كانت الندوة التي نظمها بمراكش يوم السبت 7 ماي الجاري، الفرع الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم فدش بجهة مراكشآسفي ومنظمة التضامن الجامعي والجمعية المغربية لمفتشي الثانوي حول «تمويل التعليم ضمانة للمستقبل»، فرصة للتفكير الجماعي في إشكالية تمويل التعليم بالمغرب وعلاقتها بإنتاج خدمة عمومية ذات جودة عالية تسمح لخريج المدرسة العمومية بكل المواصفات والقدرات التي تؤهله ليكون فاعلا في مجتمعه ومحيطه وداعما لمشروعه التنموي، وليس عاملا في إقصائه. الندوة التي تميزت نقاشاتها بانخراط جدي وفاعل لمختلف مكونات الجسم التربوي، مكنت من فتح منافذ متعددة لتحليل وتشخيص إشكالية تمويل التعليم العمومي بالمغرب وتقاطعت كلها في نقطة جد دقيقة، تتمثل في مشكل الحكامة التي لخصها المتدخلون في كون المغرب أنفق من الأموال على التعليم أكثر من دول في نفس مستواه، لكنه حقق نتائج أقل بالمقارنة مع هذه الدول، و خاصة في ما يتعلق بالجودة. وعن سياق تنظيم الندوة، أوضحت كلمة المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم التي ألقاها السعيد العطشان، أنه منذ سنة 2011 ينظم أسبوع العمل العالمي للتعليم الذي يهدف الى إشراك الإدارات العمومية،والمسؤولين السياسيين،والمانحين وكل الأطراف التي لهاعلاقة بقطاع التربية والتعليم لضمان الحق في تعليم جيد،مجاني، وشامل، وأن تحترم هذه المعايير بالنسبة لكل طفل وطفلة ولكل شاب وشابة في هذا العالم. ويأتي أسبوع العمل العالمي للتعليم 2016،المنظم في إطارالحملة العالمية «التعليم للجميع» بمساهمة الأممالمتحدة واليونسكو والأممية التعليمية، رافعا شعار: «الإنفاق على التعليم ضمانة للمستقبل» وأشار إلى أن النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، العضو البارز والنشيط في الأممية التعليمية التي تضم بين أعضائها أكثر من 140 دولة، وأكثر من 30 مليونا من المنخرطين، ظلت عضوا مساهما في كل الأنشطة المنظمة من طرف هذه الهيئة، وظلت عضوا نشيطا من خلال اقتراحاته، ومساهماته، ولعل آخر هذه المساهمات هي الحضور البارز في المؤتمر العالمي للأممية بأوتاوا الكندية، حيث لم يدخر الوفد الذي كان مكونا من عبد العزيز إيوي الكاتب العام للنقابة و خديجة بوجادي ومحمد آيت واكروش، جهدا في الدفاع عن قضايا التربية والمدرسة العمومية، والتصدي لكل المحاولات التي تستهدف القضاء على هذه المدرسة، وقال في هذا الصدد « لم تأل النقابة الوطنية للتعليم «ف د ش» جهدا في المرافعة من أجل حق التلميذ في تعليم جيد ومن أجل حق الأستاذ في ظروف معيشية وتربوية جيدة تحفظ له كرامته وحقه في العيش الكريم، ومن أجل فضاء تربوي جيد محفز وجذاب». وأكد سعيد العطشان أن النقابة اشتغلت من أجل الدفاع عن المدرسة العمومية في شتى المجالات المتاحة، سواء من خلال الاحتجاج وخوض المعارك دفاعا عنها، أومن حيث العمل على تقوية قدرات نساء ورجال في المجالات البيداغوجية، وتمكينهم من آليات الترافع لصالح المدرسة العمومية. وفي هذا الإطار قال «هذه الجهة التي نشتغل فيها الآن قد نالت نصيبا وافرا من هذه الأنشطة والتكوينات، ففي مجال برنامج تشغيل الأطفال من خلال محاربة الهدر المدرسي الذي تنظمه النقابة الوطنية للتعليم بشراكة مع النقابة التعليمية الهولندية aob والمركزية النقابية الهولندية ugt والنقابة الإسبانية iscood، استفادت منه خمس نقابات بالجهة بكل من مراكش والحوز، وكان من أهدافه محاربة الهدر المدرسي من خلال تحسين فضاءات المؤسسات المستهدفة بالبستنة والجداريات، وخلق سبل وآليات التواصل بين الأسرة والمدرسة، والاهتمام بالأطفال ضعاف البصر، والدعم التربوي بآليات بيداغوجية حديثة. ولايزال البرنامج مستمرا إلى الآن بكل من مدن أسفي ومدن الشمال. وأوضح أن المكتب الجهوي للنقابة الوطنية للتعليم لم يكتف بالتكوين فقط، بل اشتغل على المرافعة من أجل المدرسة العمومية بتنظيم أربع مسيرات احتجاجية دفاعا عنها سنوات 2010 و2011 و2012 و2013، كما دأب على المطالبة بتوفير شروط التعليم الجيد للجميع، من خلال المطالبة بتوفير الأقسام، والموارد البشرية الكافية، ومحاربة الأشباح. وقال العطشان «كان بودنا ونحن نتواجد بهذا الفضاء في مقر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، أن يكون من بين شركائنا مؤسسة الأكاديمية خصوصا بعد مراسلتنا لها وبعد مجالستنا للمسؤولين فيها، واقترحنا الموضوع، وخصوصا بعد التجارب السالفة التي شاركتنا فيها الأكاديمية، سواء خلال الملتقى الوطني للمدرسات والمدرسين العاملين بالوسط القروي، ونفس الملتقى ولكن هذه المرة على المستوى الجهوي، والملتقى الجهوي الأول والثاني للمرأة المدرسة، والندوة الجهوية حول الأطفال ذوي إعاقة، ولكن ما كل ما يتمناه المرء يجده». المتدخلون وهم رحال بغور عن دائرة الدراسات والأبحاث بالنقابة الوطنية للتعليم، وعبد العزيز لمسافري عن التضامن الجامعي، وجمال شفيق الكاتب العام للجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي، ومحمد قانون مفتش إقليمي، ومحمد آيت واكروش عضو المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم ، أجمعوا على أنه حان الوقت لمراجعة نموذج الحكامة المعتمد في تدبير قطاع التعليم بالمغرب، واعتماد نموذج فعال يضمن نتائج ملموسة داخل المدرسة العمومية، وفق تصور واضح لطبيعة العرض التربوي، والقطع النهائي مع أشكال التدبير المرتجل التي تقوم على اختيارات طارئة غير مرتبطة بمشروع محدد بدقة. مع ضمان فعالية أكبر للانفاق العمومي عبر الانضباط لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة للقطع مع أشكال التلاعب والإهدار للمال العام، مع الابتعاد عن التغليف السياسوي لهذه القضية واعتبارها ملفا وطنيا يتجاوز، كما ألح على ذلك الأستاذ سعد الطويل، الذي أصر على أن تدخله يظل شخصيا في انفصال عن أية صفة رسمية. المتدخلون ألحوا أيضا على ضرورة استثناء قطاع التعليم من أية سياسة تقشفية، وذلك بسبب حساسيته المرتبطة بالمشروع التنموي للدولة بشكل عام وبمستقبل البلاد . إذ أن أي مساس بالقطاع ينعكس بشكل مباشر على مستقبل التنمية ببلادنا. وكما أكدت على ذلك ورقة الندوة، فإن واقع ممارسة الحكامة في التدبير المادي والمالي للأكاديميات، يبرز بأن الدولة ما زالت تتحمل أكبر حصة للتمويل، في حين أن مساهمة الشركاء مثل الجماعات المحلية والمؤسسات الاقتصادية، تظل جد محدودة، كما أن حجم الإنفاق التربوي للدولة على المنظومة الذي يشكل %6 سنويا من الناتج الداخلي الخام أي ربع الميزانية العامة، وهو من أعلى النسب على الصعيد العالمي، لكنه يعرف توزيعا غير ملائم وغير متوازن بين الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. بالَإضافة إلى اختلالات تدبيرية، مما يؤثر على أثر هذا الإنفاق على مردودية النظام التربوي الداخلية والخارجية. ومن بين التوصيات التي تمخضت عنها الندوة ما أكد عليه عضو المكتب الوطني محمد آيت واكروش، من ضرورة اعتماد المساءلة والمحاسبة في مجال تدبير النظام التربوي ماديا وتربويا وفقا لما ورد في دستور 2011، الذي يخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمراقبة والمسؤولية، ويعتمد في تسييرها المبادئ والقيم الديمقراطية. وكذا ضرورة العمل على ترسيخ نهج اللامركزية واللاتمركز من خلال مراجعة الهيكلة الحالية للوزارة بما يضمن تحقيق الترشيد والمرونة والجودة وتوسيع تفويض الصلاحيات والاختصاصات من الوزارة إلى الأكاديميات ومنها إلى النيابات الإقليمية فالمؤسسات التعليمية، في أفق منح استقلالية أوسع للمؤسسات التعليمية، واكتفاء المصالح المركزية بالوظائف الاستراتيجية كالتأطير والتنظيم والتوجيه والمراقبة والتقييم ومراجعة تركيبة المجالس الإدارية للأكاديميات ودوراتها ولجانها التقنية، والعمل على ترسيخ المسؤولية وتحديدها في مختلف مستويات تدبير المنظومة التربوية وفق مهام محدودة وربطها بالمساءلة والمحاسبة، وتفعيل آليات المراقبة والتتبع والتقويم من خلال تعزيز الافتحاص الداخلي والخارجي للمنظومة التربوية بتفعيل وحدات للافتحاص والتدقيق على جميع مستويات اتخاذ القرار التربوي (مركزيا جهويا إقليميا ومحليا)، مع ضرورة عقلنة الموارد المادية والمالية والبشرية المتوفرة وتبسيط المساطر والقوانين، واعتماد أخلاقيات المهنة (الحقوق والواجبات والالتزامات).