أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك.. جريدة ليبراسيون اليومية اليسارية المستقلة، الواسعة الانتشار المتميزة بجزالة عناوينها، لخصت الموقف في عنوان، ظهر على العرض الكامل لصفحتها الأولى، بأحرف ضخمة : «الدولة الموعودة». العنوان، كما هو بديهي يحيل إلى مقولة : «الأرض الموعودة» أو أرض الميعاد، وهو يختصر في كلمتين، دلالة هذه التظاهرة السياسية. جريدة لوموند، وهي من نفس الاتجاه صدرت بعنوان كبير على عرض صفحتها الأولى «منظمة التحرير تعترف ضمنا بإسرائيل». الصحف الليبرالية اليمينية المعارضة للحكومة مثل الفيغارو ولوكوتيديان دو باري صدرت بعناوين مماثلة في نفس الحجم. وحدها جريدة ليمانيتي، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الفرنسي، كانت أكثر غنائية والتزاما إذ اختارت غداة انتهاء أعمال المجلس الوطني عنوان : «غدا في فلسطين». وما فعلته الصحف اليومية صورة طبق الأصل عما قامت به القنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية. هي أيضا كانت تفتح نشراتها الصباحية والزوالية والمسائية والليلية كل هذه الأيام، بما جرى في الساحة الفلسطينية، والخلاصات التي انتهت إليها الصحف الفرنسية، من خلال معالجاتها المتنوعة لاجتماعات المجلس الوطني، يمكن حصرها فيما يلي : لقد اتخذ الفلسطينيون المجتمعون بالجزائر قرارا تاريخيا، بأكثر من معنى. فهناك أولا إعلان الدولة المستقلة في فلسطين، واعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارين رقم 242 ورقم 338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، والتخلي ضمنا عن الارهاب، والتخلي أيضا عن قاعدة الإجماع داخل البرلمان الفلسطيني. بمعنى آخر، هناك تأكيد مبدئي للهدف النهائي، أي المطالبة بالاستقلال الوطني واختيار القاعدة الدبلوماسية لمفاوضة دولية يدعو إليها الجميع، وتطالب بها خصوصا كل من موسكووواشنطن، بصيغ مختلفة، وانطلاقا من اعتبارات وحسابات متباينة، مع التزام من الفلسطينيين بالسير قدما على هذا النهج باسم أغلبية موحدة وراء ياسر عرفات. النقطة الأولى، والكلام دائما للمعلقين الفرنسيين، وتحديدا للسيد مارك كرافيتز، مسؤول الشؤون الخارجية في جريدة ليبراسيون، تعني بكل بساطة، التخلي عن الميثاق الفلسطيني، الذي كان يعلن أن فلسطين، كما هي أيام الانتداب البريطاني، أرض واحدة غير قابلة للتقسيم وكان ينكر بالنتيجة أية مشروعية لتقسيم عام 1947، وبالتالي أية مشروعية لخلق إسرائيل. والنقطتان الثانيتان الأخريان، تعنيان أن منظمة التحرير الفلسطينية تريد أن تجلس إلى مائدة المفاوضات وأن تقبل مسبقا بالشروط الأمريكية، لأية مشاركة للمركزية الفلسطينية. أما النقطة الأخيرة فتعني أن ياسر عرفات مؤمن بإيجابية سلم تفاوضي إلى درجة أنه يستطيع أن يتحمل مسؤولية أغلبية سياسية تستطيع أن تفرض قرارها على الأقلية. تلك هي الخلاصة الأولى. أما الخلاصة الثانية، فيمكن إيجازها بأن اجتياز هذه الخطوة الحاسمة، لاينبغي أن يحملنا قطعا على المجازفة بالقول إن الطريق باتت سالكة نحو المفاوضة أو أن حل النزاع اليهودي العربي والإسرائيلي الفلسطيني، صار قاب قوسين، أو أدنى. إن ردود الفعل الفورية الصادرة عن القادة الإسرائيليين لا تترك أمامنا أي مجال للوهم. وقد وصف إسحاق شامير، المرشح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية، القرار الصادر من الجزائر، بأنه «وهم على ورق». والوزير الأول الإسرائيلي، وهو في هذا الشأن، يتفق تماما مع وزير خارجيته، وخصمه السياسي، شيمون بيريز، يعتقد أن أي شيء لم يتغير. نعم، لم يتغير أي شيء بالنسبة لاختيار الوزير الأول الإسرائيلي، السابق-اللاحق، إسحاق شامير الرافض لمنظمة التحرير الفلسطينية وللدولة الفلسطينية. وهذا الرفض الإسرائيلي المزدوج لا توازيه إلا «لاءات» مؤتمر القمة العربية المنعقد بالخرطوم عام 1967 : لا سلم لا اعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل. غير أن هذا التناظر قد انقطع ابتداء من يوم الثلاثاء الماضي، أي صدور قرار المجلس الوطني الفلسطيني. وإذا أرادت إسرائيل أن تحافظ على موقفها الرافض بأي ثمن، فإنها ستعرف عزلة كاملة. إنها وضعية غير مريحة يمكن لإسحاق شامير وللأحزاب السياسية اليمينية الإسرائيلية الاستفادة منها تكتيكيا في المناورات الجارية حاليا لتأليف الحكومة، لكنها يمكن أن تشكل عبئا ضخما على الوزارة المقبلة وخاصة في علاقاتها مع الإدارة الأمريكيةالجديدة. الخلاصة الثالثة، هي أن قرار المجلس الوطني الفلسطيني بإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة صدر في لحظة زمنية مر خلالها الطرفان الآخران الرئيسيان، أي الولاياتالمتحدة وإسرائيل بمرحلة «شغور السلطة». واشنطن تنتظر انتقال الحكم شكليا ورسميا من إدارة رونالد ريغان، إلى إدارة جورج بوش، وإسرائيل تنتظر تعويض حكومة الائتلاف الوطني بحكومة جديدة. في كلام آخر، إسرائيل وأمريكا، غائبتان، و»الغائب معه عذره» كما يقول المثل العربي، أو هو لا «حق له» كما يذهب إلى ذلك المثل الفرنسي. وفي كل الأحوال، لا واشنطن ولا إسرائيل، مطالبة، برد فعل فوري، على المبادرة الفلسطينية، والحالة الانتقالية تعطيهما في الظاهر، هامشا من حرية المناورة يبرز «المماطلة» و»التسويف». لكن من الملفت للانتباه أن رونالد ريغان أعلن قبل ساعات قليلة من صدور القرار الفلسطيني أن اتخاذ المنظمة موقفا إيجابيا من القرار رقم 242، يعتبر بادرة جديرة بالاهتمام. وجورج بوش أعلن أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية أن سياسته هي استمرار لسياسة سابقة. ومع ذلك فإن هذه المواقف التشجيعية إزاء منظمة التحرير، لا تؤشر بالضرورة إلى سياسة الادارة الأمريكية القادمة. وبالمقابل فإن الرفض الإسرائيلي، رغم أنه كان منتظرا لا يمكن أن يؤخذ هو الآخر كصيغة نهائية. وإجمالا، فإنه ما يزال أمام الأمريكيين والإسرائيليين بعض الوقت أو ما تزال لديهم المبررات الكافية والمعقولة لتأجيل لحظة الرد على الخطوة الفلسطينيةالجديدة. والأمر صحيح أيضا بالنسبة للسيد ياسر عرفات. رئيس اللجنة التنفيذية، لم يخرج فقط معززا من اجتماع الجزائر، ولكنه استعاد ذلك الموقع الدولي الذي سمح له عام 1974، قبل سنة من نشوب الحرب الأهلية في لبنان، بالصعود إلى منبر الأممالمتحدة. وتلك ميزة، يعتقد جميع المراقبين السياسيين الفرنسيين لشؤون المنطقة العربية أنه يتعين عليه الاستفادة منها في الأيام والأسابيع الآتية، لاستثمار صدمة الجزائر، وحتى يؤكد للعالم أجمع، أنه تخلى عن البلاغة لفائدة السياسة. والموعد قادم وقريب، والمكان هذه المرة أيضا، هو الجمعية العامة للأمم المتحدة التي سيتوجه إليها القائد الفلسطيني ويتوجه من فوق منبرها «إلى الكبار»، ليظهر لهم أنه الطرف الذي لا غنى عنه، في مفاوضة محتماة، ستكون عاجلا أو آجلا، فلسطينية إسرائيلية. الخلاصة الرابعة غير متوفرة ولكنها موجودة فيه ضمنا. لقد كانت الفكرة الأولى التي برزت أثناء المناقشات الأولية خلال الفترة الاعدادية، هي إنشاء حكومة مؤقتة. وجاءت الفكرة أساسا من الجزائريين، استنادا إلى تجربتهم الخاصة في النضال ضد فرنسا. ثم عدل عنها الفلسطينيون في النهاية لصالح فكرة الدولة. «الحكومة المؤقتة، كما قالت لنا شخصية فلسطينية، كانت ستطرح أمامنا مشكلة الاعتراف المعقد وتدخلنا في مزايدات عقيمة». وقد انتبهنا إلى أن إعلان الدولة استنادا إلى قرار التقسيم الأصلي الصادر عن الأممالمتحدة عام 1947، يتجاوز المشكلة. لقد نص ذلك القرار على «إنشاء دولة عربية ودولة يهودية، وبما أن مشكلة الاعتراف موضوعة أساسا انطلاقا من وجود دولتين، فلا تعود المنظمة مطالبة بالبث فيها، رفضا أو موافقة». وما لم تقله لنا هذه الشخصية الفلسطينية، هو أن الجزائريين أوحوا بهذا الحل واعتبروه أيضا بداية لتسوية علاقة المنظمة مع الحكومات العربية. لقد كان الجزائريون، يكررون باستمرار أن على الفلسطينيين أن يحققوا أولا «استقلالية» القرار السياسي وأن يطرحوا المبادرات السياسية والدبلوماسية، انطلاقا من أنهم «أصحاب القضية الأولى». وهذا الخطاب الجزائري، سمعه ياسر عرفات وخليل الوزير من الرئيس السابق أحمد بن بلة، وسمعاه من خلفه هواري بومدين، وسمعته القيادة الفلسطينية من الشاذلي بنجديد. وهو الذي انتصر أخيرا في الجزائر. إنه نفس الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة أثناء رحلته التاريخية (1965) وأثار به معارضة قوية في المشرق العربي. والذين زاروا الحبيب بورقيبة في المقر الجديد المخصص له في مدينة المنستير، موطنه الأصلي، يقولون إنه استعاد عافيته وصحوته العقلية وإنه يكرر على مسامع زواره : «ها هم الفلسطينيون يعودون إلى ما دعوتهم إليه قبل ربع قرن. لقد استقبلوني بالطماطم العفنة في أريحا، وها هم اليوم يرجعون إلى الصواب». أما السيد مارك كرافيتز، رئيس القسم الخارجي، في جريدة ليبراسيون، فيرى أن القيادات الإسرائيلية، سوف تجد في المبادرة الفلسطينية مبررا للقول بأن الهدف ما يزال هو محو الدولة العبرية من الوجود، وهو يقول إن هذه الحجة، رغم أنها تستعمل بنية سيئة، لا تخلو من القوة، ولكن ضعفها، يكمن في أنها مثل كل الذرائع التي استعملت في الشرق الأوسط، خلال أربعين سنة، لا تترك أي حظ للتاريخ المتحرك والمتغير، حتى لكأن الماضي يتحكم وحده في صياغة المستقبل الممكن ويعتبر هذا المعلق الفرنسي، الذي عاش سنوات الحرب الأهلية في بيروت، واحتك بالفلسطينيينواللبنانيين، أن العرب والإسرائيليين، يملكون مواهب وكفاءات لا حدود لها في مجال استغلال الماضي لإغلاق آفاق المستقبل. وقد كان الجمود، حتى الآن، هو الرد الذي اختاره الطرفان، تعبيرا عن عجزهما عن تسوية المشكلة الفلسطينية. فإسرائيل المستندة إلى علاقة وتوازن قوى لصالحها، كانت راضية، رغم ما تقوله برفض العرب للتفاوض معها. والدول العربية كانت تجد مصلحتها في موقف مماثل، عبر تصريحات ديماغوجية ولا مسؤولة بخصوص القضية الفلسطينية. والقضية الفلسطينية كانت تتجسد في تراجيديا المخيمات بالأردنولبنان، مع ما يتخللها من حروب «أخوية» مستمرة في نطاق «نضال التحرير الوطني» خارج فلسطينالمحتلة. الانتفاضة، وهذاما لاحظه كل المعلقين السياسيين الفرنسيين، الانتفاضة المستمرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، منذ سنة كاملة، غيرت كل شيء وحصل التبدل أولا في الجانب الفلسطيني، ومن وجهة النظر الفلسطينية. ولأول مرة، منذ عشرين عاما، لم تعد الساحة الفلسطينية، ذلك الموطن الأسطوري لوطن ضائع، وإنما أصبحت أرضا واقعية يعيش عليها مليون ونصف مليون من الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتغير الموقف أيضا من وجهة النظر الإسرائيلية. ففي هذه المناوشة التي ليست حربا ولا إرهابا، وهما من أشكال المواجهة التي تتفوق فيها إسرائيل، اكتشفت هذه الأخيرة أنها حتى ولو لم تجازف بالخسارة، فهي لا تملك وسائل النصر. وحتى إذا كان إعلان الدولة في الجزائر، مجرد موقف رمزي، فإنه جاء نتيجة للانتفاضة. حقا أن قرار المجلس الوطني -كما يقول هذا المعلق الفرنسي- لا يضبط حدودا للدولة المرتقبة، تماما مثلما ما أن إسرائيل لم تضع لنفسها حدودا، لكن هذه الحدود لم تعد سرا بالنسبة لأحد. وحين قام الجيش الإسرائيلي، بإغلاق الأراضي وتطويقها وعزلها عن العالم فإنه كان يرسم الحدود بأسلوب بليغ جدا أكثر من الخرائط الحربية نفسها. والآن أصبح كل واحد يعرف، أن تلك هي الجغرافية الوحيدة الممكنة، اللهم إلا إذا حصل استنفار وتقاسم الطوباويات الحشرية والقيامية التي يدعو إليها اليمين الإسرائيلي المتطرف الحالم بتنظيم طرد جماعي للفلسطينيين، نحو الضفة الأخرى من الأردن. بالطبع هذا التصور لا يعني وجود الحل السياسي، بل لا يعني وجود الحل النهائي إطلاقا، ولكنه يرسم خطوطه المستقيمة. وذلك ما لاحظه ياسر عرفات في الجزائر. ويجب أن نذكر، حتى ولو كررنا كلامنا، أن منظمة التحرير قبلت مبدئيا، أن قرار تقسيم 1947، لا رجوع فيه. وكان يمكن لها أن تكون أكثر وضوحا، كما يعترف بذلك بعض المقربين منها، في مجالسهم الخاصة وكما يعترف بذلك أغلب القادة الفلسطينيين، أي كان يمكن لها أن تسجل وجود شعبين ومشروعيتين فوق فلسطين الانتداب البريطاني القديمة. صحيح أن المنظمة لم تفعل ذلك ولكنها في رأي المعلق الفرنسي، فتحت الطريق أمام اختيار واقعي لبداية حل مشكلة الشرق الأوسط. ولعلها لا تملك اختيارا آخر، ولعل الإسرائيليين، لا يملكون كثيرا من الاختيارات أيضا. أما رد الفعل الرسمي الفرنسي، على القرارات المتخذة في الجزائر فقد تميز بالحذر وبالغموض. حقا أن فرنسا لم تفاجأ بموافقة المجلس الوطني الفلسطيني على القرار رقم 242. لم تفاجأ لأن السيد بسام أبو شريف المستشار السياسي لياسر عرفات حضر إلى العاصمة الفرنسية قبل يومين من انعقاد الدورة التاسعة عشر، واجتمع مع مسؤولين من وزارة الخارجية وأطلعهم على فحوى المبادرة الفلسطينية قبل إعلانها. ولكن الدوائر الرسمية بقيت متحفظة حتى آخر لحظة وكانت تخشى أن ينشب صراع بين المعتدلين والرافضين يؤدي إلى توتر جديد داخل منظمة التحرير الفلسطينية، لابد أن تكون له انعكاساته السلبية على المنطقة. وعندما صدر القرار الفلسطيني تنفست باريس الصعداء وأعلن ناطق باسم رئاسة الجمهورية في نفس اليوم أن المبادرة الجديدة تشكل خطوة مهمة للغاية، وكان من المنتظر نتيجة لهذا التعليق الصادر عن قصر الإليزي، أن يتدخل فرانسوا ميتران، في اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي الذي ينعقد يوم الأربعاء للتعبير عن الموقف الفرنسي. لكن جلسة الحكومة انفضت من دون أن يصدر عنها أي بيان. وجاء التعبير عن الرأي الفرنسي في الجواب الذي أدلى به وزير الخارجية رولان ديما، ظهر الأربعاء أمام مجلس النواب، ردا على سؤال طرحه عليه أحد النواب. قال رئيس الدبلوماسية الفرنسية : «إن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين لا يثير أية صعوبة من الناحية المبدئية، ولكن ليس من تقاليد فرنسا القانونية أن تعترف بدولة ليست لها أرض محددة. ولابد أن نعطي لقرارات المجلس الوطني الفلسطيني كل الأهمية التي تستحقها. وفرنسا التي دافعت وتدافع باستمرار عن الحقوق المشروعة للشعب اليهودي وللشعب الفلسطيني في الاعتراف والأمن على الأرض ضمن دول تملك حدودا آمنة ومضمونة تعبر عن ارتياحها لقبول منظمة التحرير الفلسطينية بالقرارين رقم 242 و338 اعترافا يلغي إحدى العقبات الكبرى بوجه الحل». ويمكن اعتبار هذا الجواب بمثابة «نعم»، أو «نعم ولكن...» مبدئيا تأتي الدولة الفلسطينية في سياق استمرارية السياسة الفرنسية التي اعترفت دائما بحق الفلسطينيين في تقرير المصير. وقد عبر الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، مجددا عن هذا الموقف في الخطاب الذي ألقاه مؤخرا أثناء الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث طرح في هذه المناسبة المبادرة السوفياتية الفرنسية، أي المؤتمر الدولي لحل مشكلة الشرق الأوسط. وإذن، فليس هناك جديد في الموقف الفرنسي، إلا أنه يبدو أكثر إيجابية الآن تجاه الفلسطينيين. ومع ذلك فإن هذا الموقف يقوم على قاعدتين : قاعدة تقرير المصير والاعتراف بحق الفلسطينيين في إنشاء دولة وطنية، وقاعدة عدم الاعتراف القانوني بهذه الدولة بحجة أن التقاليد الفرنسية لا تسمح بذلك. والواقع أن هذه الحجة «القانونية» إنما تقدم لتغطية موقف سياسي، يأخذ في الاعتبار ضرورة تجنب «القطيعة» مع إسرائيل وضرورة التنسيق مع دول المجموعة الأوربية. وقد بدأت الحكومة الفرنسية بإجراء اتصالات رسمية، مع البلدان الأوربية من أجل تحديد موقف مشترك. وذكر وزير خارجية فرنسا في رده على عضو مجلس النواب : «أن الحكومة ورئيس الجمهورية سيعلنان قريبا عن المبادرات التي تنوي فرنسا إطلاقها استنادا إلى الوضعية الجديدة. ولابد لي من أن أنبه إلى أن الجدل القانوني القائم لن يغير شيئا في العمق». والعمق ينحصر في أنه لا يمكن التوصل إلى حل سلمي للنزاع من دون الحوار والمفاوضات. وفي هذا النطاق سوف تعمل فرنسا على عقد المؤتمر الدولي في أسرع وقت، كما أنها ستبذل جهدها في سبيل كل ما هو مفيد للسلم ولاحترام حقوق الشعوب المعنية.