أضحى موضوع المطرح العمومي بالدارالبيضاء، على رأس اهتمامات المدبرين للشأن المحلي بعدما استنفد المطرح الحالي لمديونة طاقته الاستيعابية ولم يعد يتحمل أكثر من ستة أشهر من حمولة النفايات التي يستقبلها، وهو ما دفع المسؤولين إلى الدخول في ماراطون مضن ضد الساعة، لتوفير عقار جديد لإحداث مطرح بديل بمواصفات تستجيب للمعايير الدولية في مجال البيئة. ولعل أول مشكل واجه المدبرين للشأن المحلي، هو رفض ملاك «عقار أرضي» يوجد بتراب المجاطية أولاد الطالب، ينوي المسؤولون إقامة المطرح الجديد فوقه، إتمام عملية البيع التي تم الاتفاق عليها إبان ولاية العمدة السابق على رأس الجماعة الحضرية للدار البيضاء. مساحة الأرض التي تحولت إلى عرقلة لإحداث مرفق لاستجماع نفايات العاصمة الاقتصادية تصل إلى 35 هكتارا، وقد عرض المجلس الجماعي البيضاوي على ملاكها مبلغ 4 ملايير و400 مليون سنتيم لاقتنائها ،أى بسومة حددت في 125 درهما للمتر مربع، لكن ملاك الأرض فاجؤوا المسؤولين مؤخرا بالرفض، بعلة أن أجل الاتفاق السابق قد استنفد، وبالتالي، فإن الملاك هم في حل من الالتزام السابق. لم يكن هذا هو العائق الوحيد، الذي واجه مسؤولي الدارالبيضاء، بل إن المجلس الاقليمي لمديونة قرر في إحدى دوراته السابقة عدم السماح بإقامة مطرح للنفايات خاص بالدارالبيضاء بتراب نفوذه مالم يستجب هذا المرفق للمعايير الدولية ولن يكون مصدر إزعاج لساكنة الاقليم. رقعة الرفض من لدن الجماعات المعنية أراضيها بهذا المرفق، ستتسع حين عقدت مؤخرا جماعة المجاطية أولاد الطالب دورة ناقشت هذه النقطة، وتم التصويت بالاجماع على رفض إقامة هذا المشروع في الأراضي التابعة لها. وخلال محاولات المسؤولين البحث عن بديل آخر في جماعة أخرى قريبة من الدارالبيضاء، بدأ الحديث عن جماعة أولاد صالح ،فسارع رئيسها في لقاء رسمي أمام والي جهة الدارالبيضاءسطات، إلى اعلان رفض مجلسه استقبال هذا المشروع. كل هذه المعطيات ستدفع بمجلس مدينة الدارالبيضاء إلى البحث عن سبل أخرى بتنسيق مع الوالي. ولعل أول إجراء سيقدم عليه المدبرون هو سلك مسطرة نزع الملكية بعدما تم وضعها للمصادقة في جدول أعمال دورة ماي المقبل، وبعد ذلك سيتم الدفع في اتجاه يجعل المجالس التي صوتت برفض المشروع، تعقد دورات استثنائية لإصدار مقررات جديدة تقضي بالقبول. الأخبار الأخيرة التي نتوفر عليها ،هي أن المفاوضات مع الملاك قد تفضي إلى حل حبي دون المرور عبر مسطرة نزع الملكية... في هذا العدد من جريدتنا، وفي انتظار الحلول الممكنة لإحداث المطرح الجديد الذي سيستجيب لمعايير البيئة المعمول بها عالميا، وفي العواصم الكبرى، نقوم بإطلالة على وضع المطرح العمومي الحالي، الذي أضحى يشكل محمية للبعض ،وورشا مدرا للأرباح المالية الخيالية، ومجمعا انتخابيا لبعض النافذين، ومرتعا لتربية الماشية، وملاذا للفارين من العدالة، من خلال تقرير أعده رئيس لجنة التعمير بمجلس مدينة الدارالبيضاء ، بميادرة شخصية ، حصلنا على نسخة منه. بدايات الاستغلال منذ سنة 1984، أحدث المطرح العمومي المعروف بمطرح مديونة بتراب الجماعة الحضرية المجاطية أولاد الطالب بإقليم مديونة ، وهو يمتد على مساحة 86 هكتارا، يستقبل يوميا ، ما بين 3000 و6000 طن من النفايات المختلفة القادمة من مختلف أطراف حاضرة الدارالبيضاء. في سنة 2008 ،ونظرا لسوء التدبير الذي عرفه المطرح والمشاكل التي خلقها على المستوى البيئي خصوصا، وما أصبح يشكله من تهديد لأرواح الناس على مستوى الطريق الرئيسية المؤدية إلى منطقة مديونة، سيعمد مجلس مدينة الدارالبيضاء إلى الاتجاه إلى نمط التدبير المفوض، حيث تم تفويض تدبير هذا المرفق إلى شركة »إيكوميديا« في اطار اتفاقية تهدف إلى إقفال مطرح النفايات وفتح آخر جديد بمواصفات عصرية، وذلك في سنة 2010 ، وهو الهدف الذي لم يتحقق. هذا الفشل نتج عنه الاستمرار في استغلال مطرح مديونة بشكل خطير يهدد حاضرة الدارالبيضاء على أكثر من مستوى، حيث أصبح نقطة شديدة السواد تتقاطع فيها المخاطر البيئية والاجتماعية والأمنية والصحية. وقد طبع هذا المطرح العمومي بمشاكل عقارية واختلالات تدبيرية و»تحت بنيوية» منذ ، رعى استمرارها عدم احترام القانون وغياب المقاربة التشاركية الجامعة والضامنة لمساهمة جميع الأطراف ذات الصلة وكذا غياب آلية جماعية للتتبع المستمر المشاكل العقارية رسم تقرير رئيس لجنة التعمير بمجلس المدينة خريطة المشاكل والمعيقات والاختلالات التي يعرفها هذا المطرح حسب الأولويات،فالعقار الذي يوجد عليه المطرح العمومي لمديونة، هو عقار متنازع عليه، إذ سبق أن صدر حكم بشأنه من طرف السلطات القضائية يفيد بأنه ليس في ملكية المجلس الجماعي البيضاوي ما قد ينتج عنه تعويض ضخم عن الاستغلال بدون سند قانوني للترامي علي ملك الغير. وسجل التقرير أيضا المشكل العقاري الآخر المتعلق بالمطرح الجديد، إذ لم تستكمل إجراءات اقتنائه لتراجع مالكي العقار عن بيعه، رغم وفاء المجلس بالتزامه، حيث وضع بين يدي الموثق المبلغ مقابل البيع داخل الأجل المتفق عليه. ومن جهة أخرى، قرر كل من المجلس الإقليمي لمديونة ومجلس جماعة المجاطية أولاد الطالب، رفض استقبال المطرح بترابهما. وهو قرار لم يحترم الاتفاقية الموقعة بين مجلس جماعة الدارالبيضاء والمجلسين المذكورين، حيث ينص هذا الاتفاق في البند السادس منه، على وجوب حل أي اختلاف بين أطراف الاتفاق ناتج عن تطبيقه، أو تأويل بنوده في إطار حبي، وفي حالة الاستحالة اللجوء إلى تحكيم الوالي. والملاحظ أن مجلس جماعة الدارالبيضاء لم يفعل إلى يومه ، هذا البند، ومنع نفسه من التفكير في بديل عن هذا العقار وهو أمر غاية في الاستعجال باعتبار أن المطرح الحالي سيصل أقصى قوته الاستيعابية في شهر أكتوبر من السنة الحالية. ولن تجد عند حلوله حاضرة الدارالبيضاء مكانا لنفاياتها، متزامنا كل ذلك مع تنظيم المغرب لكوب 22؟ الاختلالات التدبيرية سجل التقرير، غياب حلقة الفرز في منظومة تدبير هذا المطرح وكذا غياب مراقبة الولوج إليه، وعدم تهيئة الأرض لاستقبال النفايات بشكل يمنع إعدام الفرشة المائية، وهو واقع الحال اليوم. وبغياب حلقة الفرز في منظومة تدبير المطرح، والإكتفاء بعملية طمر النفايات، وهي عملية غير فعالة، تزاد عدم فعاليتها بضعف الآليات المخصصة لذلك، اختلت المنظومة وحلت محلها منظومة عشوائية، تشعبت امتداداتها ويباشرها ما يقارب 2000 شاب بشكل عشوائي وخطير ومهين «نجحت» فيما عجز المدبرون عنه ، وهو تثمين النفايات. كما أن المطرح أضحى مرعى ل 20.000 من رؤوس المواشي بين غنم وبقر، بما يشكله ذلك من خطر حقيقي على صحة البيضاويين وغيرهم. وفي استهتار تام، تسجل الشركة المكلفة بحراسة المطرح، في سجل المتغيين الدائمين، ما فتح الباب أمام فوضى عارمة ، وفي هذا الصدد يلاحظ أن جل من تشغلهم هذه الشركة، هم من أقارب ومعارف الجوار، ما يشكل تداخلا في المصالح. الاختلالات" تحت بنيوية" يوجد المطرح بأرض لم تهيأ، أبدا لاستقبال النفايات بشكل مهني، ما نتج عنه تدمير للفرشة المائية، ويسيج المطرح سور وجوده كعدمه، حيث أن دخول المطرح على سبيل المثال لا الحصر، بالنسبة للمواشي، يتم بالآلاف من الباب الرئيسي بالليل والنهار، شأنه شأن الشاحنات الفارغة التي لا تدخل المطرح، لتحميل ما تم فرزه بالداخل وإخراجه قصد بيعه محليا أو تصديره. هذه المشاكل والإختلالات المختلفة، نتجت عنها عواقب وخيمة على أكثر من مستوى. على المستوى البيئي يشكل المطرح نقطة سوداء تركز فيها التلوث الهوائي والمائي، يعاني منه الإنسان والحيوان من الجوار وغيره. على المستوى الصحي إن ما يمارسه الشباب داخل المطرح من عمليات الفرز وغيرها بشكل عشوائي، وفي غياب أي تأطير من أي نوع كان، يشكل خطرا صحيا حقيقيا، حيث إنه من الثابت أن نفايات صناعية وطبية توجد بالمطرح. على المستوى الأمني يشكل العلو اللامتناهي، لتراكم النفايات خطرا حقيقيا، لقوة احتمال الإنزلاق نحو الطريق، كما أن مادة «ليكسيڤيا» إن غطتها تشكل خطرا كبيرا على مستعملها، ما قد تنجم عنه حوادث خطيرة، للتذكير فقد غمرت هذه المادة ربع دوار لحلايبية عند شتاء 2015. ويشكل الغاز المنبعث من النفايات تهديدا يوميا، بل في كل دقيقة، باندلاع حريق مهول، خاصة وأن المختصين، يقرون بأن طبيعة النفايات الرطبة، تسمح بالاندلاع التلقائي للحرائق. على المستوى الاجتماعي لقد فرض هذا المطرح على الجوار فرضا وتعامل معه أبناء الدواوير المجاورة تعامل المضطر غير المخير، وأصبح مع مرور الزمن مصدرا لرزقهم، ويكلفهم ذلك صحتهم، لأجل ذلك وجب استحضار البعد الاجتماعي عند كل مقاربة ترمي إلى حل هذا الاشكال الكبير.