ما معنى أن لا تتردد حكومة عبد الإله بنكيران في تشجيع تشغيل القاصرات؟ هل يقع ذلك خارج «البنى المغلقة» التي يحتكم إليها الإسلاميون كلما تعلق الأمر بتدبير شأن يخص النساء؟ إن مشروع قانون 12/19 والمتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل للعمال المنزليين الذي حاولت هذه الحكومة عرضه على النقاش البرلماني، مشروع يسمح بتشغيل القاصرات والقاصرين ابتداء من 16 سنة؛ وهو ما يضعه في الجهة المعاكسة لمطلب الحقوقيين، كما يتموقع ضد الاتفاقيات الدولية، وضد توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وضد العقل الحداثي أيضا، ما دام الإسلاميون ومن يدور في فلكهم، لا يجدون غضاضة في الانكماش إلى تلك المرجعية الفقهية التي لا تكرم المرأة، بل ترهنها بتفسير معين للنصوص المؤسسة. وإذا كانت هذه الفئة الاجتماعية من القاصرات تمتهن في الماضي العمل بالبيوت مكرهة على ذلك، فاليوم تغيرت الأوضاع وتدفق ماء كثير حول الجسر. لذا، يجب إنصاف القاصرات ممن يزاولن العمل المنزلي كمساعدات لربات الأسر المغربية، وذلك بحماية حقوقهن. إن مشروع القانون الذي يحدد السن القانوني لتشغيل خادمات البيوت في 16 سنة، لم يستوعب أن المغرب مقيد دوليا بحقوق الإنسان، وبدستور ينتصر لهذه الحقوق، وأيضا بتطلعات المواطنين إلى قانون يحمي حقوق الخادمات وواجباتهن وآليات المراقبة ومجموعة من الإجراءات الزجرية في حالة مخالفة مقتضياته، ولم يستوعب أن المكان الطبيعي للطفل القاصر هو المدرسة، ولم يستوعب أن القاصرات- وهذا ما تثبته التجربة، ما زلن يقمن- خارج أي حماية- بالعديد من الأعمال المنزلية تحت رحمة سماسرة «يعتاشون» على هذه «المهنة». هكذا أعلنت المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات بكثير من الامتعاض والاستياء وبعميق الانتماء إلى كل الحركات الاحتجاجية المناضلة من أجل تجويد مرتكزات دولة الحق والقانون في بلادنا، تذمرها ورفضها التام لشرعنة الحيف والتمييز من خلال مشاريع قوانين تذهب في الاتجاه المعاكس لدولة المواطنة والحق، كما اعتبرت هذا المشروع تراجعا شديد الأهمية عن أوضاع الطفولة بالمغرب وخرقا لمصادقته على اتفاقية حقوق الطفل منذ سنة 1993 ومسا بحقوقه الأساسية في مجال النمو والمساواة والتربية والتعليم والحماية من كل أشكال الاستغلال الاقتصادي والعنف، وذلك في تعارض تام مع مقتضيات نفس الاتفاقية في المادة 32 القاضية بضرورة توفير جميع شروط حماية الطفل وتجنيبه كافة أشكال الإكراه على أي عمل يمكن أن يعرضه لمخاطر مساره الطبيعي نحو مرحلة الرشد المتزن والمتوازن. واعتبرت النساء الاتحاديات أن تشغيل العاملات والعمال المنزليين ابتداء من 16 سنة هو فتح لأبواب مشرعة على التسرب الدراسي وزواج القاصرات والاغتصاب والعنف بكل أشكاله، مؤكدة على أهمية مرحلة المراهقة بكل ما تتطلبه من عناية أسرية داخل البيت ومتابعة تكوينية بيداغوجية داخل المؤسسة التعليمية كفضاءين طبيعيين للطفلة والطفل في هذه المرحلة العمرية. إن محاولة تمرير مشروع تشغيل القاصرات يخفي فضيحة في مجال حقوق الإنسان. فهناك اليوم في المغرب، عشرات الآلاف من الفتيات ضحايا هذه الآفة، وذلك رغم توقيع بلادنا على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في جنيف بتاريخ 26 يونيو 1990 والتصديق عليها في 21 يونيو 1993 ! إن هذه الاتفاقية تنص على احترام مصالح الطفل الفضلى، وحماية القاصرين دون 18 سنة، من العمل القسري والتعرض لأعمال خطرة وأي عمل قد يهدد حقهم في التعليم أو صحتهم أو نموهم الجسدي والنفسي... وفي ماي 1995 أي سنتين بعد التصديق على هذه الاتفاقية، ثم إنشاء «المرصد الوطني لحقوق الطفل» المسؤول عن مراقبة تنفيذها. فأين نحن من كل ذلك مع هذا المشروع الحكومي الذي يجرنا إلى الخلف؟ نعم مازال مئات الآلاف من الأطفال محرومين من بيئتهم الأسرية ومن الحق في التعليم، وتتعرض العديد من الطفلات الخادمات للإيذاء، والاستغلال الاقتصادي ولأضرار عديدة معنوية و جسدية وانتهاكات سافرة لأبسط الحقوق التي تضمنتها الاتفاقية، فهل هذا المشروع هو الجواب الشافي عن كل هذا الإجرام في حق الطفولة، بل في حق المجتمع؟ هل إقرار إطار قانوني واضح لحماية القاصرين يعني تشغيلهم؟ المطلوب الآن وضع حملة ترافع لاستنهاض الضمائر، وتحسيس الرأي العام، من أجل حظر تشغيل الطفلات القاصرات كخادمات في البيوت، وفي غيرها من الأماكن، لأن المكان الطبيعي للطفل هو الانتماء إلى المدرسة.