ليست هذه هي المرة الأولى، التي يثار فيها الجدل قويا حول ما يسمى ب»طهارة» و «عفة» رجال الدين، فقد شهدت المجتمعات الديمقراطية هذا النقاش، في إطار الصراع الطويل الذي عرفته مجتمعاتها، من أجل نفض غبار النفاق والهيمنة الإيديولوجية لمختلف مؤسسات الكهنوت، والتي لعبت، تاريخيا، دورا كبيرا في عرقلة تخلص الناس من قيود الجهل والتخلف والخرافة، كما شكلت كذلك سلطة تبرير لسياسات الطبقات الحاكمة. بل إن من أهم الفترات التي عاشتها أوروبا، الرائدة في مجال الفتوحات الديمقراطية، بدأ بالنقد القوي الذي وجه للكنيسة، التي كانت المظلة الإيديولوجية للإقطاع، أي لسلطة تستعبد الأقنان، إلى درجة انها كانت تعطي الحق للسيد بقضاء الليلة الأولى في فراش زوجة القن، كثمن لزواجه. لقد خصص مفكرو وفلاسفة عصر الأنوار، جزءا هاما من كتاباتهم لفضح هذا الدور الذي كانت الكنيسة تلعبه، والتي شكلت فئة من فئات الطبقة الحاكمة، لها ممتلكاتها ومصالحها المادية الخاصة، ونظامها السري، في علاقات جنسية «محرمة»، لكنها كانت سائدة في الأديرة، إلى درجة أن كبار القساوسة أنجبوا أبناءا، من هذه العلاقات، و تم إدماجهم تدريجيا في المجتمع، وتبوؤا مراتب عليا في الكنيسة والجيش والإدارة. الغريب في هذا الوضع أن سلطة التبرير كانت قوية، باسم الدين والطهارة والعفة، إلى درجة أن الطبقات الشعبية، كانت تتقبل وتهضم هذه الحكايات، تحت تأثير مخدر رهيب، هو مزيج من السلطة الدينية والسياسية. لم يكن ممكنا نجاح البناء الديمقراطي في أوروبا، لولا الإنجاز الكبير الذي حققه فلاسفة الأنوار، وعدد من المفكرين والروائيين والشعراء، الذين تخصصوا في نقد الظلامية، والدفاع عن حرية الفكر. كما لم يكن ممكنا ذلك دون الحرب الطويلة للإصلاح الديني، التي قلصت إلى حد كبير سلطة الكنيسة الكاثوليكية. لقد لعبت السلطة الدينية، باستمرار، دورا كبيرا في عرقلة البناء الديمقراطي، مثلما حصل في إسبانيا، حيث كانت الكنيسة حليفة اليمين والديكتاتورية، ولذلك رافقت صيرورة الإنتقال الديمقراطي، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، في هذا البلد، عملية إنفتاح كبيرة، على مستوى حرية الفكر والحريات الفردية، في القنوات والمجلات والكتب والسينما... الصراع ضد طبقة رجال الدين، عرفته كل المجتمعات التي حققت الإنتقال نحو الديمقراطية، فبالإضافة إلى الكتابات الرصينة، سادت كذلك النكت والأمثال والمستملحات حول الكهان والقساوسة والفقهاء، مثل المثل السائد عند المغاربة، «الفقيه اللي تسنينا بركته». إن المشروع المجتمعي الذي يبنى على هيمنة رجال الدين، كان باستمرار إستبداديا ظلاميا، هدفه السيطرة على عقول الناس، بالنفاق والتضليل، ولم يكن أبدا تحريريا، لذلك فعملية فضح الطهارة الكاذبة والعفة المغشوشة، مرحلة ضرورية في صيرورة الفتوحات الديمقراطية.