في هذه الشهادة يحدثنا الدكتور زهير لهنا عن رحلته إلى مدينة بنغازي من أجل المساهمة مع منظمة أطباء بلا حدود في تخفيف المعاناة عن سكان المنطقة الشرقية لليبيا بعد أن تحررت من قبضة النظام الديكتاتوري للعقيد. الدكتور لهنا له تجارب كبيرة في مناطق الحروب وقد اشتغل في مناطق متعددة في أفغنستان ،غزة وإفريقيا . وقد سبق لجريدة الاتحاد الاشتراكي أن نشرت حوارا مطولا معه حول تجربته في المساعدة الإنسانية بأفغانستان . مهمة الفريق الاول الذي بعثت به هذه المنظمة الفرنسية إلى شرق ليبيا تحددت في تقييم وضعية المستشفيات بكل مستشفى الجلاء ،الهواري والمستشفى المركزي لمدينة بنغازي، كما أن الفريق قدم مساعدات طبية قادمة من فرنسا ونظم تكوينا سريعا للأطباء لمواجهة هذه الحالات الاستتنائية . وفي المجمل تم إيصال 8 أطنان من المساعدات الطبية وهناك 12 طنا ستدخل عبر مصر والحدود التونسية. الدكتور لهنا يقدم لنا في هذه الشهادة بعض ما عاينه بليبيا في الأسبوع الأول لاندلاع الثورةوالتي تمكنت من تحرير المنطقة الشرقية ، بما في ذلك المشاهد المرعبة التي خلفتها المعارك بين سكان بنغازي والميلشيات التابعة للقدافي وأبنائه ، معطيات خصنا بها الدكتور لهنا حصريا بعد وصوله إلى شرق ليبيا ، وفي ما يلي نص الشهادة: «تمكن فريقنا ،أطباء بلا حدود، فرع فرنسا وفرع بلجيكا، من الوصول إلى بنغازي بعد يومين من السفر انطلاقا من الحدود المصرية ، وقد تم استقبالنا من طرف شباب مسلحين وفروا لنا الحماية طوال الطريق ، و قاموا بمرافقتنا مباشرة بعد أن دخلنا التراب الليبي إلى مدينة البيضا ومنها إلى بنغازي . كانت هناك حواجز أمنية بمداخل المدن ومخارجها يراقبها شبان مسلحونكان البعض منهم يوزعون الحلويات على القادمين إلى المدينة، تعبيرا عن ابتهاجهم بالتحرر من قبضة القذافي .وقد عاينا صورا للتضامن والإخاء بين الناس، وهي مواقف أشاهدها لأول مرة حول تحرر شعب عربي من قبضة الدكتاتورية. يوم الجمعة كانت الخطب كلها حول دعوة الناس إلى التصرف بمسؤولية حضارية والمحافظة على الأملاك الخاصة والعامة مشددة على أن المس بها ليس من شيم المسلمين. عند وصولنا إلى بنغازي كان السكان يسيرون شؤون مدينتهم بأنفسهم وقد استقبلنا من طرف موظفين سابقين،عسكريين سابقين وشباب وكلهم يحلمون بغد أفضل ، كما فوجئنا بالتنظيم المحكم لهذه المدينة التي يقطنها حوالي مليون نسمة ، رغم عدم توفرها على جهاز الشرطة وهو جهاز لعب دورا سلبيا في مختلف البلدان التي عاشت الربيع العربي لكن هذا الجهاز الذي كان يرهب السكان وينهبهم هرب مع سقوط النظام الليبي. سكان شرق ليبيا يعتبرون أنفسهم حفدة عمر المختار الذي يرمز لتحرر ليبيا من الاستعمار الفاشي الإيطالي. ونحن في طريقنا نحو بنغازي أوقفنا الشبان أمام الجبل الأخضر أحد المناظر الطبيعية الجميلة وقالوا لنا بافتخار هنا أعطى عمر المختار درسا للايطاليين أثناء حرب التحرير . ومعلوم أن شرق ليبيا كان دائما مهدا للثورات في ليبيا ، وبالتالي فليس من قبيل الصدفة أن تكون أول منطقة تتحرر من قبضة النظام بعد أن تمردت عليه. غير أن ثمن هذا التمرد ضد نظام دموي كان غاليا ، وهو ما أبرزته صور الفيديو التي يتوفر عليها عدد من الشبان في هواتفهم النقالة، وهي صور تبلغ من الرعب درجة تجعل من الصعب مشاهدتها ، حيث استعملت الميلشيات التابعة للقذافي قاذفات مضادة للدبابات لضرب وقصف المتظاهرين مما أدى الى تفجير رؤوسهم وصدورهم. بدأ غضب هؤلاء الشبان يوم 17 فبراير ، والقمع الرهيب هو الذي جعل الشباب يكتسب الشجاعة للمواجهة مع نظام القذافي وإطلاق الشرارة التي عمت كل ليبيا . القذافي وبعد يوم جمعة مرعب بفعل التقتيل والتنكيل طلب من أتباعه ، وأغلبهم من البوليس بلباس مدني ، الرقص والغناء بالساحة العمومية وهو ما يعكس درجة الاحتقار التي يكنها هذا الدموي لشعبه . لقد زرت عددا من المستشفيات بالبيضا وبنغازي وما زال يوجد بها عدد كبير من الجرحى بالإضافة إلى الذين استشهدوا ضد الظلم وانعدام الحرية بهذا البلد ، وفي هذا الإطار قرر فريقنا الطبي التوجه نحو طرابلس أيضا من أجل إنقاد الجرحى ، ضحايا المواجهات ، حال ما تسمح بذلك الظروف الأمنية ، وأود أم أذكر أننا قمنا بتوزيع جزء من المساعدات الطبية التي جلبناها معنا وفي نفس الوقت ننتظر وصول طائرة محملة ب8 أطنان من المساعدات الطبية بعثتها أطباء بلا حدود. في المدن الليبية التي زرتها ، التقيت بعدد من الأطباء من الاتحاد العربي للأطباء، وهو تنظيم لأطباء مصريين جاؤوا لمساعدة إخوانهم الليبين ، سبق لي العمل معهم أثناء الاعتداءات الوحشية التي تعرضت لها غزة من طرف القوات الإسرائيلية . كما أن هناك متطوعين يحاولون مساعدة من يحتاجون للغذلاء في إطار روح التضامن التيتعرفها العديد من المدن الليبية . على كل حال أعيش لحظة تاريخية اليوم بليبيا وسوف أقتسم معكم هذه اللحظات التاريخية كلما أتيحت لي الفرصة.