بكشفها فظائع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، كان يفترض أن تسمح لجنة الحقيقة والمصالحة بشفاء جروح الماضي. لكن بعد عشرين عاما، انتهى عدد قليل جدا من القضايا بمحاكمات في إخفاق كبير نسبه خبراء إلى «ضعف ارادة» السلطة الحالية. ولا تعرف والدة نوكوتولا سيميلان الناشطة ضد الفصل العنصري التي فقدت في 1983 اين القي جثمان ابنتها. اما شقيقة نيل اغيت الذي خضع للتعذيب من قبل شرطة جوهانسبورغ، فتنتظر محاكمة من عذب اخيها. ويلخص الاسقف السابق ديسموند توتو الوضع بمرارة قائلا «المهمة لم تكتمل»، وذلك خلال عرضه حصيلة عمل لجنة الحقيقة والمصالحة التي اوحى بها وترأسها من 1996 الى 1998 من اجل القاء الضوء على الجرائم السياسية التي ارتكبت خلال نظام الفصل العنصري. وقبل عشرين عاما في منتصف ابريل 1996، عقدت اول جلسة علنية للجنة في بلدية ايست لندن (جنوب). وكانت الآمال المعلقة على هذه اللجنة كبيرة جدا. واشعل ديسموند توتو الذي كان يرتدي ثوب الاساقفة، شمعة قبل ان تتوالى الشهادات حول الفظائع التي وقعت خلال نظام الفصل العنصري من القاء طالب من طائرة في الجو الى تكديس جثث فوق كومة من المتفجرات لتدميرها، وتعذيب ناشطين باغراق رؤوسهم في المياه. ومقابل اعترافات كاملة في الجلسات التي يبثها التلفزيون مباشرة، كان يمكن منح الشرطيين والعسكريين والوزراء عفوا عن جرائمهم السياسية، في مفهوم ثوري يهدف الى تجنب حرب اهلية في جنوب افريقيا التي كانت على شفير الفوضى. وقد طبقت هذه التجربة في دول اخرى. وتلقت اللجنة حوالي سبعة آلاف طلب عفو ومنحت ألف شخص هذا العفو وأوصت القضاء بملاحقة اكثر من 300 قضية. لكن اليوم تبدو النتيجة مخيبة للآمال. ويقول توتو ان «عددا قليلا جدا من القضايا خضعت لملاحقات قضائية، بينها خصوصا تلك المتعلقة بوزير القانون السابق ادريان فلوك الذي حكم عليه في 2007 بالسجن مع وقف التنفيذ لانه اراد تسميم رجل الدين فرانك شيكان. وقال المحامي هاورد فارني لوكالة فرانس برس ان «زيارة عائلات لقبور ابنائها منذ عقود بدون ان يعرفوا ما حدث لهم امر لا يغتفر». واضاف ان «تخلي الحكومة التي كانت تمثل قوى التحرير عن شعبها امر لا يغتفر ايضا»، مشيرا الى المؤتمر الوطني الافريقي، رأس حربة مكافحة الفصل العنصري والحاكم منذ 1994. وقالت ثيمبي نكاديمينغ شقيقة نوكوتولا سيميلان التي تعرضت للتعذيب ثم فقدت في 1983 ان «الحكومة خانتنا». ويقول محاميها هاورد فارني انه «تم ادخال العائلة في متاهة لسنوات. الشرطة قالت انه ليس لديها محققون ثم اشتكى المدعي من ان المحققين لم يكونوا يملكون الخبرة ثم ضاع ملف التحقيق لمدة عام». وفي نهاية المطاف وجه الاتهام الى اربعة شرطيين، في قرار يصفه ديسموند توتو ب»التاريخي». وستبدأ محاكمة هؤلاء في 25 يوليوز وتثير املا كبيرا لدى عائلات الضحايا مثل اسرة نيل اغيت النقابي الابيض الذي توفي بعدما تعرض للتعذيب ستين ساعة. واحد الذين قاموا بتعذيبه يدعى ستيفان وايتهيد، لم يمثل امام اللجنة ولم يحاكم. ولخصت مارجوري جوبسون التي تنتمي الى جمعية «خولوماني» لدعم ضحايا الفصل العنصري ان «لجنة الحقيقة والمصالحة سمحت بوضع حد لانكار البيض حيال الفظائع التي ارتكبت لكنها لم تقتص لضحايا الابارتايد». (أ. ف. ب)