بدأت المؤسسة الإعلامية الرسمية في مصر، الخاضعة كلياً لتوجيه النظام، عملية «تطهير» داخلية كبرى، بعد سنوات طويلة من العمل كبوق للنظام, مما ألب عليها الشعب والعديد من العاملين في المجال الصحفي. وأحدث نجاح ثورة «25 يناير» التي انتهت إلى تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، تغيراً شاملاً وسريعاً في الإعلام المصري الرسمي والحزبي والمستقل، لجهة تحوله خلال بضعة أيام من عدم الاعتراف بالثورة والهجوم عليها واتهام المشاركين فيها بالخيانة والعمالة والتخريب، إلى تبني مطالبها والإشادة بمن قاموا بها. ويتمظهر التغيير في قرار نقابة الصحفيين المصرية بعقد جمعية عمومية لوضع أسس للعمل الصحفي خلال المرحلة المقبلة وإعلان قائمة مطالب على رأسها إقالة النقيب مكرم محمد أحمد وإلغاء المجلس الأعلى للصحافة وإطلاق حرية الإعلام وإنشاء الصحف وتداول المعلومات وعدم تسييس الصحف. وفي مجال الإعلام المرئي، شهدت الأيام الماضية عودة عدد من الوجوه الإعلامية إلى الساحة واختفاء وجوه أخرى أو تواريها حيث عاد الإعلامي محمود سعد للظهور مجدداً في برنامج»مصر النهارده» في التلفزيون الحكومي بعد أسبوعين من تجميده بقرار من وزير الإعلام السابق أنس الفقي بسبب تأييده لمطالب الثورة. وقدم سعد حلقتي السبت والأحد واستضاف فيهما وجوهاً كانت ممنوعة تماماً من الظهور في التلفزيون الرسمي, كما قدم خطاباً صريحاً ضم هجاء لممارسات البرنامج نفسه والإعلام الحكومي كله في الأيام العشرة الأولى من تفجر التظاهرات. وتحول الخطاب الإعلامي الحكومي بشكل واضح, بينما شهد مبنى التلفزيون المصري الكثير من الأزمات بدءاً من استقالة عدد كبير من العاملين اعتراضاً على ما يقدمه الجهاز وقنواته وصولاً إلى تفجر العديد من الاعتصامات في الداخل وصولاً إلى استقالة وزير الإعلام والمطالبة بإقالة مسؤولين بينهم رئيس قطاع الأخبار بالتلفزيون. وعاد الإعلامي عمرو أديب أمس الأول لتقديم برنامجه المتوقف «القاهرة اليوم» في فضائية «أوربت» السعودية بعد توقف 4 أشهر تقريباً عقب أزمة تفجرت بين القناة ومدينة الإنتاج الإعلامي قيل وقتها إن «أوربت» لم تدفع ديوناً قدرها أقل من مليون دولار. ولم يعلم حتى الآن مصير برنامج آخر بعنوان «مباشر مع عمرو أديب» بدأ ظهوره قبل أيام فقط على قناة «الحياة» الثانية كان أديب يشترك في تقديمه مع الإعلامية رولا خرسا، خاصة أن البرنامج لم يعرض منذ الجمعة الماضي حتى الآن. وكانت أنباء قد رشحت، الإعلامي عماد الدين أديب لمنصب وزير الإعلام الشاغر، وتحدث كثيرون حول كونه أبرز المرشحين للمنصب, لكن أديب، وفقاً لمقربين منه، نفى عزمه الموافقة على قبول المنصب نهائياً. وعلى صعيد الإعلام المكتوب، تشهد كل المؤسسات الصحفية التابعة للدولة والتي يطلق عليها «المؤسسات القومية» حالياً اعتصامات وإضرابات عدة للمطالبة بإقالة رؤسائها ومحاسبتهم عما وصف بوقائع فساد وإهدار للمال العام ورشوة ومحاباة. وغيرت تلك الصحف الخطاب الإعلامي لها بالكامل تجاه الثورة ومن قاموا بها وإزاء شخصيات شهيرة في المجتمع المصري كان لا يمكن المساس بها قبل أقل من شهر واحد, بحيث بات انتقاد وزراء ورجال أعمال نافذين في الحزب الوطني الديمقراطي «الحاكم» سابقاً أمراً اعتيادياً في كل وسائل الإعلام المصرية. وقالت سهى النقاش، مقدمة البرامج على قناة «النيل» الإخبارية الرسمية في حديث لوكالة فرانس برس، عندما بدأت التظاهرات المطالبة برحيل مبارك، كنا نتابع الأخبار على شبكة «بي بي سي» وقناة «الجزيرة». وأضافت «كانوا يلزموننا أن نقول إن الهدوء عاد إلى شوارع القاهرة, في حين كانت البلاد تعيش حالة من الغليان، كان ذلك مؤلما . وتابعت قائلة «نحن، الذين كان يفترض بنا أن نكون المصدر الأساسي للأخبار، كنا نقول أن لا شيء يحدث».