"تقاسمنا اليوم لحظة تآلفت فيها النفوس من خلال حوار ثقافي.. لحظة في يوم أو يوم في لحظة. تداخلت الرؤى وتمازجت، ما يدل على جهد فكري بذله المشاركون من خلال الجلسات والكلمات، ما جعلني أسمع وأرى جوانب كانت محجوبة عني في كتاباتي وأعمالي» ... بهذه الشهادة عبر الشاعر محمد بنيس عن شكره للشعراء والمثقفين والسياسيين والفنانين الذين حضروا يوم الثلاثاء لتكريمه، والاحتفاء بمنجزه الشعري ومشروعه الثقافي ضمن محور خيمة الإبداع التي تقام في إطار فعاليات موسم أصيلا الثقافي الثامن والثلاثين، وهي الاحتفالية التي انطلقت، منذ الصباح، بندوة تناولت التجربة الشعرية والنقدية للشاعر والناقد محمد بنيس، والتي تساوقت وتباينت باختلاف زوايا التناول. حيث أشار في مستهلها الأستاذ محمد بنعيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ورئيس بلدية المدينة، إلى أن محمد بنيس تشهد له إنتاجاته المتميزة ذات النفس التجديدي، والتي ساهمت إلى حد كبير في التعريف بالثقافة المغربية، مؤكدا على روح الحوار والاحترام التي جمعتهما رغم الاختلاف الفكري، مضيفا أن النخب المغربية وصلت إلى مستوى من النضج الفكري والأخلاقي وأصبحت تضع خطا فاصلا بين مواقف المثقف وبين العلاقات الإنسانية باعتبارها أبلغ ترجمة لحق الاختلاف. شهادة الشاعر البحريني قاسم حداد في حق المحتفى به تموجت بين الشخصي والموضوعي، مركزة على المشروع الثقافي لبنيس كتجربة تقع في قلب سؤال الشعر العربي المعاصر، وهي التجربة التي أصبح ينظر إليها بكثير من التقدير والاحترام باعتبارها تجربة خلخلت المفاهيم الجاهزة داخل المشهد الأدبي الذي يضج بالتشابه حد التطابق ، حيث بنى تجربته على الاختلاف، وهذا سر قوتها. اللقاء، قدمت خلاله كذلك شهادات للشاعر والصحفي اللبناني عبده وازن، والشاعر الياباني ورئيس الجمعية العالمية لشعر الهايكو بانيا نات سويشي، والذي قدم قراءة في تجربة قصيدة الهايكو عند بنيس التي تجمع بين الفرح والشجن وتشهد على واقع ذي حمولات عنيفة، في حين اعتبر الشاعر برنار نويل في كلمة ألقاها نيابة عنه فيليب بيرا، أن الموسيقى الشعرية عند بنيس قادرة على شد انتباه المتلقي الذي يصبح معها في غنى عن طرح سؤال الفهم، معتبرا أنه مثل محمود درويش وأدونيس، أسس لتجربة متميزة على مستوى اللغة. في الوقت الذي اعتبر الشاعر الألماني يواخيم سارتوريوس أن تجربة بنيس هي تجربة في مواجهة أعالي اللغة وقد نجح فيها، داعيا الشعراء الشباب بألمانيا إلى الاستفادة من شعر محمد بنيس، مؤكدا على التقارب الكبير بين شعره وتجارب الرومانسيين الألمان مثل نوفاليس وهلدرلين وهيدغر. المداخلات المتنوعة من حيث زوايا المقاربة، والتي انطلقت صباحا بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية، لامست أهم لبنات المشروع الثقافي للمحتفى به، فمن ترجمة الشعر العربي إلى التركية كانت شهادة الدكتور محمد حقي صوتشين من جامعة غازي بأنقرة، والتي سلطت الضوء على كتاب بنيس «كتاب الحب» باعتبار أنه كتاب تتداخل فيه الكتابة وإعادة الكتابة أو الإبداع وإعادة الإبداع حيث إن قصائده تحيلك إلى قصائد سابقة أو معاصرة، فيه الشعر والنثر والنثر الشعري ما يجعله كتابا متعددا. د. حورية الخمليشي، اعتبرت أن التجربة الشعرية لبنيس مغامرة وبحث متجدد في محاورة ثقافات مختلفة في العالم، حيث أتاح للقارئ العربي عن طريق ترجماته فرصة اقتحام الثقافة الكونية بعد أن سما تقول» بالقصيدة المغربية والعربية إلى البذخ الشعري» خصوصا في ترجمته لرمية نرد ستيفان ملارميه التي اعتبرتها مشروعا يدخل ضمن المشروع العام للثقافة العربية وانفتاحها على الثقافة الأوربية. الشاعر محجوب الشوني اختار الانطلاق في قراءة المنجز الشعري لبنيس مما أسماه معنى الصدمة الشعرية أو البحث عن معنى اللاطمأنينة، مستكنها أسرار هذه الصدمة، ومؤكدا أن بنيس أدرك مبكرا أن سؤال الشعر في المغرب يحتاج إلى إعادة بناء بما يقتضيه الزمن المعرفي من تعيين للحدود وترتيب للمعاني بين الإنسان واللغة، ولهذا انخرط في تأسيس تجربة تضمن للشعر المغربي مكانا ضمن الأفق الشعري العالمي، وهو ما أنضج تجربة شعرية وثقافية تظل رهاناتها مختبر بحوث مستقبلية لفهمها وتأويلها بتأن. وقد اختتم اليوم الاحتفائي بقراءات شعرية لمحمد بنيس وبترجمات لبعض قصائده تلاها شعراء من اليابان، إيطاليا، اسبانيا و بريطانيا.