطلع نحو مستقبل تسوده ثقافة حقوق الإنسان والعدالة[7]. ووعيا من المغرب بهذا المسلسل من التحولات حاول وسعى إلى محاولة تأنيث السلطة ومواقع المسؤولية والمواقع الاستراتيجية، وتعزيز مشاركة المرأة ومساواتها مع الرجل في جميع الميادين، استنادا إلى الفصل 19 من الدستور المغربي، خصوصا وأن المشاركة السياسية للمرأة لبنة أساسية في بناء الصرح الديمقراطي، وكما عمل المشرع على تمكين النساء من خلال التمييز الإيجابي عبر اللائحة النسائية، إلا أن المرأة ما زالت تعاني من الإقصاء من داخل الأحزاب بفعل سيادة المنطق الذكوري، وكذلك كناخبة من خلال تبعية صوتها لصوت زوجها خصوصا في القرى. ثانيا: الشباب والمشاركة السياسية تعتبر مشاركة الشباب فرصة من أجل تجديد النخب وتشبيب القيادات الحزبية والمشهد البرلماني، وذلك لما يحمله الشباب من رغبة في التغيير وحماس في العمل، ويعتبر إشراك الشباب في العمل السياسي والحزبي دليل على وجود جميع الفئات المجتمعية داخل المجال السياسي، مما يمنح نوعا من التفاعل والصدام بين الأفكار والبرامج الانتخابية بطابع حيوي، ولكن في مقابل هذا يعرف المغرب ارتفاعا كبيرا لنسبة عزوف الشباب، سواء بالانضمام إلى الأحزاب السياسية أو الاهتمام بالحقل السياسي عموما، بفعل تظافر الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وكذا التهميش الكبير للطاقات الشابة داخل الأحزاب سواء على مستوى اتخاذ القرار أو المشاركة في صياغته. المحور الثالث: استحقاقات 07 أكتوبر: في معيقات المشاركة مع اقتراب الاستحقاق التشريعي تبرز مجموعة من الشوائب التي تعكر صفو هذه العملية الديمقراطية، حيث يلاحظ المتتبع للمشهد السياسي ظهور ثنائية قطبية تحت مظلة التعددية، قطب بقيادة العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية وقطب ثان بقيادة الأصالة والمعاصرة ذي المرجعية الحداثية، رغم أن الحزب الأول يعتبر هذه المسألة أمرا مسيئا للديمقراطية [8]،في حين ينكر الأصالة والمعاصرة ذلك ويعتبر أن الأمر لا يتعلق إلا بمشروعين متناقضين الأول لأسلمتها والثاني لتحديثها.[9] وتؤدي هذه الثنائية إلى ضعف الثقة في الأحزاب السياسية وكما تفقد بعض الأحزاب استقلالها السياسي في اتخاذ قراراتها، وتبرز هذه الثنائية من خلال سواد خطابين: . خطاب التخويف من التحكم: وهذا المعطى هو الذي يبني عليه حزب خطابه السياسي،[10]على اعتبار أن هناك مراكز قوى وجهات متنفذة راكمت في العقود والسنوات الماضية امتيازات ومصالح من الفساد الإداري والتدبير السيء وهي لا تزال تشكل عنصر مقاومة الإصلاح.[11] . خطاب التخويف من الأسلمة: يسعى هذا الخطاب إلى اعتبار أن حزب العدالة والتنمية يحاول النيل من الحريات العامة وحقوق الإنسان، وأنه يتبنى مشروعا أصوليا يتبنى أطروحة تفكيك الدولة وإسقاطها في شباك الجماعة الدينية على مثال ما حاول تجربته الإخوان المسلمون في مصر.[12] وكما تبرز مسألة غياب تنافسية البرامج الانتخابية، فالمتتبع للمجال السياسي المغربي يلاحظ نوعا من بلقنة وهجانة التحالفات، وتمييع المشهد السياسي، كبروز نوع من الخلط بين الأشخاص والمؤسسات[13]، مما حدا بالمؤسسة الملكية إلى التدخل من أجل ضبط المجال السياسي من كل الانزلاقات والانحرافات[14]، وما يزيد المشهد غرابة هو ترشح السيد رئيس الحكومة للانتخابات التشريعية مع اعتباره في نفس الوقت مشرفا عليها، مما جعل بعض الباحثين يصفون ترشحه بغير القانوني[15]، هذا دون إغفال دور الحصيلة الحكومية التي توصف بالضعيفة. :خاتمة إذن يبرز أن المشاركة السياسية تعد ربحا داخليا وخارجيا لتلميع الصورة الديمقراطية، ونظرا لأهمية هذه المحطة التي يبنى عليها مستقبل البلاد والعباد، فإنه كان من اللازم تعزيز دور المرأة والشباب داخل المجتمع، وتعزيز تنافسية البرامج الانتخابية حتى يكون التصويت على الأفضل، وعلى من يعمل كثيرا، وليس من يتكلم كثيرا. [1] أحمد سعيد تاج الدين،»الشباب والمشاركة السياسية» دون ذكر الطبعة، ص 9. [2] المادة 2 من الدستور المغربي لسنة 2011. [3] المادة 7 من الدستور المغربي لسنة 2011. [4] المادة 11 من الدستور المغربي لسنة 2011. [5] محمد الغالي، حوار مع جريدة الصباح حول انتخابات 04 شتنبر 2015 المحلية والجهوية، العدد 4785 بتاريخ 04/09/2015 ص 5. [6] أحمد عصيد، عندما يصبح العمل الخيري رشاوى انتخابية، مقال منشور بجريدة هسبريس،تاريخ الزيارة 15/09/2016 http://www.hespress.com/writers/320979.html. [7] مهناز أفخميى و آخرون «دليل المشاركة السياسية للنساء» منشورات منظمة التضامن النسائي للتعلم من أجل الحقوق والتنمية والسلام، الطبعة الأولى 2011،ص 12، [8] خالد البوقرعي(الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية)، حوار مع جريدة المساء، العدد 2791 بتاريخ 27/09/2015. [9] الياس العماري (الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة)، حوار مع جريدة المساء،العدد 2788 بتاريخ 21/09/2015. [10] لا زال الأمر غامضا حول مفهوم التحكم والجهات المتحكمة. [11] سعد الدين العثماني «الإسلام السياسي وتحديات الإصلاح وتداول السلطة، المغرب نموذجا» ورقة مقدمة إلى مركز القدس للدراسات السياسية يوم 13/01/2004. [12] امحمد لقماني «دفاعا عن الدولة « جريدة الاتحاد الاشتراكي، العدد 11.435، الصادر بتاريخ 15/09/2016. [13] تصريح السيد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على أن صراعه ليس مع حزب الأصالة والمعاصرة بل مع من يقف وراءه ويقصد بهذا الكلام السيد فؤاد عالي الهمة المستشار الملكي. [14] من خلال الخطابات الملكية الأخيرة، وكذا بلاغ الديوان الملكي حول تصريحات السيد نبيل بنعبد الله. [15] عبد الرحيم منار السليمي «لهذه الأسباب ترشح بن كيران للانتخابات غير قانوني» موقع هسبريس، تاريخ الزيارة 12/08/2016