شهدت فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سينما المرأة بسلا، صبيحة يوم الإثنين، واحدة من أقوى لحظات المهرجان، من خلال الندوة التكريمية لروح الراحل الناقد والكاتب مصطفى المسناوي بمشاركة مغربية ومصرية. مثلما شهدت حضورا جماهيريا، بقاعة محمد عواد بالمركب العلمي لحي بطانة بسلا، نوعيا وكبيرا، تفاعل عاليا مع فقرات ومداخلات تلك الندوة، التي اختارت لها إدارة المهرجان عنوان «الوفاء لقيمة رجل مغربي، كاتب وناقد وأديب من قيمة مصطفى المسناوي». الندوة التي ترأسها وأدارها كل من الأستاذين لحسن العسبي ومولاي دريس جعيدي، شهدت مداخلات قيمة وعميقة ومتنوعة لكل من لحسن العسبي (بصفته صديقا للراحل، شاء قدره أن يكون الوحيد الذي عايش لحظة وفاته رحمه الله بالقاهرة)، والذي قدم ورقة قيمة حول شخصية الراحل، من باب تأمل فلسفي لمعنى تصوره للحياة ودوره فيها. الذي أكد أنه يتأسس على مبدأ الحفر عبر بوابة التربية، في حياة الناس، وأن المسناوي كانت قوته في أنه تعامل مع الوجود بعين طفل، ظل يخاتل كل إكراه للمؤسسات كيفما كان نوعها وشكلها. ونجح في أن يكون دوما طاقة إيجابية، بالمعنى المعرفي والإنساني. ولقد خلفت كلمة العسبي، بلغتها وعمقها، أثرا طيبا في كل الحضور وكذا في ضيوف المغرب المشاركين، الذين أجمعوا على نجاح تلك المداخلة تماما في تلخيص حقيقة شخصية المسناوي رحمه الله. تلتها بعد ذلك، مداخلة المخرج السينمائي المصري الكبير مجدي أحمد علي، الذي تحدث بلغة بليغة وأسيانة عن علاقته بالراحل، متوقفا عند عناوين مميزة لشخصيته كناقد سينمائي، لم يخلط بين العلاقة الأدبية بما تستوجبه من رؤية نقدية ومسافة معرفية، وبين علاقات الصداقة. مما جعله يكون من النقاد السينمائيين القلائل، غير المجاملين ولا الممتخندقين في اصطفافات فئوية أو مجموعاتية، وهنا سر قوة مكانته كناقد وكإنسان وككاتب حر. وهو ذات المنزع الذي ذهبت إليه مداخلة الأستاذ الصحفي المصري، أحمد فايق، الذي توقف مطولا عند العناوين المميزة لشخصية الراحل المسناوي من خلال 3 مشاهد كبرى، حلل فيها ياحترافية وعمق مميزات تلك الشخصية. التي تكاد تقدم عنها العنوان فكرة أن المسناوي لم يكن يبخل أبدا بأفكار على الجميع، مذكرا في تفصيل حميمي، كيف أنه نبهه مرة في مهرجان كان بفرنسا، إلى ضرورة أن لا يبوح بأفكاره وتحليلاته بعد كل فيلم أمام جمهرة النقاد السينمائيين العرب، الذين بعضهم سيسرق تلك الأفكار وينسبها إلى نفسه، وكان جواب الرجل هو أنه غير مهتم بذلك، وأن ما يهمه هو ما سيكتبه هو، بضمير مرتاح. معتبرا أن ذلك عنوان أن الرجل كلن مسارا مختلفا سلوكيا ومعرفيا وإنسانيا في الحياة. وأن قوة حضوره في مصر هي من القوة ما يجعل في كل شارع له صديق وبيت. ثالث مداخلة، كانت لنجل الراجل، أنس المسناوي، الذي اعتبر لحظة الوفاء تلك، عنوان اعتزاز لديه ولدى شقيقه الحاضر بالقاعة وليد المسناوي ولدى والدتهما وكل العائلة. وأن الدرس البليغ الذي تعلمه، وهو مشتاق جدا لوالده، أن ما يستشعره من خلال صدى وجوده في أعين الناس بالمغرب وخارج المغرب، يجعله يحسن بامتلاء خاص. مطالبا بدعم العائلة من أجل إعادة تجميع كل كتابات والده الراحل وإصدارها في كتب مبوبة حسب كل مجال من مجالات إنتاجه الغزيرة. وهي ذات الفكرة التي دافع عنها الناقد أحمد السجلماسي، الذي قدم ملتمسا من خلال مداخلته، بعد أن نوه بفكرة إنجاز شريط وثائقي مصور عن الراحل (قدم في بداية الندوة ومدته 26 دقيقة)، يتمثل في أن تكون الدورة 11 القادمة مناسبة ليصدر عن المهرجان كتاب تجيمعي لمقالات المسناوي النقدية في مجال السينما. وهو المجال الذي تدخل فيه الناقد محمد شويكة، الذي توقف عند طبيعة الرؤية المؤطرة معرفيا لكتابات الراحل، في مجال القصة والنقد السينمائي. معتبرا أنه من القلائل، الذين اشتغلوا على بنية الجملة القصيرة في الكتابة، ذات التكثيف القوي (تكملة لذات الفكرة التي انتبه إليها قبله أحمد قايق من مصر)، والتي تجعل كل فقرة من دراساته مكتلمة بذاتها، بانية لمعنى قائم بذاته، في ما يشبه مشهدا سينمائيا مكتملا ضمن فيلم طويل. وهذا أمر نادر في مجال الكتابة والنقد مغربيا وعربيا. فيما توقف الأستاذ أحمد حسني، الذي كان آخر المتدخلين، عند دلالات شخصية المسناوي، التواصلية والإنسانية والمعرفية، وأن قوته في شكل تدبيره حتى للإختلاف. متوقفا عند لحظتين دالتين، هما لحظة دفاعه بقوة عن مهرجان تطوان السينمائي المتوسطي في دورته الأولى أمام النقاد العرب بلبنان وسورية ومصر، سنة 1986، حين اعتبروا فكرة «المتوسطي» بوابة لمشاركة إسرائيل، ونجح في أن يقنعهم بالعكس تماما، وأنه مهرجان قومي عروبي تقدمي متوسطي ومنفتح. ثم دوره في الدفاع من داخل المؤسسات (وزارة الثقافة ثم وزراة الإتصال) عن مشاريع تأسيسية في مجال الإصدارات الثقافية والقوانين ذات الصلة بمجال السينما.