يبدو أن الاستعدادات للانتخابات الجماعية المقررة في الثالث من غشت المقبل بجنوب إفريقيا تنحرف نحو العنف ، ما يثير العديد من المخاوف داخل بلد مضطرب اقتصاديا واجتماعيا. ويرى الكثير من الجنوب إفريقيين، خصوصا الفئات الهشة منهم، في الاقتراع المقبل فرصة للتعبير عن غضبهم تجاه فشل السلطات المحلية والمركزية في الوفاء بوعدها من أجل إرساء أسس بلد تسوده المساواة والازدهار. ويعبر العدد المرتفع لحركات الاحتجاج المنظمة في البلاد منذ بداية السنة الجارية، عن حجم الضيق الاجتماعي العميق الذي يعيشه المواطنون. ونظم المواطنون خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة، 70 مظاهرة للاحتجاج ضد نقص السكن اللائق وتدهور النظام التعليمي وخدمات عمومية أخرى. وتشير منظمة مراقبة البلديات بجنوب إفريقيا « مينيسيبال إي كيو» إلى أن هذه المظاهرات بلغت 44 مظاهرة خلال الشهور الخمس الأولى من سنة 2015. وعرفت العديد من المظاهرات المنظمة هذه السنة، مظاهر عنف جلية، ففي شهر ماي الماضي، أحرقت 17 مدرسة خلال احتجاجات نظمت ضد التقسيم الانتخابي للبلديات. ويسجل المحللون أن اقتراع شهر غشت المقبل يشكل اختبارا حقيقيا للحزب الحاكم (المؤتمر الوطني الإفريقي) المتهم بالتهاون في محاربة التفاوتات داخل البلاد، بعد 20 سنة من وصوله للسلطة بعد انتهاء النظام العنصري «الأبارتايد». ويعتبر كيفن ألان، مدير «مينيسيبال إي كيو»، أن الحكومة لا تستجيب للمطالب إلا أمام مظاهرات عنيفة. ويرى الباحث أن هذه المظاهرات العنيفة تفاقمت خلال السنوات الأخيرة ، مضيفا أن انتخابات هذه السنة ستشهد عنفا أكثر من أي وقت مضى. ويعتبر نفس المسؤول أن هذه المظاهرات التي يقول إنها تتضمن مطالب معقولة غالبا ،تستغل في بعض الأحيان من طرف مجموعات إجرامية أو أشخاص ذوي أجندات سياسية خاصة. ويتوقع أن يكون اقتراع الثالث من غشت المقبل الأقوى من نوعه في الحقبة ما بعد نظام الأبارتايد ،حيث سيجد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نفسه مهددا بفقدان السيطرة على أهم المراكز الحضرية خصوصا في المدن الكبرى كجوهانسبورغ وبريتوريا. ويرجع سبب تراجع شعبية الحزب بالأساس إلى الأداء السيء للاقتصاد الجنوب إفريقي الذي يعرف تباطئا مقلقا للتنمية. وتشير تقديرات وطنية ودولية إلى أنه من المتوقع أن يسجل الناتج الداخلي الخام الجنوب- إفريقي نموا شبه منعدم برسم هذه السنة، وهو الأمر الذي لن يساعد في شيء المخططات الحكومية الهادفة إلى الحد من البطالة المتفشية (التي تطال نحو 27 في المائة من السكان النشطين)، وكذا محاربة الفوارق الاجتماعية. وفضلا عن موجة الاحتجاجات العنيفة، يوجه المحللون أيضا أصابع الاتهام إلى ظاهرة الاغتيالات السياسية ذات الصلة بالصراع من أجل تعيين مرشحين لخوض غمار الانتخابات البلدية. في سياق ذلك، قالت ماري دي هاس، وهي باحثة في جامعة كوازولو ناتال، إن هذا الصراع أصبح أكثر حدة، مشيرة إلى أن الظفر بمقاعد في المجالس البلدية يثير جشع العديد من المرشحين الذين تتملكهم الرغبة في الحصول على النفوذ ومراقبة مشاريع ذات كلفة مالية كبيرة، لافتة إلى أن ارتفاع معدلات البطالة والفقر تزكي هذا الوضع. وقد اتخذ هذا العنف السياسي منحى خطيرا إثر عملية الاغتيال التي ذهب ضحيتها الأسبوع الماضي ثلاثة أعضاء من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي في إقليم كوازولو ناتال. فقد لقي ما مجموعه 8 أعضاء تابعين لهذا الحزب مصرعهم في حوادث سياسية منذ بداية السنة الجارية. ودفعت حدة العنف السياسي الحكومة إلى تشكيل فرقة عمل مكلفة بإجراء تحقيقات بشأن الاغتيالات السياسية التي سجلت مؤخرا. ومن المنتظر أن تقترح هذه الفرقة، المشكلة من ممثلين عن عدة أجهزة أمنية بالبلاد، تدابير ملموسة لمكافحة هذه الظاهرة. وبهذا الخصوص، قال وزير الشرطة، نكوسيناثي نيليكو، «لقد لاحظنا بقلق بالغ تنامي حالات القتل المرتبطة بالانتخابات المحلية المقبلة»، داعيا مواطني جنوب إفريقيا للمساهمة في مكافحة هذا العنف، الذي يهدد، برأيه، المستقبل الديمقراطي ببلاده.