وأخيرا ستكون للصينيين مدينتهم الخاصة في المغرب. فمن بين أبرز الاتفاقيات التي أبرمت خلال الزيارة الملكية الحالية للصين اتفاقية تتعلق بمذكرة تفاهم من أجل إحداث منطقة صناعية وسكنية صينية قرب طنجة، محققة بذلك مطلبا صينيا طال انتظاره. فعلى مدى أزيد من عقد من الزمن لم تفوت الدبلوماسية الصينية فرصة لطرح مشروع إنشاء مدينة صينية في المغرب على شاكلة «شايناتاون»، تكون عبارة عن منطقة نشاط مندمجة اقتصادية وسكنية وثقافية. وفي العديد من المرات كاد الحلم الصيني أن يتحقق، مرة في ضواحي الرباط ومرات في ضواحي الدارالبيضاء. غير أن التخوف من الاكتساح التجاري الصيني حال دون إتمامه. ورغم ذلك لم تتنازل الصين ولم تسمح بدخول المشروع طي النسيان. وجدد وين جياباو، الوزير الأول الصيني، طرح الفكرة بإلحاح خلال زيارته للمغرب في يونيو 2012، معبرا عن رغبة الصين في الحصول على منطقة نشاط خاصة لاستقبال الاستثمارات الصينية في المغرب، تأوي شركات صناعية ومنصات لوجيستيكية وحيا سكنيا ومرافق اجتماعية وثقافية. اليوم أصبح المشروع واقعا، تعززه الاتفاقيات التجارية والمالية المبرمة خلال الزيارة الملكية الحالية للصين، وإلغاء تأشيرة دخول المغرب بالنسبة للصينيين. ويكتسي هذا المشروع أهمية خاصة في السياق الحالي، خصوصا بالنظر إلى حركة إعادة توطين الشركات الصينية للعديد من أنشطتها خارج الصين في سياق التحولات التي يعرفها الاقتصاد والمجتمع الصيني وسعي شركاته نحو تدويل استثماراتها، والذي يتصادف مع رغبة المغرب في استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية ولعب دور منصة انطلاق تجارية تجاه إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. وتكشف الاتفاقيات المبرمة خلال الزيارة الملكية للصين، وعددها 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم، اهتمام المستثمرين الصينيين بالفرص التي تتيحها الطموحات التنموية للمغرب، خاصة المخططات التنموية القطاعية الرامية إلى تطوير الصناعات المرتبطة بالسيارات والطائرات والطاقات المتجددة والماء والبيئة والكهرباء والخدمات المالية والسياحة، إضافة إلى الشراكات الموجهة للاستثمار المشترك والتجارة مع إفريقيا والشرق الأوسط. وتضمنت هذه الاتفاقيات الاستثمار في منشآت صناعية بالمغرب منها مصانع لإنتاج خلايا وأجزاء مولدات الطاقة الشمسية، وسخانات الماء بالطاقة الشمسية، والحافلات الكهربائية، وتضمنت أيضا إطلاق عدة صناديق استثمار. ومن أبرز الاتفاقيات المالية التي وقعت خلال الزيارة الملكية اتفاقية التبادل المباشر للدرهم المغربي مقابل عملة الشعب الصيني (اليوان) بين بنك المغرب والبنك المركزي الصيني، والتي ستمكن البنك المركزي لكل بلد من توفير عملة البلد الثاني للفاعلين في مجال الاستثمارات والتجارة الخارجية دون اللجوء إلى عملة وسيطة، خاصة الدولار. وستمكن هذه الاتفاقية، التي تمتد على ثلاث سنوات، من إعطاء دفعة قوية للمبادلات التجارية والتدفقات الاستثمارية بين البلدين من خلال الامتيازات الكبيرة التي توفرها إمكانية الحصول المباشرة على النقود في عملة البلد الآخر، من دون وساطة الدولار مع ما يترتب عن هذه الوساطة من عمولات وفوائد مقابلة عملية الصرف وآجال إجرائها. فالأداءات التجارية والتدفقات الرأسمالية وتحويل الأرباح ستصبح أكثر سلاسة وبأقل كلفة، ما يعني أن المبادلات والاستثمارات بين البلدين مقبلة على عهد جديد. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق بين البنكين المركزيين لا يتعلق فحسب بالمتعاملين المغاربة وإنما أيضا بالأفارقة، ويرتقب أن يكون له وقع كبير على دور القطب المالي للدار البيضاء كجسر مالي بين الصين وإفريقيا. وكان "بنك الصين"، الذي يعتبر رابع بنك في العالم من حيث حجم الأصول،قد فتح فرعا قبل أسابيع في القطب المالي للدار البيضاء للاضطلاع بدور في هذا التوجه الاستراتيجي للمغرب كبوابة للقارة السمراء.