«توهم أنك عشقت» ديوان زجلي جديد للزجال الشاعر أحمد لمسيح وهو يحمل الرقم 26، ضمن الانتاج الغزيز للشاعر الزجال، بينها الاجزاء الاربعة للاعمال الكاملة وبعض المترجمات من دواوينه الزجلية. و«توهم أنك عشقت» رغم أنه زجل، فإنك تستطيع أن تقرأ عنوانه على غلاف الديوان بالعامية أو باللغة الفصيحة سواء بسواء، لأن أحمد لمسيح نادرا ما يشكل عناوينه أو بعض كلمات أو حروف قصائده، إلا حينما تكون ثمة ضرورة أو غاية لذلك، لكنه في المقابل هو دائما يصر كلما وضع اسمه على غلاف ديوان أو قصيدة له على وضع فتحة على «لام» لمسيح وشدة وفتحة على »ياء» لمسيح، حتى لا يحوله قارئ غافل، إلى نبي رغما عنه لأنه يعلم أنه زجال ورواية، مسكون بالحال والعشق والجذبة، لذلك فهو يعلن: «وأنا -أحمد الراوي سيرتكم - نقول: القصيدة الحاجبة «فراشة» والشاعر «بستان» مصلوب على الورقة« ص 13. رغم التشابه في الصلب بين النبي والشاعر، إلا أن الفرق شاسع بين من له رسالة وبين زجال يطرز الماء ويكتبه، كي يمحو ما يكتبه أو يمحو بالماء الماء الذي يكتبه، كي يذوب في ما يكتبه.. أي يكتب و«ينسخ» ما يكتبه. ولعل اسم «لمسيح» يعود إلى فعل ساح يسوح ويسيح أيضا، لذلك فيه من الماء والسياحة ما فيه، وفيه من الفوضى الخلاقة والتسيب ما فيه، إذا ما اعتبرنا المقابل العامي للمسيح هو «لمسيب» أي الذي لا يعرف الحدود ولا يكترث بالقواعد والقوانين والمتجول في أراضي لله الواسعة دون اعتراف بالخرائط، وهارق الأمواه وفق أهواء مجاريها، الطليق الطلق بالمطلق، إنه حر بالخطو والقول وبلا حدود، حتى لكأنه هو القائل: «فوق جسر لمسيب سيبوني»! في بداية هذا الديوان الزجلي يكتب لمسيح اضاءة للقارئ جاء فيها: («توهم أنك عشقت» نص واحد كتب سنة 2015 في خمسة أنفاس، وهو نص وكفى». وباستطاعة القارئ أن يسطر على نص واحد، وعلى نص وكفى، فالنص الواحد يعني الجسد الواحد (النسيج الواحد) ونص وكفى، عبارة تعني تشبت الشاعر الزجال بحريته فيما يكتبه، وترك ما يكتبه حرا دون تعليبه في ديوان أو قصيدة أو زجل، وكأن كل ما هو متاح من تسميات أو تجنيس هو خيانة أو تبخيس في حق الحرية: حرية الشاعر في أن يسمي مولوده بما يشاء وفق ما يشاء، باعتباره الأب الشرعي لما ولد. وحرية النص في أن يقرأ كما هو، لا باعتباره شيئا تابعا لهذه التسمية أو تلك، أو لهذا الجنس أو ذاك. إن النص هنا هو «لمسيح» الآخر، بالمعنى الذي أسلفناه، لذلك فالنص الذي لا يشبه صاحبه هو نص باطل، لذلك تزخر كتابة الشاعر الزجال أحمد لمسيح بمحاوراته مع قصيدة أو حروفه أو لنقل مع نصه: «توحشت راسي.. حريفات.. بسمة القصيدة» (ص 13). «اختار يكون» فراشته «يتحرق باش تحيا هي وقال: القصيدة فراشة خليها حرة» ص 18 الخ. فالشاعر يتماهى مع حروفه وقصيدته، بل إنه يفضل أن يحترق لكي تحيا القصيدة. أو أن تمتص القصيدة -الفراشة رحيق البستان الذي هو الشاعر، كي تحيا هي ويصلب هو على الورق. «وقلبه ينبض لما قلبها ينبض في الجذبة. يسافر يكون «جنان الما» يحميها.. بستان مسافر - طاير - يلقي فراشة هو الروح.. والكفن شرنقة» (ص 47) ... ثم لنأخذ نحن أيضا بعض حريتنا ونقول إن «أحمد الراوي سيرتكم» يقف هنا (هو مسافر طاير لا يقف) موزعا بين ترحال السندباد (في بحر الروح) وبين المجذوب إلى الفنا، مادام «الفنا في بالعشق حضرة» (ص31). ... ثم لننظر إلى هذه الجملة الأخيرة، إن أي زجال آخر حتما لو كانت الجملة جملته سيكتبها بهذه الطريقة: «الفنا في العشق حضرة الفنا بالعشق حضرة» معتبرا التكرار مضاعفا للإيقاع، الخ، ما يمكن أن يقال أو يكتب من تبريرات أو تفسيرات، لكن الزجال الشاعر أحمد لمسيح يكتب زجلا عالما، وليس زجلا شعبيا بالمعنى التقليدي الرائج، فهو يصوغ قصائده بوعي الشعر الحداثي الفصيح وبأسئلته أيضا، يكتب إلى جوار شعراء التفعيلة وشعراء قصيدة النثر، ولا يكف عن التجريب، لذلك فهو لا يتحرج من أن يكتب مقاطع ضمن هذا الديوان الأخير بثلاث صيغ، ويضع تحت كل صيغة (اقتراح أول) (اقتراح ثان) (اقتراح ثالث) «توهم أنك عشقت» ديوان في العشق الحقيقي بين الشاعر وقصائده، حينما تكون القصائد فراشات ويكون الشاعر بستانا لا يكف عن مدها برحيق الروح. * «توهم أنك عشقت» دار أبي رقراق للطباعة والنشر 2016.