توقفت التظاهرات لكن الغضب لا يزال يغلي في النفوس في بحر دار عاصمة مقاطعة امهرة في شمال إثيوبيا التي تعمل على تضميد جراحها بعد صدامات غشت الدامية مع قوات الأمن. نظمت حركة الاحتجاج المعارضة للحكومة تظاهرة كبيرة يوم الاحد 7 غشت شهدت صدامات مع قوات الامن قتل خلالها 30 متظاهرا على الأقل، وفق حصيلة نشرتها منظمة العفو الدولية. ولكن جيتاتشو (وهو اسم مستعار) قال لمراسل فرانس برس إن «50 شخصا على الأقل لقوا حتفهم» مشيرا إلى الجثث التي أحصاها في مستشفى بحر دار في ذلك اليوم. ويرتدي الشاب الثلاثيني الأسود حدادا على أخيه أبيبي الذي قتل برصاصتين واحدة في خاصرته والثانية في مؤخرة رأسه خلال التظاهرة التي شارك فيها جيتاتشو كذلك. وقال الشاب وهو يستعرض على هاتفه المحمول صور الضحايا التي التقطها متحدثا عن القوات الخاصة الأثيوبية المرهوبة الجانب والتي يعرف عناصرها من قبعاتهم الحمر أن «الأغازي كانوا على السطوح. بدأوا بإطلاق النار على الحشد في حين كانت الشرطة تلقي الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين». ومثل عدد كبير من المتظاهرين وفي تحد للحكومة وضع أخوه أبيبي على كتفه العلم الإثيوبي بألوانه الأخضر والأصفر والأحمر تتوسطه نجمة إضافتها الجبهة الديموقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا عندما طردت الدكتاتور منغستو من الحكم في 1991. جيتاتشو من بين القلائل الذين وافقوا على الإدلاء بشهادتهم. ففي بحر دار لم تندمل الجراح بعد ويرفض الكثيرون الكلام خوفا من انتقام السلطات. ففي المدينة القائمة على ضفاف بحيرة تانا بالقرب من منابع النيل الأزرق هجر السياح الفنادق ويشكو الإدلاء السياحيون من قلة الزبائن. وقال أحد هؤلاء «إذا قلت أي شيء في المقهى سيصل إلى لجنة الحي - كيبيلي -. لا يمكنك أن تثق لا بجيرانك ولا حتى بأصدقائك». هنا يسود شعور بالخوف. فمنذ التظاهرات اعتقل عدد كبير من الأشخاص. وقال جيتاتشو «أعتقل خمسة من أصدقاء أبيبي عندما جاءوا لحضور دفنه. لا نعرف أين هم». وفي قريته دنقلة جنوب بحر دار، شاهد اندوالم الذي لم يشارك في التظاهرات قوات الأمن تدور على المنازل واحدا واحدا لتوجيه تحذير إلى كل من يفكرون بالتظاهر. وقال اندوالم «حذروا الجميع: لا تخرجوا للتظاهر وإلا ستلقون حتفكم. حافظوا على أبنائكم وعلى حياتكم». لم تعد خدمة الإنترنت متوفرة على الهواتف الجوالة وحجبت مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الناشطون الشباب للحشد. كان الإحباط وراء نشوء حركة الاحتجاج غير المنظمة ضد الائتلاف الذي يحكم إثيوبيا بلا منازع منذ 25 عاما وتحرك الناشطون بدافع مكافحة الفساد وقمع الحريات وشعور الأمهريين الذين يعدون نحو ثلاثين مليونا بالتهميش لصالح أقلية التيغري التي تشكل العمود الفقري للنظام. قال اشينافي إنه شارك في التظاهرات لأنه أراد توجيه رسالة إلى الحكومة التي تسيطر عليها أقلية التيغري والتي تشيد الأسرة الدولية بانجازاتها في مجال التنمية. وأضاف «تم تحقيق تنمية ملموسة، لا يمكن إنكار أنه تم تشييد طرقات ومبان وشبكات الكهرباء ولكن كل أصحاب القرار هم من التيغري إنهم يهيمنون على الاقتصاد وعلى المجتمع. كل الصناعات في إقليم تيغري». ويشغل التيغريون كل المناصب المهمة في قوات الأمن والحكومة وفي كبرى الشركات والمؤسسات العامة. ويعتبر الشباب الأمهري أن قرار السلطات ضم إقليم ولكيت الشمالي إلى إقليم التيغري هو الذي صب الزيت على النار. وانضمت حركة الاحتجاج إلى حركة احتجاج شعب اورومو الذي يتظاهر باستمرار منذ نونبر 2015 ضد مشروع لمصادرة الأراضي تم التخلي عنه. قتل عشرات المتظاهرين في 7 و8 غشت في هذه المنطقة جنوب البلاد. يشكل الاورومو والامهريون معا اكثر من 60% من سكان إثيوبيا البالغ عددهم نحو 90 مليونا. وأثارت الاحتجاجات تساؤلات حول «الفدرالية القومية» وهو نموذج يفترض به ان يؤمن تمثيل مختلف القوميات الإثيوبية والقدرة على ادارة مناطقها بنفسها. يقول مولا واسي المنتمي إلى حزب اغاو الديموقراطي ان «الفدرالية القومية لا تعمل لأنها غير مطبقة بشكل متساو». وتعد أقلية أغاو نحو مليون شخص في مقاطعة امهرة. ويضيف ان «الوضع يزداد توترا وعلى الحكومة واحزاب المعارضة ان تجتمع للتوصل إلى حل» داعيا إلى عقد مؤتمر وطني لاصلاح النظام الاثيوبي. لكن متظاهري بحر دار لا يؤمنون بذلك، ففي اليوم التالي للتظاهرات اعلنت السلطات ان سبعة اشخاص فقط قتلوا في المواجهات ما عمق لديهم الشعور بالغضب والاستياء. وقال اشينافي بغضب «لم يقدموا اي اعتذار عن سقوط ضحايا. كل ما يقولونه انه اذا خرج احد فسيتحمل العواقب. لا ارى ما يدل على تغيير في موقفهم».