في إطار مواصلة تنفيذ برنامجه الإشعاعي والتكويني، نظم الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل ندوة في موضوع : «المؤهلات الحضارية والثقافية لفاس كرافعة أساسية للاستثمار»ساهم في تأطيرها كل من- الأستاذ المصطفى الهاشمي عن وكالة التنمية و رد الاعتبار لمدينة فاس.- الأستاذ بلمرابط يوسف رئيس قسم تنمية الشراكة والتعاون بالمركز الجهوي للاستثمار .- الأستاذ فيصل الفاسي الفهري مهندس دولة بالمديرية الجهوية للصناعة التقليدية.- الأستاذ أحمد هاشمي رئيس قسم المراقبة والتأطير بالمديرية الجهوية للسياح- الأستاذة سلمى الضاوي مهندسة معمارية بالمديرية الجهوية للثقافة.- الأستاذ المهدي بلخياط رئيس لجنة التشغيل والعلاقات الاجتماعية بالإتحاد العام لمقاولات المغرب فاستازة. افتتحت الندوة بكلمة عبد الرحيم الرماح كاتب الاتحاد المحلي، والتي استهلها بتوجيه الشكر إلى الحاضرين والمشاركين في تأطيرها ، وبعد ذلك انتقل ليوضح موضوع الندوة والأسباب الداعية إلى تنظيمها، حيث أشار في تدخله إلى أنها تدخل في إطار البرنامج السنوي الذي وضعه الاتحاد المحلي للفيدرالية الديمقراطية للشغل بفاس، وهي الندوة السادسة من نوعها التي نظمت هذه السنة، وقد سبقتها في شهر ماي ندوة حول موضوع : «مفتش الشغل .. الأدوار والتحديات»والتي نظمت بمناسبة مرور 90 سنة على إحداث جهاز تفتيش الشغل بالمغرب، وقبلها في شهر أبريل تم تنظيم ندوة حول موضوع «القضية الوطنية والتحديات الراهنة «والتي تزامنت مع التصريحات المعادية للمغرب من طرف الأمين العام للأمم المتحدة. وبعد ذلك انتقل الرماح إلى موضوع ندوة «المؤهلات الحضارية والثقافية لفاس كرافعة أساسية للاستثمار»، وأكد أن الاهتمام بهذا الموضوع يأتي في إطار التفاعل مع كل القضايا حسب أهميتها خصوصا بعد وقوف جلالة الملك على نهاية أشغال الترميم وإعادة الاعتبار للموروث العمراني والتاريخي بالمدينة العتيقة، بالعودة إلى ماضي مدينة فاس وتاريخها باعتبارها العاصمة العلمية للمملكة المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي والإنساني سنة 1981 من طرف اليونيسكو والتي تتوفر على أكبر عدد من المآثر والمواقع التاريخية المصنفة 39 بناية وموقعا، وتأتي بعدها مدينة مراكش ب24 موقعا وبناية وبعدها تأتي باقي المدن المغربية العتيقة بتفاوت بينها، وقد لعب هذا الموروث دورا أساسيا في تطور وتقدم هذه المدينة التي ظلت تلعب دورا أساسيا في كافة المجالات بما فيها مجال الصناعة التقليدية التي عرفت توسعا وتقدما كبيرا، حيث أصبحت تتوفر على أحياء صناعية متخصصة في مختلف المهن والمنتوجات مثل الصفارين والصباغين والفخارين والنجارين والشرابليين والطرافين ودور الدبغ شوارة وسيدي موسى وعين أزليتن وغيرها حسب نوعية المنتوجات، كما أنها أصبحت تتوفر على أسواق متخصصة مثل سوق الحايك وسوق التليس وسوق السلهام وغيرها... كما أن الصناعة العصرية ولدت من رحمها كما هو الشأن بالنسبة لصناعات النسيج والجلد والصناعات الغذائية وغيرها، كما أن الموقع الجغرافي لمدينة فاس وما تزخر به من مؤهلات طبيعية وسياحية مثل سيدي احرازم ومولاي يعقوب وقربها من مدينتي إيموزار وإيفران ومناطق صفرو وبولمان .كما أن التقسيم الجديد لجهة فاسمكناس سيشكل وحدة متكاملة فيما بينها. «إن وضعية فاس تعنينا كنقابة من موقعنا كقوة اقتراحية كما أنها تعني كل الفاعلين من مختلف المواقع بمن فيهم :- السلطات على كافة مستوياتها.- القطاعات الوزارية.- المجالس المنتخبة.- الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين والمهنيين والمثقفين وكل هيئات المجتمع المدني.ومن هنا تأتي أهمية موضوع تنظيم هذه الندوة ، لكوننا نؤمن بأن المؤهلات الحضارية والثقافية لفاس تعتبر أقوى رافعة للاستثمار مثل ما حصل في المراحل الماضية عبر تاريخها الذي يمتد إلى 12 قرنا، وهو ما يستوجب تكامل كافة الجهود حتى تظل مدينة فاس تلعب دورا أساسيا في مجال الاستثمار وتوفير الشغل وحتى تستمر في تقوية وتمنيع الاقتصاد الوطني». بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ المصطفى الهاشمي عن وكالة التنمية و رد الاعتبار لمدينة فاس الذي قدم عرضا حول : «النسيج التاريخي لفاس ووضعية البناء المهدد بالانهيار» ثم تناولت الكلمة الأستاذة سلمى الضاوي مهندسة معمارية بالمديرية الجهوية للثقافة والتي قدمت عرضا حول التراث الثقافي والتنمية جاء فيه : «يعتبر التراث الثقافي ذاكرة جماعية للشعوب ولا ينفك أن يترجم الهوية والتنوع الحضاري للأمم، فهو سجل رمزي يحفظ المعطيات التاريخية ويخلد التطور الإنساني لحقب وأزمنة متفاوتة، ومن هذا المنطلق جاءت الحاجة إلى الحفاظ عليه وصونه ليس فقط للأجيال الحاضرة، وإنما مراعاة لحقوق الأجيال المقبلة، وهو ما سجلته أدبيات القانون الدولي العام الحديث في إطار مفهوم التراث المشترك للإنسانية. ويعد المغرب إحدى الدول ذات الغنى الثقافي بمكونات تراثه المتنوع والممتد عبر الزمن والمتمثل في العديد من الشواهد التاريخية والأثرية، هذا إضافة إلى ما يشهده من تسجيل وتوثيق على المستوى العالمي من خلال سجلات التراث المسجلة لدى اليونسكو ضمن التراث العالمي المادي وغير المادي والوثائقي. هذا الغنى الذي ميز بلادنا أصبح في السنوات الأخيرة موضوع حديث لا فقط حول صيانته وترميمه، وإنما جعله أداة من أدوات التنمية المحلية والبشرية بأنواعها. باعتبارها العجلة المساهمة في تحقيق العائد المادي لاستمرارية عطاء الشعوب وحياتها. فالتراث الثقافي الذي تزخر به الكثير من المجتمعات بتنوعه وثرائه المادي وغير المادي، والذي نسعى لتحقيق التنمية المستدامة من خلاله في خططنا وبرامجنا الاستراتيجية، قد يجعله أحد أهم مبادئ التنمية المستدامة، وهذا الأمر لن يتأتى إلا من خلال إيجاد رؤية متكاملة لا تعنى بحمايته وتوثيقه وتصنيفه وترميمه وتدوينه فحسب، بل تمتد لأعمق من ذلك من خلال تهيئته و تأهيله وصياغته في قوالب تناسب متطلبات العصر، مما يؤدي إلى إبراز قيمته التاريخية والثقافية، وإظهار غناها وتنوعها وجمالها ورد الاعتبار لمكوناته الحضارية بما يفرض توظيفه في الخطط والاستراتيجيات العامة للتنمية المستدامة. لم يعد الجدل اليوم قائما حول مدى الأهمية القصوى التي يشكلها الموروث الثقافي الإنساني في تحقيق مجموعة من الأهداف المتعددة التنموية، فالتراث الثقافي اليوم أصبح من المرتكزات الاقتصادية المهمة في العديد من الدول التي انخرطت في تجربة تأهيل تراثها واستغلاله في تحسين اقتصادها والرفع من مداخيلها وتنشيط سياحتها، مثلما هو الحال في العديد من الدول الأوربية التي جعلت من تراثها الثقافي أساسا قويا لبناء اقتصاد متميز خلق رواجا تجاريا بداخلها نذكر منها فرنسا ، إسبانيا و إيطاليا. فلا يمكن لمجتمع أن يزدهر ويحقق تنمية في غياب الثقافة، لكونها تنطوي على استجابات للكثير من التحديات التي تواجه المجتمعات في الوقت الحاضر، وإدراك الصلة بين الثقافة والتنمية إنما يؤكد على الأهمية الحاسمة للتراث الثقافي وأشكال التعبير الثقافي ونظم المعرفة التي تعطي مغزى لشتى المجتمعات و وسيلة لتقدمه. ومن خلال تجارب دول رائدة في هذا التوجه التنموي للتراث الثقافي سعت بلادنا من خلال مؤسساتها الوصية على التراث الثقافي بأصنافه والجماعات الترابية والمجتمع المدني، إلى الانخراط في عملية جعل التراث مكونا أساسيا في سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعداد التراب الوطني. يعتبر الواقع الجغرافي والتاريخي والموروث الثقافي لمدينة فاس معطيات لا يمكن تجاوزها وينبغي أخذها بعين الاعتبار في أي إستراتيجية تنموية تهم جلب الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ، وبالتالي الرفع من مستوى الناتج الداخلي الخام للبلاد ، وذلك ان مدينة فأس من أكثر المدن العربية حفاظا على التراث والأصالة .وقد تحولت فاس القديمة مع مرور الزمن الى قلب نابض بالتراث المغربي الغني والمتنوع ،إذ تنتشر كل أطياف الصناعات التقليدية حيث كرست إحياء بكاملها لصناعة الجلد وتحتضن أخرى نقش الأخشاب وأخرى غيرها لصناعات النحاسيات ، بينما تحتكر صناعة السجاد الحصة الأكبر . هذا الإرث الثقافي الضخم يستدعي وضع استراتيجية تسويق ملائمة للمدينة وارثها الثقافي ،وتسويق مجالاتها المتعددة وترويج العرض الذي توفره الفضاءات والمواقع الأثرية لمدينة فاس ، وذلك لاستهداف المستثمرين المحليين والخارجيين ،خصوصا وان اتفاقية حماية ودعم التنوع الثقافي تنص على أن إدماج الثقافة في سياسات التنمية على كافة المستويات يمثل هدفا يجب متابعته من اجل خلق شروط للاستثمارات، وبالتالي التنمية المستدامة ولتصحيح تدهور الحالة التنافسية لمدينة فاس من اجل استقطاب رؤوس الأموال لانجاز المشاريع والاستثمارات الكبرى اللازمة من الضروري الرفع من جاذبية المدينة. وهي ترمي بالأساس إلى تحديد عرض مجالي واضح ومنسجم ،والى تطوير صورة ايجابية عن المدينة على الصعيدين الوطني والدولي ، وإظهار المزايا والخاصيات والسلوك الجيد ،وكذلك ربط علاقات شراكة وتوأمة ،وفي هذا الاتجاه فإن تصريح السياسة العامة يرتكز على إدارة الحكومة في وضع سياسة تعاقدية بين الدولة والجهة لتجعل من هذه الأخيرة أداة فعالة لتمويل وإعمال المشاريع المندمجة للتهيئة وللتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة والهدف المتوخى هو إنعاش الأنشطة المدرة للدخل عبر استغلال المؤهلات الاقتصادية والبشرية والطبيعية التي تميز مدينة فاس وغيرها من المدن . هذا الورش الاقتصادي والتنموي يستدعي تكثيف استعمال التكنولوجيات الجديدة للتواصل ولتجاوز العزلة التي يمكن أن تلحق المدينة ومحيطها ،وتسهيل الولوج إلى المعلومة والاتصال بالمستثمرين .ذلك أن السياحة تعتبر احد محركات النمو الاقتصادي بالمدينة والتي يبشر مستقبلها بديناميكية قوية للتنمية، إذ تثير اهتمام المزيد من المستثمرين المغاربة والأجانب . حيث تشير دراسات المنظمات الدولية إلى أن الحقل السياحي أصبح من اكبر الصناعات المنتجة والمدرة للدخل في العالم، فالجهات أو المجالات التي تتوافر فيها الآثار والمواقع الأثرية تتمتع بايجابيات إضافية تمكنها من استقطاب المزيد من الاستثمارات السياحية وهذا ما ينطبق على مدينة فاس التي تتوفر على رصيد غني من هذه المواقع. فالتراث العمراني يعد وعاءا لمعظم الأنشطة السياحية الثقافية كجزء من القطاع السياحي بشكل عام، إذ يعتبر أهم نشاط داخل قطاع الخدمات الذي يشكل نحو 37 في المائة من الاقتصاد المغربي بعد الفلاحة ،40 والصناعة 21 على مستوى توفير مناصب الشغل واستقطاب ما يناهز 10.03 مليون سائح سنة 2014 . لا يمكن أن نتحدث عن الجانب السياحي بمفصل عن قطاع يرتبط بالصناعة التقليدية، وهو الحرف الفنية، والتي تعتبر مدينة فاس معقلا لها إلى جانب مدن مغربية أخرى مراكش مثلا ، له أهمية اقتصادية بالغة حيث يشغل القطاع ما يناهز 2 مليون شخص . وختام القول.. ليكون المغرب منافسا قويا على المستوى الدولي والعالمي، لابد أن يعتمد استراتيجية ومقاربة تناسقية تشاركية وليست قطاعية ،وان يختار جيدا القيم الرمزية والمادية التي سيعرضها وينافس بها في سوق القيم العالمي حتى يتسنى له ترسيخ قدمه بشكل جيد وثابت وجلب استثمارات اكبر» .