في قرية تازالت عميقا في جبال الأطلس الكبير بالمغرب، في قرية تازالت، داخل منزل صغير مبني بالطين والأحجار، بنية اللون وتميل إلى الإحمرار، مليكة مسعودي، 38 سنة، تقدم شايا حلوا بالنعناع، وتنظر إلى صورة لها وهي تحرك رأسها يمينا وشمالا، تنظر كم بلغ بها الكبر. في بيت مجاور، ينام فيه خمسة أولاد على الأرض يفترشون أغطية قليلة، في مكان يكاد يتسع لاثنين. زهرة ابنة أخت مليكة، تستعد لمغادرة نمط هذه الحياة الكلاسيكية القروية، لتخوض تجربة الدراسة، التي لم تكن أغلب قريناتها في المنطقة يحظين بنفس الفرصة، منذ سبع سنوات، تسكن في منزل تسيره منظمة EFA Education For All التعليم للجميع بأسني، على بعد ستة وخمسين كلم من منزلها، كانت تبلغ أنذاك 12 سنة، وفي شتنبر القادم، تأمل الإنتقال إلى مراكش لإتمام دراستها. أمها مليكة التي تزوجت في سن السادسة عشرة، هي الآن خائفة على ابنتها، وعلى نمط العيش الذي ينتظرها، إذ سيكون مختلفا على الذي عاشت فيه، علما بأنها كان من المفترض أن تغادر الدراسة في سن الثانية عشرة، كأغلب فتيات المنطقة. تقول مليكة وبتحسر: «مازلت أتمنى لو كان باستطاعتي الذهاب إلى المدرسة»، وتضيف «رغم مرور كل هذه السنوات، والزواج ووجود الأولاد، مازلت أتأسف على عدم تمكني من إتمام الدراسة، فلم أخرج قط من القرية، أجلس في المنزل يوميا، وأحس كأنني طائر بلا أجنحة». وفقا لتقرير للبنك الدولي، فإن مستوى الأمية في المجال القروي، مازال مرتفعا حيث يصل إلى 90 بالمائة في صفوف النساء والفتيات، خصوصا اللائي يعشن في الأطلس الكبير، إذ يغادرن صفوف الدراسة من الابتدائي، فقط 26 بالمائة من الفتيات في المجال القروي يستطعن متابعة دراستهن في مستوى الإعدادي والثانوي. وهذه المشاكل غالبا ما يواجهها سكان المناطق الجبلية، وأغلبهم أمازيغ... هؤلاء حافظوا على لغتهم وثقافتهم، خصوصا في المناطق الجبلية، حيث يتلقون الدروس في المدرسة باللغة العربية، التي تعتبر الثانية للتلاميذ في المنطقة. يعتبر البعد عن المدارس، في المناطق القروية، من أبرز العوائق التي تواجه الفتيات على وجه الخصوص، ويجعلهن غير قادرات على إتمام دراستهن، ويقول خالد شنكيط، متخصص في المجال التعليمي لدى منظمة اليونيسيف بالمغرب، إن تعليم الفتيات خاصة في المستوى الإعدادي والثانوي، يعتبر تحديا كبيرا، وذلك راجع إلى عدة أسباب، من ضمنها أن المدارس غير مجهزة كفاية، وغياب المراحيض، والخدمات الصحية، بالإضافة إلى غياب النقل المدرسي، وفي بعض المناطق، هناك بعض الفتيات، يجب عليهن الاهتمام بالأعمال المنزلية، كما يواجهن عوائق سوسيو ثقافية، ما يزيد من صعوبة إتمام دراستهن الثانوية، هذه المشاكل غالبا ما تواجهها الفتيات مقارنة بالأولاد. لكسر دورة الفقر أضاف شنكيطي، «تعليم الفتاة يساعد على كسر دورة الفقر ومحاربته، لأن النساء المتعلمات هن أقل عرضة للزواج المبكر وبدون إرادتهن، وأقل عرضة للوفاة أثناء الوضع بعد الزواج، ويرزقن بأولاد في صحة جيدة، بالإضافة إلى أنهن يستطعن إرسال أبنائهن إلى المدرسة». تعمل منظمة «التعليم للجميع EFA» على إحضار الفتيات إلى المدرسة، مقاربة هي بمثابة بداية لتغيير حياتهن بطريقة يمكن تحويل مستقبل هذه المناطق، وذلك بتوفير منزل لهن، تسهر نساء على تسييره، بالإضافة إلى الطعام الصحي، كما تساعدهن في أعمالهن المنزلية، وتقديم دروس دعم لهن في اللغتين الفرنسية والإنجليزية، بفضل ذلك، فمتوسط مستوى النجاح يبلغ 97 بالمائة. تحدثت زهرة بحماس عن الحظ الذي حالفها وقالت «لقد استمتعت بالدراسة في المستوى الإبتدائي، لكن كنت أعلم أن حظوظ إتمام دراستي الثانوية ضئيلة، وعندما تم اختياري من طرف المنظمة سُعدت كثيرا، وكنت متوترة عندما دخلت إلى المنزل، الذي تسيره المنظمة، للمرة الأولى، ولكن أحسست بأنني وجدت نفسي بمجرد وجودي هناك»، وأردفت «أؤمن الآن أن المستقبل سيكون أفضل، وسأؤكد ذلك لعائلتي، كما أن والدَي دعماني كثيرا، أرادا لي حياة أفضل من تلك التي عاشاها، «واسترسلت قائلة» السنة الأولى في الجامعة ستكون صعبة، أنا متأكدة أن الحياة مختلفة هناك، إلا أنني أعتقد أنها ستكون جيدا بالنسبة لي». مرحلة الجامعة في مراكش الصاخبة، التي تعتبر عالما مختلفا مقارنة بالقرى الجبلية، خديجة أحدوامي، 21 سنة، تعي جيدا ما تحس به زهرة، فقد مرت بنفس الظروف قبل ثلاث سنوات، لكن لم تندم على ذلك، رغم أن الطريق لم يكن سهلا، وتقول خديجة:» لم أتمكن من النجاح في السنة الجامعية الأولى، فقد كان صعبا المجيء إلى محيط مختلف (مراكش) عن الذي كنت فيه، بالإضافة إلى كثرة المواد التي أدرسها، كما أن التغيير في لغة التدريس من العربية إلى الفرنسية كان كذلك سببا رئيسيا». لم تواجه خديجة المشاكل الثقافية واختلاف نمط العيش فقط، بل هناك مشاكل أخرى تزيد الطين بلة، فقد فقدت أمها عندما كانت في السنة الأخيرة من السلك الثانوي، وقالت «كانت لدي كذلك مشاكل عائلية، وتزوج أبي بعد وفاة والدتي» وأضافت «بالرغم من أنها توفيت منذ سنة ونصف، إلا أن السنة الدراسية في الجامعة كانت الأصعب لأنني كنت بعيدة عن أهلي، رغم ذلك لم أفقد الأمل وفكرت في ما إذا ضغطت على نفسي فقد أفقد عقلي، لهذا قررت أن آخذ الأمور بسهولة وقررت أن أعيد السنة». تغيير العقليات خديجة كانت واحدة من الفتيات العشر الأوائل اللائي استفدن والتحقن بمنزل منظمة التعليم للجميع بأسني لمتابعة دراستها، وكانت ضمن الفوج الأول الذي انطلق به المشروع الخيري، وكانت والدتها هي التي أصرت على أن تتابع خديجة دراستها، لأنها تعلم جيدا مدى أهمية التمدرس، إذ كانت سابقا في الدارالبيضاء، حيث الفتيات يذهبن إلى المدرسة ويتعلمن، إلا أنها كان يجب عليها إقناع أب خديجة. مازالت هذه الأخيرة تتذكر المرة الاولى التي ذهبت فيها إلى منزل المنظمة، وقالت «وافق أبي على الذهاب لزيارة المنظمة، وعندما وصلنا قال إنها جيدة كما أن تعامل السيدة لطيفة، مسيرة المنزل، راقَ أبي وأعجبه ذلك، وسألني إذا كنت أرغب في البقاء، بالتأكيد قلت نعم، إن الدراسة هي هدفي الأول في الحياة». خديجة الآن، ليست الفتاة الوحيدة التي وصلت إلى مستوى عال في الدراسة في القرية فقط/ بل في المنطقة ككل، وتحظى باحترام من أبناء القرية، وعندما تعود إلى بيت أهلها، يستعين بها السكان، ويطلبون مساعدتها لحل مشاكلهم سواء في أعمالهم، أو المشاكل العائلية، وتتحمل بذلك مزيدا من المسؤوليات على عاتقها. وقالت «في السنة الأخيرة من السلك الثانوي، ناقشت مع والدي فكرة الإلتحاق بالجامعة، وحصلت على ثقتهما خلال السنوات التي قضيتها مع المنظمة، تعلمت كيفية التواصل مع الناس، وكيفية تدبير وصرف المال، وكذلك الحفاظ على الاحترام، كما أن العائلات الأخرى تراني مثالا يُحتذى به، عندما تنوي إرسال بناتها لمتابعة دراستهن، أحس أنني تصرفت بمسؤولية كبيرة، لهذا علم الجميع أن المدرسة لن تُخرج الفتاة عن السكة الصحيحة». مارك ستروسنجدر، واحد من مؤسسي منظمة التعليم للجميع قال: «أعتقد أنه أمر صعب بالنسبة للفتيات الأوليات، نظرا للكيفية التي ينظر بها إليهن الآخرون، لكن المواقف تتغير شيئا فشيئا، جازف الأباء الأولون الذين أرسلوا بناتهم لمتابعة الدراسة والتحاقهم بمنزل المنظمة، لكن الآن هناك من يطلبنا للتكفل ببناتهم»، كما أن مارك تفاجأ وأسعده ما قالته أم زهرة حيث قالت، انها تحس كأنها طائر بلا أجنحة والعديد من الأمهات يراودهن نفس الإحساس، وأضافت «لكن المنظمة وضعت لبناتنا الأجنحة». عن "Thegardian.com "