كان كافيا تناولها لقرص مهدئ ومنوم حين ناولها إياه أحد الممرضين ،الخميس ما قبل الماضي، لحظة شعورها بألم حاد على مستوى الرأس بعد إجرائها ذات الأسبوع، عملية جراحية بالمستشفى الجامعي ابن رشد كللت ، بحسب إفادة عدد من المقربين منها ، بالنجاح ، أن يدخلها ، وفي لحظة خاطفة كوميض البرق، في غيبوبة تامة لمدة ستة أيام متتالية، كانت الجمعة الماضية، آخر يوم لها فيه مع سرير العناية المركزة بالمستشفى، وآخر يوم لها فيه مع الحياة. لترحل السيدة المسماة قيد حياتها (ر. فاطمة) في عقدها الرابع، إلى دار الخلود دون أن تسعفها اللحظة، فرصة الوداع الأخير، والعناق الأخير لصغارها الثلاثة التي اعتقدت ، مع شعورها بالتعافي أول الأمر، أنها ستمنحهم واحدا واحدا، جرعة إضافية، و لحظات أوسع، من الرعاية والمحبة والإشباع الأمومي ، وأن عمرها الذي لطالما كان يستمد نفسه قويا من هؤلاء الأطفال، سيمتد بها إلى أن تراهم يافعين، بعيدا عن وحشة الفراق وألم اليتم الغائر الجرح أبدا. الزوج المكلوم، الذي كان وقع الصدمة قويا عليه لحظة دخول زوجته في حالة غيبوبة ، اتصل في حينه بالطبيب المشرف على العملية من أجل تدخل طبي عاجل لعله يعيد أم أبنائه إلى وعيها الذي كانت عليه قبل تناولها لتلك « الحبة » . إلا أن الرجل سرعان ما انهار وكاد يسقط حين أخبره الطبيب الجراح بأن ليس بوسعه ، والمرأة في شبه موت سريري، القيام بأي شيء ، مبرزا أن الحالة التي كانت تستلزم التدخل الطبي جراحيا قد تم إنجازها بشكل جيد، وأن كل تدخل ثان يبقى رهينا بمدى قدرة «طب الإنعاش» على إعادة الضحية إلى حالتها الطبيعية أولا، إذ ذاك، يقول الطبيب مخاطبا زوج الضحية، « سنرى ما يمكن عمله من الناحية الطبية طالما أن الوباء قد تم استئصاله من الناحية الجراحية بدليل أن المرأة الضحية كانت وعلى مدى أسبوع ، وهي تخضع للمراقبة الطبية بالمستشفى، في صحة جيدة، ولم تظهر عليها طيلة الأيام تلك، أية أعراض تحمل مظاهر مضاعفات خطيرة على صحتها». مصادر مقربة من زوج المرحومة، أكدت في هذا الشأن، أن الطبيب كان يصرخ جيئة وذهابا ب «أنه لا يمكن لممرض واحد أن يقوم بالإشراف على أربعين مريضا»! جملة كانت كافية لأن تكشف عمق أزمة منظومة الصحة العمومية بمختلف المستشفيات والمراكز الصحية، وتحديدا في الجانب المتعلق منها بالجهاز الشبه طبي، ووتيرة الخصاص المتزايد في لفيفه. لكن صرخة الطبيب تلك، لم «تمح» جراح ذلك الطفل الذي لم يتخط بعد ربيعه العاشر، وهو يرى بعين دامعة وجسم منهار تماما ، ذاك الغطاء الروحي الذي منحه دفئا روحيا خالصا ، يوارى الثرى، ويختفي عنه كغلالة الشمس لحظة غروب، لكنه لن «يشرق» على خلاف الشمس هذه المرة.