أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك.. للرمز في السياسة دلالة تساوي الفعل ذاته، ولذلك أصبحت قراءة الرموز، مع تقدم علم الإشارات، حقلا خصبا من حقول العلم السياسي لا غنى عنه لفهم طبيعة العلاقات بين الدول ونوعيتها، جودة أو رداءة، مع قياس درجة حرارتها ومستوى فتورها أو برودتها. وإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة بالنسبة لعلاقة الدول، فإنها تصح بنسبة أكبر في العلاقات الثنائية الفرنسية، الجزائرية. والزيارة الرسمية التي يقوم بها الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، خلال مدة يومين إلى الجزائر، في النصف الأول من هذا الشهر، رغم أنها تندرج في نطاق الإتصالات الإعتيادية بين رؤساء الدول، تكتسب بحكم الظروف التي تحصل فيها، وبفعل الماضي والحاضر، وبسبب المعطيات الجديدة في المغرب العربي، معاني تخرجها عن المألوف. إنها الزيارة الثالثة التي يقوم بها الرئيس الاشتراكي الفرنسي إلى هذا البلد العربي الإفريقي، وهي الزيارة الرابعة لرئيس فرنسي إلى الجزائر. الزيارة الرسمية الأولى لرئيس دولة فرنسي تمت عام 1976 في عهد الرئيس هواري بومدين. وقام بها فاليري جيسكار ديستان. فرانسوا ميتران، قام بأول زيارة للجزائر في 30 نوفمبر - 1 ديسمبر 1981، أي بعد مرور سبعة أشهر، على وصوله إلى السلطة خلال ولايته الأولى. ولفهم مغزى الزيارة الجديدة، التي تتم في السنة الأولى من الولاية الثانية، لابد من التذكير بسابقتيها، وبالملابسات التي رافقتهما. كانت رحلة ميتران الأولى إلى الجزائر تجسيدا لموقف نظري وعملي انتهجه التحالف اليساري الحاكم آنذاك، والمؤلف من الاشتراكيين والشيوعيين، موقف يستند إلى بناء صلات متميزة، مع مجموعة من الدول-المنارات، أو «الدول-الأقطاب» كجسر لسياسة عالمية جديدة مع العالم الثالث، بشقيه النفطي والفقير. أركان هذه السياسة الخارجية كانت أربعة واثنان منهما في العالم العربي هما الجزائر في المغرب والعراق في المشرق، والباقيان هما الهند في آسيا والمكسيك في أمريكا اللاتينية. وقد وقع الاختيار على الجزائر بسبب انتمائها المزدوج لإفريقيا والعالم العربي، بوصفها «دولة-منارة» ممتازة تتجه إليها أنظار الدول الإفريقية، وتترقب مبادراتها وتساندها. كلود شيسون وزير الخارجية الفرنسية آنذاك، وهو أول عضو في حكومة بيار موروا الأولى زار الجزائر عبر عن هذا التصور في تصريح صحفي أدلى به في شهر غشت 1981 وقال فيه : يتملكنا إحساس بالفرح الطاغي بأنه صار من الممكن أن يبدأ عهد جديد غزير الثراء بيننا وبين الجزائريين، وهو عهد سيتجسد بصورة مشهدية ومثيرة بمناسبة اللقاء الذي سوف يتم بين رئيسينا : (المصدر مجلة أفريكازي عدد 253 تاريخ 21 نوفمبر 1981). في نفس الفترة قام غاستون دوفير وزير الداخلية آنذاك وعمدة مارسيليا، المدينة الثانية بفرنسا الواقعة على الضفة الأخرى للبحر المتوسط مقابل الشواطئ الجزائرية، بزيارة عمل إلى الجزائر العاصمة أُعلن في ختامها أن الزيارة المقبلة للرئيس ميتران ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين اللذين سيدخلان مرحلة تتسم بالتقارب السياسي والتفاهم الاقتصادي. وكان مؤتمر كانكون الذي انعقد ذلك العام بالمكسيك مناسبة التقى أثناءَها الشاذلي بنجديد والرئيس ميتران واستطاعا أن يلمسا ما بينهما من تقارب حول العديد من المسائل. عبد الحميد الإبراهيمي الوزير الأول الجزائري آنذاك، أعلن من جهته «أن الجزائروفرنسا يتوفران على جملة من الشروط تسمح لهما بأن يطورا بسرعة شكلا مثاليا من أشكال التعاون وتتيح لهما أن يؤثرا بصورة إيجابية على مسيرة التعاون بين الشمال والجنوب : (المصدر السابق...). وباختصار، وكما كتب يومها الصحفي الجزائري، كمال جعيدر، في نفس العدد من نفس المجلة فإن التاريخ والجوار حول الكيان المتوسطي، وانتماء كل واحد من البلدين إلى مجموعات جغرافية، سياسية وثقافية متميزة (إفريقيا والعالم العربي وأوروبا) إضافة إلى عامل حركة الهجرة، وحجم المبادلات التجارية، كل ذلك يجعل العلاقات بين البلدين ذات عواقب تتجاوزهما كثيرا». وفي مناسبة تلك الزيارة الأولى، لم تُخف الأوساط الرسمية الجزائرية ارتياحها من التغيير الذي طرأ على الموقف الفرنسي، تجاه ما كان يسمى آنذاك بالمسألة الصحراوية المغربية. وقد سجل المراقبون يومها بالعاصمة الفرنسية، كيف أن وفدا رسميا من جبهة البوليساريو، المدعومة من طرف الجزائر، استقبل لأول مرة في وزارة الخارجية الفرنسية (يوم 29 يوليوز 1981)، أي بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على وصول اليسار إلى السلطة وعبر الحزبان المشاركان في الائتلاف الحكومي وقتئذ، أي الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي عن مواقف مساندة وبلا تحفظ للسياسة الجزائرية إزاء قضية الصحراء المغربية. كما ضغطت وسائل الإعلام الجزائرية من خلال مقالات نُشرت قبل تلك الزيارة باتجاه وقف التعاون العسكري مع المغرب، ومن أجل فتح ممثلية للبوليساريو، بالعاصمة الفرنسية. كذلك جرى التلميح بنبرة إيجابية إما بواسطة التعليقات، أو خلال أحاديث خاصة عن ارتياح الجزائر إلى السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة إزاء القضايا الإفريقية (ناميبيا وجنوب إفريقيا) والعربية (فلسطين بصورة خاصة). وأعلن كلود شيسون تأكيدا لهذا الموقف أن الاستمرار في احتلال الأراضي العربية أمر غير مقبول وأن تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس بقرار انفرادي موقف مرفوض... ولعل أهم عربون قدمته حكومة الائتلاف اليساري الأولى لإثبات حسن نيتها تجاه الجزائر، وفي أفق التمهيد للزيارة الأولى، هو القرار الذي اتخذته لتسوية مشكلة المهاجرين الذين كانوا يقيمون في البلاد بصورة غير قانونية. وقد وافق البرلمان الفرنسي في أول أكتوبر 1981 على نصوص تشريعية تنظم بصورة دائمة شروط دخول الأجانب إلى فرنسا وإقامتهم بها وتمنح لروابط وتنظيمات المهاجرين صبغة قانونية، أتاحت لودادية الجزائريين في أوروبا أن تمارس عملها بصورة قانونية. هل هذه المبادرات، سواء تلك المتصلة بالسياسة الخارجية الإقليمية والدولية، أو المرتبطة بالعلاقات الثنائية، أي تيار الهجرة وتيار المبادلات الاقتصادية الثقافية، أعطت الانطباع بوجود إرادة قوية، واعية مدروسة، لدى الحكومة الفرنسية، تهدف إلى جعل الجزائر محورا لتحركها الدبلوماسي على الصعيدين العربي والإفريقي؟ ويوم وصول فرانسوا ميتران إلى الجزائر في زيارته الأولى صدرت جريدة المجاهد الرسمية وهي تحمل على صفحتها الأولى عنوان : «أول لقاء جزائري فرنسي كبير»، وهو عنوان يحمل ضمنيا حكما سلبيا على اجتماع هواري بومدين-جيسكار ديستان، الذي اعتُبر مخيبا للآمال. ثم إن الشعارات التي استقبل بها الرئيس الفرنسي على امتداد العشرين كيلومترات الفاصلة بين مطار الدارالبيضاء-هواري بومدين، وبين مقر إقامته بمبنى قصر الشعب وسط العاصمة، عبرت عن الطابع السياسي لتلك الرحلة وعن الأهداف المنتظرة منها لدى الجانب الجزائري. وقد برزت في اللافتات التي علقتها جبهة التحرير الوطني ثلاثة شعارات تسترعي الانتباه : «البحر الأبيض المتوسط، بحيرة سلام»، «نساند الحوار بين الشمال والجنوب» و«ندعم الشعوب المناضلة وخاصة جبهة البوليساريو»، وأعلن ميتران في الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب : «إنني لشديد الحرص، لحظة وصولي للجزائر، على الإشادة بالبلد ورئيسه، وأريد أن أوجه، من بلادهم الأصلية، تحية إلى إخوانكم العمال الجزائريين المقيمين بفرنسا، لأن مساهمتهم في ازدهار بلدي، بواسطة كدحهم، تستحق الإعتراف والاحترام. وهذا الإحترام بات أمرا واقعا ومضمونا. والجزائروفرنسا قادرتان على تجاوز جروح الماضي وتمزقاته، ونحن مصممون على اجتياز العقبات وحالات سوء التفاهم التي عرقلت قيام صلات جديدة بيننا. وتستطيع الجزائروفرنسا، اليوم، بناء صداقتهما على أساس قاعدة جديدة ومتينة هي الثقة. وبفضل هذه الثقة يمكن لسياسة الحوار والتعاون بين الدولتين أن تتغذى من ثراء وتنوع العلاقات بين الشعبين. وقد جئت إلى الجزائر أحمل هذه الثقة، الثقة في صرامة المثال الذي تجسدونه يا سيدي الرئيس، والثقة في تطابق إرادتنا وعزائمنا على رفض منطق المواجهة في العلاقات الدولية، والثقة بالأمة الجزائرية المثابرة على تنمية نفسها بجهودها الخاصة والمناضلة من أجل نظام اقتصادي دولي جديد، ثم الثقة في قدرتنا معا على أن نوفر علاقات متساوية نريد لها أن تقوم بين الشمال والجنوب. وفي هذا الأفق، ومن منطلق هذا الأمل، ولعلي أضيف ومن هذا اليقين أيضا، ينصرف شعوري هذه اللحظة، إلى قدر الجزائر وقدر فرنسا وأعبر عن تمنياتي بالإزدهار لبلدينا، ومن أجل تلك القضية النبيلة جدا، الطموحة جدا، والتي من الضروري بناؤها أو استكمالها ألا وهي الصداقة الجزائرية الفرنسية، صداقة الفرنسيين للجزائريين وصداقة هؤلاء لأولئك...، (المصدر قصاصة إخبارية لوكالة الأنباء الفرنسية عن النشرة الخاصة بإفريقيا الشمالية تاريخ 1/12/1981...). في ذلك الخطاب، وهو أول نص يلقيه رئيس دولة فرنسي أمام النواب الجزائريين أعلن فرانسوا ميتران أنه حريص أيضا ومنذ اللحظة الأولى لوصوله على الإشادة بالأبطال الذين يمثلون الأمة الجزائرية وقال : «يمكن لنا أن نسوي جميع المشاكل لأن الدول مرتبطة بوجود الإرادة السياسية، ومرتبطة بالتفاهم وبالسخاء وبالسماح. ولابد من أن يقوم بيننا تعاون مثالي يستند إلى معرفة دقيقة بالملفات، وإلى الدفاع عن المصالح المشروعة وإلى إرادة النجاح». وفي إشارة واضحة إلى التبادل متعدد الأوجه القائم بين مدينتي مرسيليا الفرنسية ومدينة الجزائر العاصمة، قال ميتران : «يجب أن نجعل من صلاتنا رمزا للعلاقات الآتية بين الشمال والجنوب، وبالقدر الذي يفصل فيه هذا الخط (يقصد البحر الأبيض المتوسط) بين بلدينا، فيجب أن نبذل الجهد لإزالته. ووصف الرئيس الفرنسي، في مداخلته تلك أمام مجلس الشعب، الجزائر بأنها «حركة عدم الانحياز»، وندد ب«أنانية الكبار»، مؤكدا أن «فرنسا، لا تقبل الاستقالة وأنها تنصت إلى الشعوب المناضلة في سبيل حريتها وتنميتها، وتلك هي رسالتها اليوم»، ثم استعرض المشاكل الإقليمية، الإفريقية، مثل النزاع في الصحراء، والحرب الأهلية التشادية، وقضية ناميبيا والعربية، وتحديدا مشكلة الشرق الأوسط، ولاحظ المراقبون أن ذلك الخطاب، كان في جانبه الإفريقي، منسجما كل الإنسجام، مع مواقف الدبلوماسية الجزائرية، إذ إنه دافع عن مبدأ تقرير المصير، مؤكدا حق كافة الشعوب في ممارستها له. أما بالنسبة لفلسطين فقد أكد ميتران يومها أن «فرنسا ليست وسيطا». والمهم، «أن لا نفقد الأمل في تسوية نهائية شاملة عن طريق التفاوض»، مضيفا إلى ذلك قوله : «يمكن أن تقوم بين الجزائروفرنسا وبينها وبين إفريقيا وبين هذه القارة وجارتها الأوربية علاقات مثيلة تستند إلى تكامل اقتصادياتنا وتكامل أقدارنا وعلى الإحترام والصداقة...» (المصدر : جريدة لوموند 1/12/1981). في جوابه عن خطاب ميتران، أكد السيد رابح بيطاط رئيس البرلمان الجزائري أن المناخ الجديد في العلاقات بين البلدين، لم يأت اعتباطا ولا بصورة عشوائية وإنما جاء ثمرة لتعلقنا بالمُثُل الاشتراكية والاستقلال الوطني... وعلى الرغم من هذه الخطب والمواقف الحماسية، التي تترجم تطابقا في وجهات النظر، يكاد يكون كاملا حول المشاكل الإقليمية، خاصة قضية الصحراء المغربية، والحرب الأهلية في تشاد وقضايا تصفية الاستعمار في جنوب القارة الإفريقية، فإن الطرفين لم يتفقا خلال تلك الزيارة بسهولة على صيغة العلاقات الثنائية، ولاسيما في المجال الاقتصادي، وبالخصوص حول أسعار الغاز. وتأتي صعوبة الاتفاق، كما ذكرت لنا ذلك في حينه شخصية رسمية فرنسية رافقت ميتران في رحلته، تأتي من أن الطرفين لم يكونا يعطيان نفس الأهمية لمسألة الغاز. لقد كان فرانسوا ميتران يرى أن المشكلة الفرنسية الجزائرية، هي في الدرجة الأولى مشكلة سياسية، وكان يريد، وفق نفس المصدر، وأيضا حسب تعليق لجريدة لوموند اليسارية المستقلة أن يعامل الجزائر كقوة كبيرة وأن يضع معها قواعد تعاون سياسي فعلي يتيح للدولتين أن يتدخلا بفاعلية وشجاعة لإصلاح أسس العلاقات بين الشمال والجنوب. وكان رأي الفرنسيين أن التوصل إلى اتفاق سياسي بين الرئيسين الشاذلي بنجديد وفرانسوا ميتران، لابد وأن يخلق مناخا جديدا يتعود فيه المتفاوضون الفرنسيون والجزائريون على العيش مع وجود قضايا خلافية، يعتبرها الفرنسيون أقل أهمية من تلك التي تطرح أحيانا بينهم وبين بعض الأطراف الأوروبية المشاركة معهم في السوق المشتركة... والحافز السياسي، إذا ما توفر، يسمح بتسوية الصعوبات الاقتصادية، وهذا التركيز على البعد السياسي، دون غيره، هو الذي جعل ميتران يعلن أثناء ندوة صحفية عقدها في اختتام رحلته أنه لا وجود لمشكلة تستعصي على الحل. أما الجزائريون، فكانوا في تلك الفترة يجعلون من تسوية الخلاف حول أسعار الغاز، مقياسا لحسن نية فرنسا، وكانوا لا يترددون في القول بأن الإتفاق حول ملف الغاز سيتحكم في طبيعة التعاون الجزائري الفرنسي. وكان كلود شيسون، وزير الخارجية الفرنسي، يصف مسألة الغاز بأنها، عقبة في وسط النهر.. ونستطيع أن نشاهد من بعيد صور الرحلة النهرية جميلة التي يمكن أن تقوم بها، لكن لا بد لنا أولا من اجتياز تلك العقبة، (المصدر : قصاصة إخبارية لوكالة الأنباء الفرنسية 2/12/1981...) وميتران، الذي أدرك جيدا رغبة السلطات الجزائرية، في تسوية مشكلة أسعار الغاز، أعلن في الندوة الصحفية التي عقدها قبل عودته إلى باريس، «أن الخبراء قاموا بالعمل الذي كلفوا به والحكماء أدوا المهمة التي أسندت إليهم. أما في المستوى السياسي، فإن وزراء الخارجية والتجارة والتخطيط عبروا عن رأيهم، وأصبح رئيسا الدولتين يملكان العناصر التي ستمكنهما من اتخاذ القرار المناسب. ولن تكون هناك إجراءات جديدة، وإنما بقيت بعض المشاكل التي لابد من تسويتها، لأسباب تقنية وتجارية، ولن يستغرق الأمر أكثر من بضعة أسابيع، (المصدر : قصاصة إخبارية لوكالة الأنباء الفرنسية 3/12/1981...). وبعد بضعة أسابيع، أعلنت فرنسا الإشتراكية عن قبولها بأغلب المطالب الجزائرية حول أسعار الغاز، فيما وصفه المعلقون آنذاك بأنه صفقة قايضت فيها فرنساالجزائر، ودفعت لها ثمن تعاونها السياسي معها. وقد أثارت تلك الإستجابة للمطالب الجزائرية في حينها سخط المعارضة اليمينية وأعلن أندري جيرو أحد زعماء هذه المعارضة أن فرنسا مارست سلوكا مشينا ومعيبا وخذلت التضامن الحكومي الأوروبي وكانت أول من أظهر مواقف الضعف وتأثر بالعواطف، الأمر الذي لابد أن يثير ضحك المفاوضين الجزائريين...». ومسألة الغاز ظلت خلال السنوات العشر الماضية، تُسمِّم العلاقات بين البلدين، وكان الموقف منها معيارا لنوعية الصلات الموجودة بين باريسوالجزائر. كانت هناك وباستمرار، منذ عشر سنوات، وتحديدا منذ تاريخ 29 يناير 1979، الذي طالبت فيه شركة سوناطراك الجزائرية بمراجعة الإتفاقات الموقعة سابقا بشأن هذه النقطة، حرب فعلية مكتومة بين البلدين. وحين كانت الشركتان المعنيتان مباشرة بالملف، وهما سوناطراك الجزائرية، وشركة، غاز-كهرباء فرنسا، الفرنسية تخفقان في التوصل إلى تسوية مرضية لهما عبر المفاوضات المباشرة، كانتا تلجآن إلى الوزراء المعنيين في البلدين (وزير الطاقة في الجزائر ووزير الصناعة في فرنسا) للقيام بدور تحكيمي، وكان الوزيران ينتهيان دائما إلى الإخفاق، لأن كل واحد منهما يدافع عن نظريات ومطالب الشركة التابعة له، وحين يخفق الوزيران كانا يلجآن بدورهما إلى السلطات العليا، أي إلى رئيسي الدولتين ليحسما في الأمر.