عهد الملك الحسن الثاني كان عهد ملكية سلطوية تتزاوج فيها صورة الحاكم مع صورة الإمام، إنه أمير المؤمنين الذي يترسخ في قلب الزمن كسلطة دينية في سياق تنتقد فيه الحركات الإسلامية الناشئة النظام وتدعو إلى قيام »خلافة ثانية«. أما الأحزاب السياسية العلمانية التي كانت في السابق ترفض هذا الجانب من السلطة، وترى فيه علامة على »استبداد قروسطي» بدأت تعترف به بل وتدافع عنه بقوة على أمل ضمان تمدين الحقل السياسي الحزبي. إن هيمنة الملك على الحقل الديني والذي يتوخى عزل القوى السياسية الإسلامية المعارضة يقود بالضرورة إلى تثبيت وتقوية وضع الملك كأمير للمؤمنين. ملك وأمير المؤمنين هما وجهان للملك كما أعاد بناءها الملك الحسن الثاني في مغرب ما بعد الاستعمار، وتتجسد إن رمزيا على مستوى اللباس من خلال ارتداء البزة العسكرية أو اللباس الأوربي من جهة، والجلباب والطربوش (الفاسي) من جهة ثانية، وهنا تكمن خصوصية الملكية المغربية. وهذا الكتاب يحاول تتبع نشأة هذه الملكية كما أعاد الملك الحسن الثاني ابتكارها... ومن الجهة الأخرى، كان العرب قبل الإسلام يمارسون وأد البنات، واليونان الذين كانوا يعتبرون المرأة »»مخلوقا فظيعا» والرومان الذين كانوا يعتبرون المرأة «حيوانا بلا روح» والهنود الذين ينظرون للمرأة كأنها الشر، »»فرنسا حيث لا تستطيع المرأة التصرف في مالها إلا بترخيص من الوصي»، بلجيكا حيث لا يمكن للمرأة أن تتوفر على حساب بنكي إلا بترخيص مكتوب من زوجها« «و»المسيحية التي تحمل المرأة مسؤولية الخطأ الأول وتوصي بالزواج من امرأة واحدة للحد من الشر»« و »»الشيوعية التي تجبر الأم على العمل من أجل ضمان قوتها«« في ما يتعلق بالتناقض الثاني، نجد، من جهة، صورة المرأة المسلمة الحرة والمبادرة، وفي الجانب الآخر صورة المرأة المخالفة تماما لمعايير الإسلام، وهنا نحاول أن نظهر أن هناك هوة بين ماهو مكتوب في الإسلام وماهو ممارس من طرف المسلمين اليوم بسبب ابتعادهم عن الإسلام وتقليدهم للغرب. وفي هذا الصدد، يمكن رسم خانتين من الأصناف الأخلاقية: خانة إيجابية وتضم تصرفات ومواقف المرأة المثالية كما حددها الإسلام، بينما الخانة الثانية سلبية، وتضم كل العيوب المرتبطة بصورة المرأة بسبب ابتعادها عن تعاليم الإسلام وتقليدها للغرب، حسب هذه المقررات. في الخانة الأولى، أي التي تهم المرأة في الإسلام نجد المفاهيم التالية: الفضيلة، العفة، الحشمة، الوقار، الستر، الطاعة، اللطف، التدين... كل هذه الفضائل والخصال تتطابق مع ما تقدمه المقررات كنموذج لمكارم الأخلاق التي تجد مصدرها في التشبث بالشريعة، أما الابتعاد عن نمط التصرف وفق هذه الشريعة من جهة، وتقليد النموذج الغربي من جهة أخرى، فهو مصدر الشرور والأخطاء التي تسم النموذج المضاد للمرأة المسلمة والتي تلصق به كل الأخلاق الذميمة التالية: الإلحاد، المتع، الفساد، التهتك، الانحلال، الميوعة، الفتنة، التخريب، الاختلاط، الرذيلة، الخزي، التبرج، الاستخفاف، الانحراف، التفسخ... 2.2 المجتمع الفاضل المنشود للناس المجتمع، كما العائلة ،هو مكان للتعاون، حيث لا يمكن أن تكون فيه صراعات ولا استراتيجيات متعارضة. مفهوم التعاون هذا هو موضوع وصف دقيق وعميق في المقررات التي تربطه دائما بمفاهيم المصلحة العامة والإخوة والإحسان والمساعدة والمحبة والمودة والتضامن والتكافل والإيثار ،والأهمية التي توليها المقررات لمفهوم الصدقة ولمؤسسة الوقف أو الحبس في الإسلام، هي بطبيعة الحال جزء من هذا التصور للمجتمع حيث مقتضيات الأخلاق الدينية تحجب وتطغى على التناقضات الموضوعية للواقع الاجتماعي. هذه الطريقة في تقديم العلاقات الاجتماعية لا يجب أن تفاجئ لكون خطاب المقررات يعيد فقط إنتاج التمثل المندمج والمثالي للمجتمع الإسلامي كما بناه المنطق التبريري الإسلامي من خلال قراءته للنصوص المكتوبة، الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تركز على فضائل تضامن الأمة الموجودة بكثرة، ويلجأ إليها بكثافة مؤلفو هذه المقررات: «-وتعاونوا على البر والتقوى». «-المؤمنون رجالا ونساء، إخوان لبعضهم البعض». «- المؤمنون إخوة» «-المؤمنون.. كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». «-لن يصبح أحدكم مؤمنا حقيقيا ما لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه.» «-المسلم للمسلم، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا«...».