المتفحص الناقد في سطور وما بين سطور ما جادت به الدولة الحاكمة مؤخرا ابتداء من بيان الديوان الملكي مرورا بمنع الداخلية لترشح السلفي المثير للجدل باسم حزب العدالة والتنمية بالعاصمة السياحية للمغرب، مراكش، وانتهاء بمسيرة الدارالبيضاء الأخيرة الداعية إلى رحيل بن كيران وعدم أخونة المملكة المغربية، يقر بما يمكن أن يكون لها ما بعدها من عواصف وهزات ستصبح حديث الساعة دوليا. وبعودتنا الى هذه العواصف السياسية التي هزت المشهد السياسي المغربي يمكن قراءة هذه الاحداث كما يلي: بيان الديوان الملكي الصادر مؤخرا الذي مرغ به أنف وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب الكتاب التقدم والاشتراكية ، في التراب على إثر تصريحاته لجريدة اسبوعية اتهم فيها، المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة، بالوقوف الآن وراء "البام"يشكل رصاصة الإنذار والتحذير الشديد اللهجة لبهلوانيات بن كيران النافذة وأضغاث أحلامه حول التحكم، وما السيد نبيل بن عبدالله إلا نافذة للإغاثة ارتمت منها الدولة الحاكمة إلى غرفة عمليات العدالة والتنمية لتحجيم قوة خطاب المظلومية الذي يوظف للحصول على امتيازات انتخابية قد تجعله في موقع قوة للتفاوض مع الدولة. وهو التقريع نفسه الذي كان قد تعرض له رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الاله بن كيران في خطاب رسمي موجه من الملك بشكل مباشر إلى الشعب المغربي في 30 يوليوز2016، بعد أن صعد بن كيران في خطبه مشيرا إلى وجود دولتين تحكمان بالمغرب. دولة رسمية يرأسها الملك ، وأخرى مجهولة لا يعرف من أين تأتي بتعييناتها وقراراتها. حدث آخر هز السياق الانتخابي اليوم هو الورقة الحمراء التي أخرجتها الداخلية في شخص واليها، في وجه السلفي الملغوم،الذي توثق شهادته السمعية البصرية حقده للتعايش مع جنس اليهود بوطن واحد اسمه المغرب. وهو ما خلف ردود أفعال متباينة، بين فريقي اليساريين والاسلامويين. وهو حدث صرح كثيرون أنه يفصل بين الديمقراطية والاستبداد والتحكم. ينبغي أن نشير هنا إلى أن حزب بن كيران بلع لسانه واختفى وراء العبارات الفضفاضة المجردة دون أن يرفع لواء المواجهة والتصدي والخروج إلى الشارع الذي يهدد به دولته الحاكمة. ليطفح كيل مسيرة 18 شتنبر2016، مسيرة مجهولة الهوية ومعلومة الرسالة، التي وقعت في تبريء تام للداخلية من إعطائها لعربون التجمهر والتجمع. وهي التي جاءت بأرقام انتخابية لتصدح الحناجر برحيل بن كيران باعتباره مواطنا مغربيا خطرا يؤسلم الدولة ويؤخونها نسبة الى حركة الاخوان ،التجمع الاسلامي العالمي. إذا نحن أمام رسائل لافتة وواضحة وخطيرة أمام الأحزاب المغربية وداخل الصراع السياسي في أقل من شهرين. نعم لقد غضب الملك أخيرا مما سمع ويتردد باستمرار على مسامعه، فانتفض ليوقف إقحام المؤسسة الملكية في الصراع السياسي الفاسد، وتنزيها لمستشاريها باعتبارهم موظفين يشتغلون ويتحركون ضمن مهامهم الموكولة إليهم من لدن المؤسسة الملكية. فما يضرهم يضرها وما يصيبهم يصيبها، وهو ما يحيلنا على الامر نفسه الذي وقع مع الحسن الثاني سنة1995 حين نزه وقدس وزيره في الداخلية ضد امحمد بوستة، الأمين العام لحزب "الاستقلال" سابقا، بعد رفض الأخير تكليفا من الحسن الثاني بتشكيل الحكومة بسبب البصري. ومن خلال التقليب والنظر في هذه المعطيات يمكن ملامسة مجموعة من الاشارات والرسائل: لقد احتفظت الداخلية لنفسها بالفعل المقنع لاستطلاعات الرأي للانتخابات التشريعية للاحتفاظ لنفسها بالقدرة على التدخل المبرر أو غير المبرر متى تشاء وأنى تشاء في صناعة الخريطة الانتخابية بالمدن والأقاليم والجهات. بناء على خلاصات ونتائج البحث التمهيدي لمخرجات العملية الانتخابية، سيتم اكتشاف ما لم يكن يناسب تقديرات سابقه لسطوة بن كيران وحزبه على المشهد الحزبي المغربي. ومنه تم اللجوء إلى تقنية الارتطام بالحائط التي عبرت عنها الدولة الحاكمة، معتبرة، وهذا ما تراه حقا لها، أنها السيل الجارف قادم، وقد بلغ الزبى، فلابد من وضع المتاريس والحواجز بلغة قوية حازمة وشديدة في وجه كل منافق أشر، يهدد ولي نعمته، ويأكل الغلة ويسب الملة. البلاغ الملكي رسالة قوية واضحة وشفافة إلى كل الأحزاب والتنظيمات، مؤداها: المؤسسة الملكية ليست كائنا انتخابيا يجر بين الأرجل في الصراع السياسي الفاسد بينكم. الملك ومحيطه جسم واحد، وما من أحد يسعى إلى إفساده فهو ضرب للثوابت والمقدسات التي صادقت عليها جل الأحزاب المغربية. رسالة اخرى يرسلها المخزن من خلال أذرعه الدائمة: لا يمكن تلطيخ الفعل الديني بالخطاب السياسي الفاسد. ولا يمكن تلبيس السلفية الإسلامية المتطرفة بلبوس الديمقراطية وتنميقها وتزيينها وتعطيرها قصد إخراجها للعلن في حلة الحمل الوديع الذي قد ينافس في إمارة المؤمنين من قريب أو بعيد، اليوم أو غدا. لذلك لابد، وطبعا تحت ضغوطات الجمعيات اليهودية وأمريكا، لابد من سد كل الشقق التي من شانها أن تأتي بتسونامي لا تملك الدولة الحاكمة نظاما وقائيا استباقيا له في هذه الأثناء. بناء على ما سلف ذكره، فإننا نكاد نجزم أن حزب العدالة والتنمية في قفص الاتهام من لدن ولي نعمته الذي أغدق عليه، ليتنكر الابن غير الشرعي لأبيه، ويرفع شعار: أنا أيضا أحتاج إلى الحكم والسلطة بالمغرب. وانطلاقا من إحساس الأب بهذا النزوع الى الاستئساد والتغول، فقد اصبح الاقتراب من هذه الدائرة تقاطعا خطرا بعنوان عريض :المخزن أو بن كيران لا ثالث لهما.