لم أكن عزيزتي نبيلة منيب لأخصص إطلالتي الأسبوعية هذه لتوجيه الخطاب لك ، لولا ذلك السؤال الذي علق بذهني يوم انتبهت إلى اسمك الذي أصبح يطل علينا بمناسبة وبدونها من مختلف المواقع الإخبارية. ولا أخفيك سرا عزيزتي ، أني سررت أن أجد امرأة تحسب اسمها على تاريخ كنت فيه تلميذة محظوظة محاطة بنخبة اليسار الذي سجنت وماتت رموزه من أجل الفكرة والقضية. أقصد عزيزتي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وجريدة أنوال التي كانت الأقلام فيها تهتز ثورة وألما ومواجهة عندما تمر رياح عابرة أو قاهرة بجانب إسم محسوب على اليسار من المعتدل فيه إلى أقصى المتطرف. سامحيني عزيزتي إن قلت لك إني بدأت أفتش في ذاكرتي- بالتاريخ الذي تدونين في سيرتك الذاتية أنك آتية منه- عندما سمحت لنفسك أن تهيني القيادة التي أتشرف اليوم بالتواجد فيها ، وأن تنعتي حزبا تاريخيا بالتبعية، ضد كل أدبيات السياسة التي نخوض معركة مأسستها في مواجهة لغات الوهم والتنويم التي تعمل الأطراف الرجعية على ترسيخها في أذهان المضللين من شعبنا المقهور والتابع بالفعل في إطار منظومة مجتمعية نرفع التحدي فيها لبناء مغرب مختلف متوجه للمستقبل بدستور الأمل في البناء المجتمعي الحداثي الديمقراطي. وهي الذاكرة التي لم أجدك فيها إلى جانب مناضلات قابعات في ذهني هؤلاء اللواتي وشمن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بالفعل المسطر في الأرشيف الذي شتته فعل الانشقاق المرير بين رفاق عذبتهم الفكرة واحتوتهم القضية، حد لانتحار على الجسر المؤدي إلى الوحدة. فتشت عن محياك سامحيني لم أجدك، وجدت لطيفة الجبابدي ، ورحمة نظيف ، وجميلة السيوري، و لطيفة البوحسيني،و نزيهة مفتاح ،و نزهة العلوي، وعائشة وفاطمة لخماس، وعائشة الحجامي ، والبتول نجاجي ، وحرية شريف حوات ، ومليكة مفضال ، وسعاد مخلص، و خديجة امتي ،فاطمة الزهراء طموح ،و زهور العلوي ،و فاطمة المغناوي ، وعائشة الجندي، وسعيدة الوادي، و الرفيقة التالية، ونجاة السالمي من المنطقة الشرقية، وترددت على فضائنا زوجة الرفيق بولامي سابقا مليكة طيطان ، ومن المثقفات ربيعة ريحان ولطيفة باقة ، وأخريات كن في كافة الجهات يناضلن في اتحاد العمل النسائي ومنه في منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، هؤلاء المؤمنات بالحزب الاشتراكي الكبير تحت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، حزب الشهداء الذين تختاري أن تضعي صور بعضهم خلف تجمعاتك ، بينما يختار الاتحاد الاشتراكي اليوم أن يضع كافة أسماء شهدائه في جدارية أمام مقره المركزي بالرباط . سامحيني أيتها الرفيقة التي تربط اسمها بشيخنا الفاضل المناضل الكبير بنسعيد أيت يدر، وهذا حقك في المنحى الذي تريدينه ، وحقنا جميعا في التاريخ المشترك، ولكن عزيزتي نحن كنا مع أيت يدر في جميع أمكنة الفعل السياسي من موقعنا الإعلامي، ومن موقع المكان الذي كانت تتم فيه مختلف الاجتماعات التوجيهية وبالضبط في القاعة الصغيرة التي كانت تسمى قسما ثقافيا تشرفت بإدارته تحت إشراف أساتذة أجلاء منهم طالع السعود الاطلسي ورشيد جبوج و سعيد يقطين وحسن البحراوي ، والراحل محمد القاسمي، ونور الدين الصايل ونور الدين أفاية وعبد الجليل طليمات. واذكر في هذا الصدد محمد العلمي وشيشاح وابراهيم ياسين وعبد السلام المؤذن والراحل حسين كوار وغيرهم . بنفس المكان، لم أرك وبمقر الحزب بالرباط والدار البيضاء وبدار الخطابي لم أرك، فقط كنت أرى هؤلاء النساء اللواتي اضطررن أن يرضعن أبناءهن بيد تصوب ثديا إلى فاه الرضيع، ويد تخط برنامج العمل على الورق في فضاء أنوال المحاط بعيون من ينتظرون الإشارة لاعتقال هؤلاء الصامدين والصامدات. ولم تكوني عزيزتي نبيلة في هذا الوضع لتسمعي ما تردد على مسامع هؤلاء من رفاق داخل المقر يأمرن فيه النساء بارتداء ما أمكن من ألبسة داخلية تحسبا لاعتقالات طارئة. سامحيني عزيزتي ، يؤلمني جدا ألا أجدك في ذاكرتي، ربما كنت في الظل الذي لم أصله، لكني أصدقك القول أن رفيق حياتي فتش هو الآخر في جميع الخلايا ولم يجدك، كنت أتمنى أن تكوني ضمن عضوات الخلية التي كان يشرف عليها ، لأطلع فقط بفضول إعلامي صرف، لمعرفة امرأة تملك معلومات عن «يسار ظل واقفا وآخر سقط»، يسار صالح وآخر مستعمل، يسار تريد أن تتحالف معه وآخر ترفضه، امرأة تملك الجرأة بفعل القول فقط، ليس في جعبتها إلا ذلك التاريخ الذي تلبسه صدفة أو عشقا، وهو التاريخ الذي ينبغي قراءته أمام الرأي العام بكافة الصواب الذي لم ننل منه شكرا وكافة الأخطاء التي علقت بعضنا من أمعائهم وأمعائهن. ولهذا عزيزتي نبيلة أشفق على الشيخ الذي جعلت منه ظلك، توظفينه ساعة الاقتراب من وهمك الذي دفعك إلى الانتحار في بالون نرجسية، أسأل اليوم وأنا مازلت أفتش عنك في أوراق الرفاق ، من أين أتيت بها ، أقول هذا وأنا أعتز بك امرأة مغربية، لها طموح في أن تكون في صفوف أولى، ولو بالمنهجية الخاطئة، لكن تمنيت أن تحبي التاريخ الذي تريدين الانتساب إليه في غفلة من الزمن، وأن تعملي أولا على معرفة شخوصه الحقيقيين من رفاق ورفيقات، فضلوا أن يظلوا أوفياء لفكرة تجميع اليسار رغم كل الجروح التي لا يتحملها اليسار وحده بل تتحملها بكاملها بكامله اختارت في لحظات الزمن السيء أن تبني مجتمعا رجعيا ضد التحرر الفعلي من إرث ثقيل. فاستيقظي عزيزتي من وهم الصعود على حساب ضرب رموز و قيم اليسار ، كما ضرب أبجديات العمل السياسي الداعم للقيم المجتمعية والديمقراطية.