قبل يومين من قرار البريطاينيين الخروج من الاتحاد الأوربي، سألنا عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، حول الوقع المحتمل على الاقتصاد الوطني في حال قرر البريطانيون مغادرة الاتحاد، فأجاب الجواهري بأن ذلك سيكون بمثابة تسونامي بالنسبة للأسواق العالمية. و أوضح الجواهري أن «الأثر المباشر سيكون ضعيفا نظرا لضعف علاقاتنا التجارية والاستثمارية مع بريطانيا، التي تقل رتبتها عن المرتبة 12 من حيث مبادلاتنا التجارية». وقدر الوقع المباشر بأقل من 1 في المائة من معدل النمو. غير أنه أشار إلى أن التأثير الكبير على الاقتصاد الوطني سيأتي من تداعيات القرار على الاتحاد الأوروبي، وأيضا على الأسواق العالمية التي ستدخل مرحلة ارتباك وتذبذب شديد. ويؤكد المحللون أن المغرب سيتأثر أساسا بوقع الإنسحاب على فرنسا وإسبانيا اللتين تستقبلان معا %40 من صادرات المملكة. ومع ذلك فإنه من المتوقع أن تتأثر صادرات المغرب إلى بريطانيا التي تمثل حوالي 500 مليون أورو أي أزيد من 5 ملايير درهم بهذا القرار. كما ستتأثر المبادلات البينية في السلع والخدمات والتي تمثل حوالي 2.3 مليار أورو سنويا. وتفيد بيانات مكتب الصرف أن بريطانيا تستورد من المغرب الفواكه والخضر والملابس والفوسفاط ومركبات السيارات وتصدر نحو المغرب المحروقات والحديد والتجهيزات الإلكترونية. انعكاس القرار الذي اتخذه 52 في المائة من البريطانيين يتجلى في كون المغرب الذي كان يصدر لبريطانيا بشروط ولوج تفضيلية في إطار اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي، سيجد نفسه غدا يعامل من طرف المملكة المتحدة كأي بلد أجنبي وفق قواعد وشروط جديدة للدخول إلى السوق البريطانية، ما يعني أن المغرب سيفقد تلك الشروط التفضيلية التي كان يحظى بها في هذا الجانب. في ذات السياق فإن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوربي لن تصبح ملزمة بالحفاظ على معايير السوق الأوربية وقد تضع معاييرها الخاصة سواء علي مستوى معايير الصحة النباتية والغذائية أو على مستوى استقبال الصادرات الصناعية المغربية ، وهو ما سيجبر المصدرين المغاربة على ملاءمة صادراتهم مع الشروط الجديدة التي قد تفرضها السلطات البريطانية بعد تنفيذ قرار الانسحاب. ومن الجوانب التي قد يؤثر فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي على مصالح المغرب ، تلك المتعلقة ببرامج المساعدات والمنح التي يتلقاها المغرب من الاتحاد الأوربي ، فقد كان مفروضا أن يتلقى المغرب خلال الفترة بين 2014 و2020 حوالي 890 مليون أورو ، علما بأن خروج بريطانيا من الاتحاد من شأنه أن يجبر هذا الأخير على مراجعة برامج المساعدات الممنوحة للدول الشريكة كالمغرب ، خصوصا وأن بريطانيا كانت من أكبر المانحين .. ومن المنتظر أن يحرم قرار الانسحاب بريطانيا من تجارة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وسيتطلب منها ذلك أن تبرم اتفاقات تجارية جديدة مع بلدان العالم من بينهل المغرب. وقد تتفكك المملكة المتحدة نفسها في ظل دعوات من زعماء اسكتلندا -التي أيد نحو ثلثي ناخبيها البقاء في الاتحاد الأوروبي- لإجراء استفتاء جديد على الاستقلال. ومن جانبه سيتضرر الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا مع رحيل دولة لم تكن فقط أقوى مناصر لاقتصاد السوق الحر لكنها أيضا تتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي وبجيش قوي. وسيخسر الاتحاد نحو سدس ناتجه الاقتصادي دفعة واحدة. وسيكون أمام الحكومة البريطانية، حسب قانون الاتحاد الأوروبي، سنتين لترتيب خروجها في إطار مفاوضات مع باقي دول الاتحاد. ويرجح الخبراء أن تسفر هذه المفاوضات عن إبرام اتفاقية جديدة للتبادل الحر بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، كبديل عن الوضع الحالي. بريطانيا لم تخرج بعد من الاتحاد الأوربي! رغم تصويت أغلبية البريطانيين على خيار الخروج من الاتحاد الأوربي، إلا أن هذا التصويت ليس ملزما من الناحية القانونية، وتظل هناك، على المستوى النظري، إمكانية التصدي لهذا القرار وإسقاطه. غير أن الأمر «قد يكون انتحارا سياسيا بالسير ضد الرغبة التي عبر عنها البريطانيون في الاستفتاء،» حسب ما أوردته شبكة «بي بي سي». الفصل 50 من معاهدة الاتحاد الأوربي تضع المساطر التي يتعين على أي دولة عضو اتباعها من أجل الانسحاب من هذه المنظمة. فالأمر يقتضي أن تشعر هذه الدولة الاتحاد بانسحابها، وبالتالي تفرض على الاتحاد فتح باب التفاوض معها حول اتفاق الانسحاب. وهكذا، فإن التصويت بالخروج من هذه المنظمة لا يعتبر في الحد ذاته إشعارا رسميا. الإشعار الرسمي قد يتطلب بضعة أيام، مثلا خلال اجتماع الدول الأعضاء برسم القمة المقررة يومي 28 و29 يونيو الجاري، وإلا فإن المسؤولين البريطانيين سيضطرون للانتظار بضعة أشهر أخرى قبل التقدم بالإشعار الرسمي. وعندما تلجأ بريطانيا إلى الفصل 50 من هذه المعاهدة، فإنها ستضطر للدخول في مفاوضات تمتد لسنتين لوضع الأسس لاتفاق جديد يعوض الضوابط التي كانت معتمدة قبل قرار الانسحاب، حيث ستتم مناقشة كافة المواضيع ذات الارتباط المشترك من قبيل رسوم التجارة، الهجرة، تنقل البشر والآليات، الفلاحة... وفي أفضل سيناريو ممكن، سيكون بإمكان بريطانيا مناقشة الدخول إلى أسواق الاتحاد الأوربي بمعايير لا تختلف عن تلك المعمول بها في الوقت الراهن. فالنرويج دولة غير عضو بالاتحاد الأوربي، لكنها وافقت على الرضوخ للعديد من الضوابط المعتمدة داخل الاتحاد على مستوى المبادلات من أجل الاستفادة من امتياز الولوج إلى السوق الأوربية المشتركة.