العنف في الفضاء المدرسي هو واحد من أعطاب المدرسة العمومية، ومظهر صارخ من مظاهر فشل المنظومة التربوية في بلادنا، ظاهرة معقدة في أسبابها ومتعددة الأطراف في مكوناتها: فمن العنف بين التلاميذ المحملين بأعباء تنشئتهم الأسرية، إلى العنف المتبادل بينهم وبين المدرسين المثقلين بالمذكرات الجافة والقرارات الفوقية الانفرادية، المهزومين بتقزيم الصلاحيات وتراجع الصورة، أضف إلى ذلك عنف الفضاء المدرسي المفتقد للمقومات البيداغوجية والجمالية والثقافية والإبداعية.. الاتحاد الاشتراكي حاور أستاذة مادة الفلسفة خدوج السلاسي، رئيسة الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة لجهة فاس-مكناس، فاعلة جمعوية ومناضلة حقوقية، وهي أيضا رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحادية وحاصلة على وسام الاستحقاق الملكي، فكانت الورقة التالية: p أصبحنا اليوم نسمع كثيرا عن ممارسة العنف في كل مكان، هل معنى ذلك أن العنف ظاهرة طبيعية؟ ما رأيك؟ n في البدء يميز عادة بين العنفviolence والعدوانية Agressivité، هذه الأخيرة ظاهرة طبيعية ومطلوبة باعتبارها طاقة مؤمنة للحياة، تهذبها عند الإنسان مختلف الأشكال الثقافية، وتحجمها الرياضات الجسدية والممارسات الفكرية والإبداعية كقنوات مناسبة لصرف الطاقة الزائدة. والتدرج الحضاري للإنسان، كان اختبارا لصحة هذه المعادلة. أما العنف -كفعل مؤلم ماديا كان أم معنويا يراد به إلحاق الأذى بالآخر- فهو سلوك مكتسب نتيجة عوامل نفسية، اجتماعية، ثقافية وغيرها، عندما ندخل في دائرة التطبيع مع العنف باعتباره مبدأ طبيعيا محايدا للإنسان، فإن هذا الاعتقاد (أي نظرية العنف الطبيعي) يؤدي إلى تجاوز الفرق الذي يميز بين الغضب كعاطفة أو انفعال وبين سلوك العنف، حيث نتقبل الغضب باعتباره عنفا ونتقبل العنف باعتباره أداة للتعبير عن هذه العاطفة الطبيعية (الغضب). إن هذه المحايثة تنزع عن السلوك طابعه العقلاني (المفكر فيه) لتجعل منه رد فعل أذاته الأساسية هي الاستجابة الجسدية. إن الأمر يتعلق بردم المسافة الفاصلة بين الفعل ورد الفعل، تلك المسافة التي يمثلها العقل أو التفكير كوسيط. p بمعنى أنه يمكن للتعبير العنيف أن يصبح غضبا مقبولا؟ n إن عنصر الفكر عند الإنسان يبطل (أو يفترض به أن يفعل) العلاقة البيولوجية المباشرة بين المثير والاستجابة والعلاقة الميكانيكية المعروفة بين الفعل ورد الفعل. فما يميز الإنسان (مقارنة بالحيوان) هو ما يقوم به الوسيط «العقل أو الفكر» خلال الانتقال من الفعل إلى رد الفعل، حيث تغيب العلاقة الفورية المباشرة والتلقائية بين المثير والاستجابة ويجتهد العقل في إحداث رد الفعل المناسب والمدروس. كلما تمكن العقل من الاشتغال في مساحة الوساطة، كلما تراجع العنف لصالح رد فعل إنساني إيجابي ومناسب ينأى به عن ردود الأفعال الحيوانية السريعة. عند التماهي بين الجسد والعقل وانمحاء المسافة، يصبح التعبير العنيف عن الغضب مقبولا، بوصفه سلوكا طبيعيا قارا غير قابل للتبدل، بل قد يعمل المجتمع بمختلف تجلياته الثقافية من أجل إضفاء طابع الشرعية عليه ليرتبط العنف في اللاشعور الجمعي بالقوة، سواء كانت على مستوى الجسد أو الموقع أو المال وغيرها... ليصبح العنف الشرعي هو ذاك الناتج عن القوة، وغير الشرعي هو ذاك المقرون بالضعف. وفي هذا السياق، يمكن أن نفسر ثقافيا العنف ضد الأطفال، وضد النساء وضد فاقدي قدراتهم العقلية، وضد المعتقلين والمرضى النفسانيين... وهنا ينفتح الباب أمام إنتاج وتبطن تمثلات تصبح بدورها القاعدة الخلقية واللاشعورية لكل الأنماط الثقافية المبررة للعنف. إن حياة الجماعة تصبح ممكنة فقط عندما تتوحد الجماعة التي هي أقوى من كل أفرادها لتصبح قادرة على حماية نفسها من الأفراد المنتمين إليها الجماعة هي الحق والفرد هو القوة الغاشمة. بنيت الحضارة الإنسانية عندما تم استبدال قوة الفرد الغاشمة بقوة الجماعة (الحق)، أي عند ظهور حكم القانون، حيث يضحي الجميع بالغرائز على شكل إعلاء أو تسام (فرويد)، إذ تبين أن الانفعالات الغريزية أقوى من المصالح المعقولة، ووحدها الثقافة - والقانون يمثل أعلى درجاتهما، وأكثرها قابلية للتقاسم- تضع حدودا للغرائز البشرية العدوانية ليكون الإنسان كما يرى جون جاك روسو هو القادر على هزم الحيوانية فيه. فلا يكون الفرد إنسانا مميزا إلا عندما يكون هو ذاته حيوانا أقل تميزا. p لقد أصبحت مدارسنا مسرحا لممارسة العنف، هي التي يفترض فيها بناء المواطن السليم، فكيف تنظرين للظاهرة؟ وكيف يمكن معالجتها؟ n إن العنف في الفضاء المدرسي هو واحد من أعطاب المدرسة العمومية، ومظهر صارخ من مظاهر فشل المنظومة التربوية في بلادنا، ظاهرة معقدة في أسبابها ومتعددة الأطراف في مكوناتها: فمن العنف بين التلاميذ المحملين بأعباء تنشئتهم الأسرية، إلى العنف المتبادل بينهم وبين المدرسين المثقلين بالمذكرات الجافة والقرارات الفوقية الانفرادية، المهزومين بتقزيم الصلاحيات وتراجع الصورة، أضف إلى ذلك عنف الفضاء المدرسي المفتقد للمقومات البيداغوجية والجمالية والثقافية والإبداعية. عندما ننظر إلى فصولنا واكتظاظ التلاميذ والتلميذات، عندما نتصفح مقرراتنا ونقف عند الحشو والزخم وازدحام المعارف والمعلومات، عندما نبحث في طرق التدريس وحمى اختبار النظريات ونكتشف هيمنة الإملاء والتلقين وغياب الحوار والتفكير، عندما تصدمنا مركزية الفاعل (الأوحد) المدرس التي قلما تترك حيزا للنقد والمساءلة، p يراودنا سؤال: كيف لا يمكن - في ظل كل هذا- ألا تكون مدارسنا فضاء للعنف المتبادل؟ n أعتقد أن هناك ما يكفي من التشخيص، وأنه آن الأوان لاعتماد إصلاح شمولي مندمج وجدي للمدرسة العمومية ككل، إذ يفترض بالمدرسة في مجتمع كمجتمعنا أن تكون الأساس والمنطلق الرئيس لبناء الإنسان، وأحيانا لعلاج الأعطاب الاجتماعية التي راكمتها السنوات الأولى من التنشئة الأسرية، لا أن تكون تواطؤا معها وإعادة إنتاج لها، إذ لابد أن تكون المدرسة فضاء لبناء الثقة بالذات ولنسج علاقات إنسانية واجتماعية سليمة، وظيفتها الأساسية الإعداد للنجاح في الحياة، مناخها التواصل والإنصات، أدواتها الطرق البيداغوجية والديداكتيكية المناسبة للإنسان المبدع الحر والخلاق الذي نريده من أجل مجتمع متعدد، منفتح، متسامح، المجتمع الذي نختاره لحاضرنا ومستقبلنا؛ وذلك في إطار رؤية إستراتيجية واضحة ومدروسة، متعالية عن التقلبات السياسية والإيديولوجية الرهينة بالمنافسات الحزبية والموقعية، لأن مدرسة بدون عنف هي مدرسة سليمة تمنح الحياة وتهيئ لها. تبني المجتمع وتغيره تساوقا مع المستجدات المحلية والإقليمية والدولية، باعتماد إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار المدرس كفاعل رئيسي في مجال الإعداد والتكوين؛ وذلك بتمكينه من مختلف الشروط المادية والمعنوية، وتمتيعه بالحق في المشاركة وإبداء الرأي في مجموع المجالات التي تخص العملية التعليمية التعلمية. إن مدرسا معنفا في ذاته، فاقدا لمقوماته الاقتصادية والحقوقية لا يمكن أن يساهم -إلا استثناء- في بناء الذوات الخلاقة الفاعلة والمتوازنة والمتسامحة المتواصلة وغير العنيفة. p هنالك عنف يمارسه بعض الأفراد على الآخرين بدعوى الخروج عن مقتضيات الدين والحياء العام.. ما رأيك؟ n إنك تقصد ما أصبح اليوم ينعت «بقضاء الشارع» وإن كنت لا أستسيغ هذا المفهوم، لأن القضاء مؤسسة واضحة الوظيفة، محددة القواعد مضبوطة الاختصاص، والحال أن الشارع يحيل على جميع أنواع الانفلاتات عن القاعدة الضابطة. ليس هنالك أي مبرر مؤسساتي حقوقي أو حتى ديني بأن يحل الأفراد في الشارع محل الدولة، وأن يمارسوا القضاء، وأن يقتصوا من الذين أو اللواتي بدوا لهم مخالفين لما هو مألوف ومطلوب اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا. فالقاعدة الأساسية الملزمة لجميع الأفراد هي الاحترام المتبادل للحريات الفردية والجماعية. إن الاعتداءات المحدودة التي وقعت في الأشهر الأخيرة ضد بعض الفتيات، نظرا للباسهن، وكذا ضد من اعتقدوا مثليين وغيرهم، هي سلوكات تنبهنا إلى ماهية الفضاء العام كفضاء يرتاده جميع الأفراد بكل ما يطبعهم من تنوع واختلاف على مختلف المستويات الدينية والثقافية والجنسية وغيرها. فأن يقع الاعتداء باسم الدين والأخلاق على قاعدة المساس بالحياء العام واستفزاز الشعور الجماعي، يجعلنا نتساءل: هل حددنا، يوما بشكل دقيق، ما المقصود بالحياء العام؟ وهل هو مبدأ ثابت لا تاريخي، أم مبدأ تاريخي متحول؟ وهل استبدلنا، يوما، مرجع القانون بمرجع الشعور الجماعي؟ وحده الوطن يعتبر الإطار الضامن للوحدة في إطار الاختلاف، ووحده القانون (قانون الدولة) هو الضابط المنظم للعلاقات بين الأفراد والجماعات والمؤسسات، وكل من نصب نفسه بديلا عن ذلك يضع نفسه خارج القانون، مهما كانت دواعي التنصيب هاته، ومهما كانت المبررات المقدمة من النص الديني نفسه، أولا لأن الأفراد المعتدين يقرؤون ويفهمون النص الديني بشكل مبثور وناقص، فدرجات تغيير المنكر في الإسلام «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»، هي درجات في المراتب والمسؤولية، والتغيير باليد واللسان مهام تطلع بها مؤسسات الدولة ذات الاختصاص بقواعد قانونية تتمتع بالشمولية والعمومية والغائية المطلوبة باعتبارها القوة الملزمة فوق الأفراد. لذا، فإن ما أسميه «بفوضى الشارع» لا يستند إلى أية مشروعيةlégitimité ، لأن أساس المشروعية هو الحق droit، فالمشروعية (الحق) هو الحرص والدفاع عن حقوق المواطنين استنادا للشرعية أي القانون، ووحدها الدولة تمثل الشرعية المقرونة بالمشروعية. فالخوف، كل الخوف، اليوم، في سياق سياسي حالي مأزوم، يشي بالكثير من التراجع في مجال الحريات والحقوق الفردية، هو أن تتسع دائرة القصاص الفردي في إطار ظرفية سياسية توظف الدين أذاتيا، والخوف كل الخوف هو أن يتم المساس بمبدأ التسامح والتعايش في إطار التنوع والاختلاف، الأفق الحقيقي للإنسانية الحالية والمقبلة، الخوف هو النكوص نحو التقدير الشخصي والرأي الوحيد في عالم أصبحت فيه كل الحدود واهية باستثناء تلك المؤطرة للإنسانية في بعدها الحقيقي الكوني. إن الضمانة الأساسية لمواجهة هذه الانحرافات هو تعزيز أدوار دولة الحق والقانون، الدولة الضامنة للتعايش في إطار الاختلاف المستندة إلى الشرعية (القانون) في مواجهة ومعالجة كل اختلالات، وعلى أرسها تلك التي تهدد الحريات الفردية والجماعية. p كيف تنظرين إلى شغب الملاعب وعنف المدرجات؟ n شغب الملاعب -في نظري،- هو، في الواقع، عنف ينفلت من عقاله من غير وجهة مسبقة محددة ومعلومة، وهو -في تقديري- تركيبة من جزأين: جزؤه الأول مخزن ونائم في الذات، نتيجة مسارات تربوية اجتماعية طويلة تراكمت في غفلة من الذات والمحيطين بها، وجزؤه الأكبر يعود لفضاء الملعب بكل متغيراته. يلتقي الجزءان ويندلعان عند ظهور شرارة الإعلان، فيوظف أحدهما الآخر في سلوك قطيعي، لأن الفرد هنا يتماهى مع الجمهور وسيكولوجية الجمهور معلومة: فهو لا يفكر إنما يستجيب للشرارة، يتبع، يندفع، فيقع نوع من التضامن السري والسلبي بين الذوات المسكونة بعنفها والمعانقة لعنف غيرها. إن فاعل الشغب أو العنيف في المدرجات هو البديل عن البطل المفقود، بطل أرضية الملعب، بطل الأضواء المهيأ أو المسجل للإصابات، بطل الإعلام، أما المشاغب العنيف فهو البطل غير المتحقق، يحقق ذاته من خلال التماهي اللاشعوري مع فريقه، إذ تتوجه طاقاته للكسر والهدم طالما لم يتمكن من صرفها في تبادل الكرة والتوجه نحو المرمى. إن البطل البديل هنا في تماهيه المزدوج مع الجمهور، من جهة، ومع الفريق، من جهة ثانية، مخلص لدوافعه، منسجم مع ذاته، واقع تحت ضغط العنف بجزأيه، قد لا يرتبك هذا الانسجام إلا عند نهاية المباراة، حيث يتفرق الجمهور ويغادر الفريق أرضية الملعب. إن الفاعل هنا منفعل بعوامل ذاتية ومحيطية، وضحية لهما معا. لقد سمعنا بالكثير من الإجراءات الزجرية كالغرامات واللعب في غياب الجمهور وهي -على أهميتها- إجراءات آنية، مؤقتة وقصيرة المفعول. فإذا كان هناك أفراد يتدربون طويلا على اللعب ويتعلمون قواعده وسلوكياته، فإنه على الجمهور أن يتدرب على الفرجة ويتعلم قواعدها، وأن يعيد بناء علاقته بفريقه. ولعل السؤال الأساسي هنا هو كيف نجعل الفرجة متعة حقيقية مبنية على أسلوب اللعب ومهاراته وتقنياته، بدل أن يكون الفريق هو المرجع الأعمى الذي لا نرى غيره سواء في حالة فوزه أو فشله، وإلا فما معنى عبارة «الروح الرياضية» التي ننقلها انزياحا إلى مختلف المجالات التنافسية؟.. فلعلنا، اليوم، في حاجة إلى تعميم نوادي التشجيع يتعلم فيها أنصار الفريق الطرق الحضارية وأساليب التشجيع التي تؤمن الفرجة السليمة وتحافظ على سمعة الفريق. كما يمكن أن نعتمد، اليومن مبدأ الانخراط المادي في النوادي الرياضية مهما كانت قيمة المساهمة المالية، إذ من شأن ذلك أن ينمي روح الانتماء والمسؤولية اتجاه الفريق كما هو معمول به في مجموعة من النوادي الدولية المحترمة. ومن المفيد في اعتقادي العودة إلى الرياضة المدرسية إذ تنتج كل مدرسة فريقا ويشكل باقي التلاميذ الجمهور المشجع فيتعلم الجميع قواعد اللاعب والتشجيع في ذات الوقت. p هل هذا يعني أن هنالك نقصا في الاهتمام بالإنسان، ومن المسؤول عن هذا النقص؟ وكيف يمكن تداركه؟ n قد يكون ممارسو السلوك العنيف، كسلوك يحمل الدمار والصدمة والألم للآخرين، أناسا عانوا ولمدة ما من الإهمال أو عدم القدرة على تأمين سلامة ذواتهم وسط الآخرين، وتعرضوا للإساءة الناجمة عن التعامل غير المناسب مع حاجاتهم وانتظاراتهم، لذا فهم عندما يسلكون سلوكا غير متوازن موسوم بفقدان الثقة، فإنهم يتجاهلون حدود الآخرين في محاولات يائسة، وربما أخيرة لإشباع حاجاتهم والتنبيه إلى انتظاراتهم من أجل ضمان بقائهم، لذا لا يمكن الحديث عن العنف معزولا عن سياقه الاجتماعي والمجتمعي. فكل أساليب التجاهل واللااعتراف داخل المجتمع تساهم في استنبات الظاهرة العنيفة. إن درجة العنف والسعي إلى التحكم الاجتماعي خارج القواعد الشرعية والمألوفة، تعكس مدى إخفاق المجتمع في تأمين واحترام الحاجات والانتظارات، والاعتراف بها داخل الإطار الجماعي، الإطار الذي يحتوي ولا يلفظ، يقرب ولا يبعد، يعالج ولا يتجاهل... إطار يعمل من أجل توليد الثقة بالذات من خلال العلاقات الاجتماعية المبنية على الاعتراف المتبادل والاحتواء والتضامن. إن الرهان، اليوم، هو الاشتغال على تجويد العنصر البشري، وجعله محور الإستراتيجية المركزية للدولة، وبلورة هذا الاشتغال بشكل فعلي على مستوى توفير الميزانيات الكفيلة بوضع سياسات عمومية تتوجه إلى عمق الإشكالات المطروحة، لأن ظاهرة العنف ليست معزولة عن رداءة المدرسة العمومية، عن اتساع دائرة الفقر وتفشي البطالة، وليست منفصلة عن مظاهر الظلم الاجتماعي والفوارق الاقتصادية المهولة، وكل عناصر الدولة من أحزاب وجمعيات المجتمع المدني ودور الشباب مدعوة للإنخراط الفعلي في هذه الإستراتيجية الكبرى التي يكون الإنسان غايتها. ومهما بلغت أهمية الأموال المستثمرة من أجل إنشاء البنيات التحتية وتطويرها، فإن التوجه الواعي إلى بناء الإنسان سيظل الأولوية القصوى غير القابلة لأي منطق تراتبي.