ميشيل روكار الاب الروحي «لليسار الثاني» ترك اتباعه ايتاما دون ان يتمكن من ربح مقاليد السلطة الايديولوجية بالحزب الاشتراكي الفرنسي، وفي اخر تصريحاته اعتبر ان «الحزب الاشتراكي مازال قديما وغير قادر على الانفصال عن الايديولوجية الماركسية من اجل الإصلاح. وحول صعوبات التي تعرفها فرنسا حول اصلاح قانون الشغل «الخمري» قال ان فرنسا لا يمكن اصلاحها وهذا وضع يستمر مند 150 سنة وليس جديدا.» في اخر تصريح لمجلة النوفيل اوبس. بمناسبة هذا الرحيل حيا الرئيس الفرنسي احد كبار وجوه الجمهورية واليسار بفرنسا. كان رئيس الحكومة السابق(1988و1991) من ابرز الوجوه السياسية بفرنسا ومن اكبر المدافعين عن بناء الاتحاد الاوربي.ولم يخفي تأييده لخروج بريطانيا من الاتحاد «بريكسيت» التي كان يعتبرها عرقلة في وجه هذا البناء وتحققت امنيته بخروج بريطانيا من المنطومة الاوربية. وهي تصريحات ادلى بها اثناء الحلمة على الاستفتاء ببريطانيا. وتميزت حقبته في السلطة بالعديد من اصلاحات الهامة اهما «الاصلاح الاجتماعي «لدخل الادني للاندماج». لكنه لم يتمكن من دخول قصر الاليزي الذي دخل اليه غريمه ومنافسه فرنسوا ميتران. كان ميشيل روكار يحلم بيسار جديد بفرنسا وبإصلاح الحزب الاشتراكي،وهو الحلم الذي لم يتحقق ولم يتمكن من انجاز افكاره رغم ان العديد من اتباعه يوجدون اليوم على راس الحكم بفرنسا منهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند، رئيس الوزراء مانييل فالس ووزير الاقتصاد مانييل ماكرون وعدد كبير من الاشتراكيين الفرنسيين يعتبرون انفسهم مقربين من هذه المدرسة لليسار الفرنسي. وكان روكار يعتبر نفسه «ديموقراطي اجتماعي ومنفتح على الحوار» وممثلا لليسار الجدد الاصلاحي، رغم «اكراهات الاقتصاد المعولم» دون التخلي عن «الطموحات ألاجتماعية وكان من اول رجال اليسار الذي يأخذ بعين الاعتبار «الصرامة المالية». التعريف بميشال روكار من خلال مقتطفات من كتابه السيرة «لو عرف اليسار» الذي نشره سنة 2010. وقد قمت بترجمة اجزاء مهمة منه. ميشيل روكار يحكي التحاقه باليسار الفرنسي مشيل روكار كان أهم منافس لفرنسوا ميتران ومؤسس وزعيم اليسار الثاني وله حوالي 60 سنة من المسار النضالي .كما كان وزيرا عدة مرات ووزيرا أولا. لكنه لم يتوفق في زعامة الاشتراكيين وقيادتهم في الانتخابات الرئاسية لسنة 1995 . في كتابه «لو عرف اليسار» يحكي الصراع المرير الذي كان له مع ميتران وتياره خلال ثلاثة عقود تقريبا . هذه التيارات التي كانت تختلف أحيانا بشكل جذري رغم انها بعد مؤتمر ايبناي لسنة 1971 شكلت حزبا اشتراكيا واحدا، هذا المؤتمر التأسيسي الذي لم يلتحق به ميشيل روكار. في هذا الكتاب يتحدث من وجهة نظره عن هذه الفترة، في حوار مع جورج مارك بنحمو أحد الصحفيين والكتاب المقربين من فرنسوا ميتران نشر بدار النشر روبير لا فون سنة 2010. في بداية هذا الكتاب يحكي كيف التحق بالاشتراكية واليسار وهو الذي ترعرع في عائلة بروتيستانتية وتربية دينية. واتخذ مسارا مخالفا لما كان ينتظره والده الذي غضب منه لما اختار العلوم السياسية بدل العلوم الحقة خصوصا أن الاب كان باحثا وفي حوزته العديد من الاكتشافات وكان يرغب ان يستمر ابنه في هذا المجال. واثناء مسؤولياته في المنظمات الشبابية عمل على تقريب الكاتولكييين من اليساريين. في هذه الفترة يتحدث عن لقائه بجاك شيراك الذي كان طالبا ويعتبر ميشيل روكار ليس يساريا بما يكفي في حين نعرف اليوم مسار وتطورات التي حصلت لكل واحد منهما . وبعد ان أخذ كل واحد مساره سيلتقيان سنة 1988 في حفل تسليم السلط ، حيث يغادر شيراك السلطة ويسلمها الى ميشيل روكار كوزير أول لرئيس فرنسوا ميتران ونصح زميله السابق في الدراسة بالقول « إحترس من ميتران فعندما يبتسم لك فان سكينه يكون أقرب لك.» وخذ حذرك منه فهو دائما لا يجيب بلا او بنعم ، و ليس هناك جدوى من معرفة ما يريد.» من لقاءات الحياة الجامعية والحركة الطلابية لروكار جون ماري لوبين رئيس الجبهة العنصرية الذي كان يسيطر على الحركة الطلابية من خلال الترهيب وتزوير الانتخابات حسب روكار. يتطرق ايضا الوزير الاول السابق الى علاقة الاشتراكيين بالنقابة والعمل النقابي فعند أغلب الاشتراكيين الاوربيين هناك نوع من التوافق والتمازج بين العمل النقابي والسياسي بل أغلب الزعماء السياسيين يمرون بالعمل النقابي في ألمانيا وانجلترا والبلدان الاسكندنافية وغياب ذلك عند الاشتراكيين الفرنسيين . وكيف ان حوالي تلث المسؤولين الالمانيين بالحزب الاشتراكي الديموقراطي بدؤوا مسارهم السياسي في العمل النقابين في حين ولأسباب تاريخية فان العمل النقابي تم فصله عن العمل السياسي منذ داخل التقليد الفرنسي 1905. معارضة حرب الجزائر واللقاء مع جمعية الطلبة المسلمين بشمال افريقيا في هذا الكتاب يتحدث عن حرب الجزائر والأجواء التي كانت تعيشها الحركة الطلابية ، والتعتيم الاعلامي الذي كانت تمارسه اغلب وسائل الاعلام أنذاك عن الوضع بالجزائر وعمليات القمع التي تقوم بها الشرطة والجيش الفرنسي. ويضيف «بفضل علاقتنا مع جمعية الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا كنا نتوصل بالإخبار عن ما يقع هناك « وعندما أصبحت أتزعم نقابة الطلاب الاشتراكيين في يوليوز 1953 نظمنا ندوة حول المغرب العربي ، ورسميا كان الموضوع حول الاوضاع بالمغرب وتونس لكن الوضعية بالجزائر كانت حاضرة.ونظمنا هذه الندوة بدعم مدينة رومبيي وكان حاضرا عبد الرحيم بوعبيد من المغرب بالإضافة الى تلاثة اعضاء جزائريين اذكر منهم لعياشي يكير ومن تونس توصلنا برسالة من الحبيب بورقيبة ، وبحضور حميد القروي» . «هكذا بدأت مساري النضالي بالقضية الجزائرية بشكل طبيعي ، وقد كتبت الى جانب فرونوي في سنة 1959 تقريرا عن «الحجز والتجميع» بمدينة ستيف حيث عمد الجيش الفرنسي الى تجميع حوالي مليون قروي جزائري بعيدا عن قراهم وعن محاصلهم الزراعية وعن حيواناتهم مما أدى الى وفايات كثيرة ، لحرمان مناضلي الجبة التحرير من الاحتماء عند المزارعين ، وبما ان الوضعية عرفت تطورا، وضعنا تقريرا ثاني لكنه داخلي للحزب لكنني لم أوقعه حتى لا أحرم من الدخول الى المدرسة الوطنية للإدارة العمومية ، هكذا كانت فرنسا في ذلك الوقت.» توحيد الاشتراكيين وغياب روكار عن مؤتمر ايبناي 1971 «أحداث 1968 في أوساط الطلاب والشباب وما تلاها من إضرابات شلت فرنسا بكاملها سواء مصانع السيارات او التزود بالنزين التي توقفت عن العمل» لكن بالنسبة لروكار فهو يتأسف لغياب مبادرة سياسية وسط هذه الحركة ووسط اليسار مما جعل هذه الانتفاضة الشبابية والعمالية تنطفئ دون أن يستفيد منها اليسار. يتطرق أيضا الى تكتيكاته واستراتجيته السياسية في توحيد اليسار وانهاك الحزب الشيوعي الفرنسي أنذاك والذي كان قويا في الاوساط العمالية على الخصوص، و«الاتفاق الاساسي الذي كان مع فرنسوا ميتران هو وضع الشيوعيين بالحكم ، وخلال 20 سنة يتم التخلص منهم وسوف ينتهي أمرهم لأنهم لم يوجدوا لذلك.والتفكير بهذه الطريقة المتوحشة في اتفاق مع ميتران هي دليل أنني لم أكن ديموقراطي مسيحي كما يدعي خصومي بل إنني ابن اليسار والاشتراكية». الصراع اللانهائي والابدي بين اليسار الاول الذي يتزعمه ميتران واليسار الثاني الذي يتزعمه ميشيل روكار والاختلاف في التصور وفي طريقة تدبير الامور لم يتوقف بين الرجلين. مؤتمر ايبناي سنة1971 الذي مكن من توحيد الاحزاب الاشتراكية في حزب اشتراكي واحد، هذه اللحظة الحاسمة في حياة الحزب الاشتراكي الفرنسي وهي التي ستمكن من فوز ميتران بالانتخابات الرئاسية سنة 1981 ومن دخول الاشتراكيين الى التناوب السياسي في فرنسا بعد ان سيطر اليمين لعدة عقود على تدبير السلطة. ميشيل روكار كان غائبا عن هذا اللقاء ويفسر ذلك بكونه لا يلعب الورقة الشخصية ومن أجل الدخول الى الحزب كان لا بد ان يتم ذلك مع رفاقه في الحزب الاشتراكي الموحد وليس لوحده.كما يضيف انه أضاع وقتا في فهم 1968 وفي محاولة تجميع مختلف التوجهات اليسارية. وغياب روكار ورفاقه عن هذه اللحظة جعلت رفاق ميتران يؤاخذون عليه ذلك ويعتبرونه ناقص شرعية وسطهم لعدم وجوده في لحظة ايبناي التأسيسية. وصول الاشتراكيين الى الحكم بفرنسا وجهل اغلبهم بقواعد الاقتصاد عند نجاح ميتران في الانتخابات الرئاسية لسنة 1981، ميشيل روكار انتابته تخوفات من نهاية مأسوية كما وقع للجبهة الشعبية بفرنسا. ويفسر ذلك بالجهل الذي كان وسط قيادة الاشتراكيين لقضايا الاقتصاد، «1 % منهم فقط كان يعرف ما معنى ميزان المدفوعات وهذا الجهل كان يخوفني.وفي السنوات الاولى لحكومة بيير موروا الوزير الاول كادت ان تحدث الكارثة بفعل عمليات تأميم جد مكلفة لشركات لها مشاكل مما جعل العجز يصل لأول مرة الى 27%، لكن الاقتصاد الفرنسي تمكن من تحمل هذه الحماقة في المجال الاقتصادي دون ان ينهار.وذلك فقط من أجل ارضاء الشيوعيين في الحكومة والوعد الذي تم اعطاؤه أثناء الانتخابات الرئاسية. فقد تم سنة 1982 تأميم 9 مجموعات فرنسية والتي كانت تمثل ربع الصناعة الفرنسية والتي تم تأدية تمنها تلاثة مرات اكثرمن تمنها الحقيقي، أتعرف كم كان بإمكاننا ان نبني من مدارس ومستشفيات ...لكن فرنسا مرت بجانب الكارثة في هذه العملية..». روكار وزير اول لفرنسوا ميتران «وفي الحكومة الاولى للاشتراكيين ورغم خلافاتي مع ميتران فانه عينني وزيرا لدولة مكلف بالتخطيط وتهيئ التراب الوطني، ورغم ان هذه الوزارة لم تكن استراتيجية لكنها مكنتني مواكبة عمل الحكومة. اتذكر ان العديد من المناضلين لم يكن يفهم عداء ميتران الي وفي نفس الوقت تكليفي بمسؤوليات، وأتذكر ان ليونيل جوسبان الذي كان كاتبا أول للحزب سأل ميتران بعد ان حذره «ان روكار هو عنصر خطير ويجب الاحتياط منه»، وتساءل جوسبان: السيد الرئيس إنك لم تجعله واحدا منا فقط بل وزيرا أولا،السيد رئيس الجمهورية، ساعدنا على فهم ما تريد؟» وحول خصومه السياسيين داخل الحزب يقول «علاقاتي برولون فابيوس بدأت بالاختلاف تلتها برودة كبيرة، اعتبره الى جانب بيير جوكس زعماء قتلي السياسي...». ورغم كل هذه العداوة التي كان يدمرها له ميتران ورفاقه فقد عينه وزيرا أولا سنة 1988 بعد النجاح في الانتخابات التشريعية، بجانب حكومة تضم العديد من ممثلي المجتمع المدني. لأن ميشيل روكار كانت له شعبية كبيرة في استطلاعات الرأي وكان في نفس الوقت زعيم اليسار الثاني.ومروره برئاسة قصر ماتينيون مقر الوزارة الاولى لم يكن عاديا.أهمها التوفق في اعادة السلم الى كاليدونيا،إقرار الحد الادنى لدخل بالنسبة للأشخاص بدون عمل بالإضافة الى اصلاح قوانين الشركات العمومية الفرنسية التي اصبحت اليوم من أكبر الشركات الناجحة في العالم مثل رونو.هذا رغم ان فريق ميتران لم يكن يسهل عمله وينتظر أول خطأ لأقالته من الحكومة. كنت سأكون مسرورا لو أصبحت رئيسا لدولة لكنني... في نهاية الكتاب يعترف ميشيل روكار بفشله في التقدم الى الانتخابات الرئاسية لأنه لم يكن صالحا لهذا العمل ولا يتوافق مع شخصيته. فهل هذا تبرير للفشل أم أن زعيم اليسار الثاني يفضل العمل على المهمة الرمزية لرئيس الدولة بفرنسا. وأضاف، «ان ما يشغلني اليوم ليس الحزب الاشتراكي أو قصر الرئاسة بل ما يعرفه العالم، سيطرة القوة الوحيدة والمطلقة بالعالم والتي ليس لها منافس وتعتقد انها مضطلعة على كل شيء. نحن اليوم أمام امبراطورية ثانية في العالم.وغير ذلك فهو ثانوي. هذا بالإضافة الى الفقر في العالم،محاربة السيدا، المفاوضات حول الاسلحة النوية مع ايران وكل ذلك نتيجة الهيمنة الامريكية،المهم اليوم هو من يهيمن على المغامرة الانسانية ؟». «سيبدو رأيي أنانيا، لقد نجحت في حياتي، وكنت سأكون مسرورا لو أصبحت رئيسا لدولة لكنني لا اعتقد أنني كنت سأكون نا جحا كما كنت ناجحا كوزير أول..