معرض الطاهر بنجلون بالرباط.. عالمٌ جميلٌ "مسكّن" لآلام الواقع    حادث اصطدام عنيف بين ثلاث سيارات يُخلف مصابين باكزناية    دينامية شبابية متجددة.. شبيبة الأحرار بأكادير تطلق برنامج أنشطتها بروح المبادرة والتغيير        مارك روبيو: واشنطن ما تزال تؤمن بأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد لقضية الصحراء    الجيش يغادر دوري أبطال إفريقيا    الشعباني: "التأهل لم يُحسم بعد"    النفط يهبط لأدنى مستوى منذ 4 سنوات.. تراجع سعر البرميل إلى أقل من 60 دولارًا    توقيف شابة لتورطها في تسجيل ونشر محتويات رقمية تحرض على العنف والتشهير    توقيف شابة لتورطها في نشر محتويات رقمية تتضمن تحريضاً وإشادة بأفعال إجرامية ضد فتاة    الهجرة الجديدة من "بلاد كانط".. خوف من المستقبل أم يأس من التغيير؟    تساؤلات حول مصير سفير الجزائر بواشنطن بعد تجديد الدعم الأمريكي لسيادة المغرب على صحرائه الغربية    انتخاب المغرب في مكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان داخل الاتحاد البرلماني الدولي    الولايات المتحدة الأمريكية تجدد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء    الترويج لوجهة المغرب: لONMT يطلق جولة ترويجية كبرى بتورنتو وبوسطن وشيكاغو    الراية المغربية ترفرف في باماكو وسط احتجاجات ضد دعم تبون للإرهابيين    دوري أبطال أوروبا.. أرسنال يصعّب مهمة الريال وإنتر يهزم بايرن في ميونيخ    توقيع اتفاقية شراكة بين مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني ووكالة إنعاش وتنمية الشمال    قرعة بطولة العالم لكرة اليد للناشئين أقل من 19 سنة (مصر 2025) .. المنتخب المغربي في المجموعة الثانية    لشكر يُشهر ملتمس الرقابة.. وأوزين يُحرج نواب الاستقلال أمام "الفراقشية"    المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    تتويج وكالة "الاستثمارات والصادرات"    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الدولي المغربي رومان سايس يستكمل بروتوكول علاجه بالمغرب    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    أخبار الساحة    دروس ما وراء جبهة الحرب التجارية    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي مبارك ربيع يتحدث للاتحاد الاشتراكي عن الوضع الفكري والثقافي بالمغرب في ظل التحديات الراهنة

في استقبالنا للروائي والكاتب المغربي مبارك ربيع بمكتب الجريدة بالرباط، تداولنا مع ضيفنا كافة التحديات التي تواجه المثقف المغربي في ظل تداعيات ما سمي بالربيع العربي على ساحتنا الثقافية والفكرية، ولم يغب العامل السياسي عن نفس الأسئلة، التي اخترنا أن تكون في قلب هذه التحديات التي شملت المحيط الإقليمي والجهوي والدولي لبلادنا ، وفي جملة نواة في الحوار قال ضيفنا «أنه من السهل جداً الإشارة بأصابع الاتهام أو التبخيس لفاعل ما، في المعترك المجتمعي، كما يحصل اليوم في الإشارة السلبية للمثقف، باعتباره متخلفاً عن دوره، أو أنه تحول عن موقعه، إلى الأقل فاعلية والتزاماً بما يجب عليه، مؤكدا أن هذا المنظور مجانب للصواب في تحميل المثقف أكثر مما يجب، وأن جوهر عمل المثقف ودوره الذي يتركز بالأساس، في إنتاج القيم حسب مجالاتها المختلفة وأنماط تجلياتها، يثير تفاعلات ويثمر تحولات، لكنها ليست آنية ولا مباشرة بالضرورة، باعتبار أن التواصل مع الغير ليس سالكاً مطواعاً، إذ تعتريه عوائق وصعوبات.
وفي ما يلي نص الحوار:
p الأستاذ مبارك ربيع ،مرحبا بكم في حوار لجريدة الاتحاد الاشتراكي، نبدأه بواقع العمل الثقافي في بلادنا ، ما هو تقييمكم للوضع العام الفكري والثقافي من موقعكم كممارس في الكتابة والمتابعة؟
n قد يكون من الصعوبة بمكان، لمن يوجد داخل مشهد ما، أن يتصوره ويحكم عليه بموضوعية، لكن عندما يصبح الأمر في حدود الظاهرة، أي بمعنى أنه يصبح طابعاً مهيمناً، أو وضعاً مزمناً، فليس من المغامرة ولا من الخطورة في شيء، إعطاء بعض التوصيفات المتعلقة بمشهدنا الثقافي؛ وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الحضور المغربي من حيث الإنتاج الثقافي على كافة المستويات العربية، كما أن العالمية ولو في حدود، باعتبار أدب المغاربة المكتوب باللغات الأجنبية وبخاصة الفرنسية، وهو ما لم يعد ،بحكم الواقع، أن نتجاهل وجوده وانتماءه، علاوة على المكتوب حالياً بالأمازيغية، والذي يتعذر الحكم على قيمته لأسباب موضوعية، لكنه عملياً ودستورياً، مكون من المشهد الثقافي العام لمجتمعنا؛ هذا الحضور، بقدر ما هو متنوع، بقدر ما هو مختلف في مستويات قوته الذاتية وفي مستوى هذا الحضور ذاته.
يجب التأكيد هنا على ما يعتبر كلاسيكياً في مظاهر الوضع الثقافي في بلدنا، وهو مجال الدراسات الإنسانية واللغوية وما يرتبط بها، فمثل هذا المجال، كان الفكر المغربي دائماً يضرب فيه بسهم وافر؛ وتجليات ذلك في المرحلة الحالية من تاريخنا الفكري، ابتداء من مرحلة الاستقلال على الأقل، وبخاصة في مجال التحليل التاريخي والسياسي الاجتماعي للثقافة والفكر العربي في مراحله المختلفة، يشكل مرجعية أساسية لا غنى عنها، وإضافة علمية مشهود بها، كما أنه يعتبر بكيفية ما، استمرار للمدرسة المغربية، بما عرفته طوال فترات تاريخية سابقة، في نتاجات أمثال ابن خلدون، وابن رشد وابن الأزرق وغيرهم.
بيد أن نتاجات ثقافية أخرى، يمكن القول بصددها إنها بنت المرحلة التاريخية المعاصرة، بكافة مكوناتها وثمرة المخصبات الأجنبية، ونعني بذلك مجالات الإبداع الثقافي الفني، ولاسيما الإبداع الأدبي في فنون السرد وكذا التشخيص والتشكيل وغيرها، مع اختلاف في درجات تفاعلها وانتماءاتها لمختلف التيارات الفكرية والمذاهب الفنية؛ وهذه بدورها رغم حداثتها أو «ابتداعيتها» إذا صح التعبير، استطاعت أن تحوز للمغرب وضعاً مرموقاً في المشهد الثقافي العام،- العربي على وجه الخصوص ،وحتى العالمي في بعض المجالات والاعتبارات بناء على المؤشرات المتداولة والسائدة، حتى وإن لم تكن وافية ومؤهلة بالقدر المطلوب؛ ويمكن القول أن الأمور سائرة بالإيجاب في هذا الاتجاه، وهو ما يعبر عن انزياح عن طريق التحول التدريجي، لما يعتبر مركزية ثقافية عربية مألوفة؛ ويضاعف من وتيرة هذا التحول، دمقرطة وسائل الاتصال والتواصل الثقافي، بمعنى شيوعها مما يجعل الفعل الثقافي أسهل وأيسر إنتاجاً وترويجاً مع سلبيات لا تحفى في هذا المظهر كما يساهم في ذلك بكل وضوح، جهود ومؤسسات ثقافية، وراءها قوة مالية اقتصادية بالأساس، من خارج المركزية الثقافية المعهودة، متمثلة في دول الخليج العربي، مع خصوصية إنتاجها الثقافي أيضاً.
في هذه المظاهر والمجالات الثقافية، يمكن القول إن الأمور متنامية لصالح الإنتاج الثقافي المغربي، وتسير في وضع ذاتي طبيعي، مع ملاحظة أن عالمية الإنتاج الإبداعي المغربي على وجه الخصوص والعربي على وجه أعم، وبخاصة في مجال الإبداع الأدبي، يقف في طريقها عائق اللغة التي يكتب بها، وهي العربية، وذلك في ضوء ضعف حركة الترجمة من العربية من جهة، والتبعية الثقافية الاقتصادية من جهة ثانية، وهو ما يعني أن معيار ما يسمى أو يعتبر «عالمية» في عالمنا اليوم، لغوي بالأساس وقبل كل شيء، بالإضافة إلى عوامل أخرى مختلفة، وهذا العائق يشمل بفعله البحوث العلمية أيضاً، إذ مفتاح عالميتها المبدئي، يتمثل في اللغة التي تنجز بها أو تنقل إليها.
ومهما يكن من مستوى ما يتحقق اليوم من قيمة، للإنتاج الثقافي المغربي بكافة مظاهره، فإنه يتطلب إيلاءه الأولوية في التخطيط والتأهيل على جميع المستويات، بدءاً من تجويد المنظومة التربوية لتكون مؤهلا للإبداع والابتكار، إلى التجهيز وإقامة الفضاءات والمؤسسات الثقافية، إلى رعاية الاستعدادات والمواهب الإبداعية، بكافة اتجاهاتها وفي سائر مراحل نموها وتطورها.
وعلى العموم، لا يمكن لوضعنا الثقافي العام، أن يعطي ثماره بما يتناسب مع الموقع الحضاري الثقافي الجيوسياسي لبلدنا، إلا بتبني رهان الاستثمار الوطني في هذا المجال.
p لا يختلف اثنان أن هناك تحديات كبرى في المحيط الإقليمي والجهوي أرخت بظلالها على الأسئلة الفكرية،و السياسية والثقافية والاجتماعية والمعرفية بصفة عامة، كيف ترون تعامل المثقف المغربي مع هذا الوضع خصوصا وأن أصبع الاتهام وجهت إلى المثقف العربي في انتقاد حاد لانزوائه وعدم استيعابه لحجم التحديات الفكرية بالأساس؟
n يبدو لي أن كثيرا من المغالطات تحيط بوضع المثقف بالأمس واليوم، يتمثل مدخلها في العلاقة بين الثقافي وغيره من مجالات العمل والممارسة اليومية، وبخاصة في الشق السياسي من مظاهرها.
وبهذا الخصوص، من السهل جداً الإشارة بأصابع الاتهام أو التبخيس لفاعل ما، في المعترك المجتمعي، كما يحصل اليوم في الإشارة السلبية للمثقف، باعتباره متخلفاً عن دوره، أو أنه تحول عن موقعه، إلى الأقل فاعلية والتزاماً بما يجب عليه؛ ويبدو هذا المنظور مجانب للصواب في تحميل المثقف أكثر مما يجب.
ولابد في البدء من توضيح جوهر عمل المثقف ودوره الذي يتركز بالأساس، في إنتاج القيم حسب مجالاتها المختلفة وأنماط تجلياتها، سواء تمثلت في شخصيات أو صور ذهنية أو حركات تجسيدية وغيرها، وهي قيم إنسانية تشتغل على اكتشاف الروعة وإنتاجها والإشعار بها، وذلك في مختلف الميادين الجمالية والسلوكية والفكرية؛ ومن شأن الاشتغال على هذه المستويات، أن يثير تفاعلات ويثمر تحولات، لكنها ليست آنية ولا مباشرة بالضرورة، باعتبار أن التواصل مع الغير ليس سالكاً مطواعاً، إذ تعتريه عوائق وصعوبات، علاوة على أدوات المثقف نفسها ومدى نجاعتها، من حيث أنها الكلمة أو الصورة أو ما إلى ذلك.
وبالموازاة مع هذه الفاعلية يمتلك المثقف تصوره عن التغيير نحو الأفضل وباتجاه الأجمل والأروع في كل شيء دون حد أو سقف، بمعنى أن التوق إلى الديموقراطية مثلا وتصورها، لا يتوقف عند المثقف بمجرد تحقيق نموذج من ذلك مهما يكن، بل إنه يتجاوزه إلى البديل الأفضل ،مع عامل النسبية دائماً؛ ولهذا عندما نقوم اليوم بمتابعة وتحليل عمل المثقف في العشرية الأخيرة أو العقدين الأخيرين، وبخاصة قبيل وأثناء وبعد «الربيع العربي»، فهي لا تخلو في أي مظهر من مظاهرها من سمات التطلع للبديل وإشعاع مبدإ التغيير والانحياز إلى القيم الإنسانية، وذلك واضح في الأعمال الإبداعية على اختلافها، كما في الندوات والبحوث وغيرها، فما هو هذا الدور المفقود للمثقف اليوم؟
إن كان شيء من ذلك، فهو يلتمس خارج السمات المشهدية المذكورة، إنه يتمثل في ما يراد للمثقف أن يكون عراباً للسياسي، كما أثمر ذلك عصر الإديولوجيات، وكما تجلى في نماذج من سلطة المثقفين عندما أتيحت لهم عبر العالم وليس في المغرب فحسب فرص ذلك فلم يكونوا في مستوى البديل الثقافي المنشود، إن لم ينتجوا أخطاء كارثية، مقارنة بما كان ينتظر منهم، ومن المنظور الثقافي على الأقل؛ والأمر هنا لا يدعو إلى التباس، فموقع ووظيفة السياسي، والقيادي الحزبي، ورجل السلطة، لا يصدر بالضرورة عن موقع ووظيفة المثقف التي هي فكرية بالأساس، حتى لو كان الأمر يتعلق في الأصل بمثقف.
ويبدو واضحاً أن التطورات والمتغيرات التكنولوجية والمجتمعية الخاصة والسياسية العامة في عالم اليوم، لها تفاعلاتها المنتجة في تصور المثقف لدوره ووظيفته، مما يجعله مختلفاً عما كان عليه بالأمس، لكن ذلك لا يعني أبداً غيبته أو حياديته، بقدر ما يعني أن خبرته وتجربته من جهة، والمستجد في شروط الفعل الثقافي اليوم، تجعل المثقف أكثر تشبثاً بالحرية، وأقوى سعياً وأعمق بحثاً، باتجاه الفرادة والتميز.
n نلامس في هذا الصدد حجم التراجعات التي عرفتها بلادنا ، في ظل ما سمي الربيع العربي ابتداء من 2011 إلى 2016 وتعيش مؤسساتنا التدبيرية، وعلى رأسها الوزارة الوصية على القطاع الثقافي خريفا حقيقيا، لم تستكمل فيه الأوراش الكبرى التي بدأتها حكومة التناوب في السير نحو العمل المؤسساتي ،ولم تفتح فيه أوراش حقيقية في ظل دستور ينتصر للثقافة والفكر والتنوير ،في الوقت الذي توجه فيه المشرفون على قطاع الثقافة إلى العمل التجزيئي في المعالجة مما حول التعامل مع المثقف إلى تعامل مع إنسان يحتاج الحماية في جسم مريض؟
n فيما يخص انعكاسات «الربيع العربي» والحديث عن تراجعات ترتبط بالمجال الثقافي، يمكن اعتبار ذلك على مستوى عربي عام من جهة، وعلى مستوى خاص من جهة أخرى.
أما على المستوى العربي العام، فهو واضح ومادي محسوس، أقل مظاهره متمثلة في مستويات النشر والتوزيع، إذ حسب الملموس والمصرح به، أن ساحات ثقافية عربية واسعة، ولنقل مساحات شاسعة، لم تعد مجالا للتبادل والتداول الثقافي ولا سوقاً للكتاب، بقدر ما أضحت أسواقاً للسلاح ومجالات للاقتتال والتبادل الحربي؛ هذا جانب كارثي عام ومؤكد؛ أما الجانب الخاص سواء منه المتعلق بهامش التداول الثقافي المتبقي ضمن هذا الوضع المتردي، وعلى الأخص منه، الجانب المتعلق بمشهدنا الثقافي المغربي، فيعتريه الكثير من القصور؛ وباعتبار المغرب يكاد يمثل البلد العربي الوحيد الذي تعامل بإيجابية مع أحداث الربيع العربي، ونجح في تجربته إلى حد بعيد ولا يزال، فإن مكتسباته على المستويات السياسية والاجتماعية والديموقراطية عموماً، لم تنعكس بالشكل الملائم على الشأن الثقافي؛ وأقل مظاهر ذلك، أن الانتظار لا يزال نصيب كثير مما جاء به دستور 2011 في هذا الشأن، بينما أمكن للعديد من الهيئات والمؤسسات الدستورية منها والسياسية والاجتماعية والإدارية الترابية التي جاء بها هذا الدستور، أن ترى النور؛ ناهيك عما يرتبط وثيق الارتباط بالمجال الثقافي، من أسئلة لسانية لغوية، ومن معضلات بيداغوجية، لم تتضح طرق معالجتها والحسم فيها بعد.
وهذا كله له انعكاسات سلبية على المشهد الثقافي المغربي، علاوة على ما ظل يشكو منه طيلة المراحل السابقة لما قبل «الربيع العربي»، وعبر كافة المؤسسات التنفيذية، لدرجة يمكن القول معها إن مجالنا الثقافي المغربي، يكاد يمثل استثناء بين كافة المجالات الإنمائية في انعدام الديموقراطية التشاركية على العموم، إذ باستثناء فلتات متفاوتة وتبقى منقوصة إلى حد كبير، باعتبار مخلفاتها وما نتج عنها مباشرة وبطريق غير مباشر، أو بما لم ينتج عنها على الأصح، في ما سمي مناظرات وطنية ثقافية، لم يحصل ما يعتبر تركيباً ممنهجاً، للشأن الثقافي أو استخلاصاً موضوعياً (استقرائياً) لمعضلاته وأسئلة النهوض به؛ علماً بأن نماذج حية كثيرة، عالمية وعربية، تفيد أهمية الاستثمار في المجال الثقافي، وذلك بمعايير العائدات المادية وبلغة اقتصادية، بغض النظر عما عدا ذلك من مردودية إضافية أو مبدئية؛ وفي آخر الأمر، تبقى الميزانية المخصصة للشأن الثقافي، ناطقة أكثر من غيرها، بهذا الخصوص.
p في هذا الإطار تبدو وزارة الثقافة إدارة في غياب المشروع ،وهي إدارة تهتم بشؤون الموظفين إلى حد ما، مع ما يعيشه هؤلاء من مشاكل لها مجالها في العمل النقابي ، ويبدو المثقف غريبا في هذه المؤسسة التي يكفل لها الدستور الاهتمام بالشأن الثقافي وبالمثقفين في موقعهم الإبداعي والفكري . هل مجلس الثقافة اليوم ضرورة ينبغي تفعيل القوانين بشأنه؟
n لا مندوحة في أي شأن من شؤون المجتمع من إقامة مؤسساته المختصة، وفق منهجية تشاركية؛ والشأن الثقافي لا يمكن أن يمثل استثناء في ذلك، بل يبدو الأولى والأحوج من غيره، إلى إقامة مؤسساته، وبخاصة ما نص عليه الدستور الحالي، وسيكون ذلك تجسيداً لديموقراطية تشاركية تستقي توجهاتها العامة من ذوي الشأن والاختصاص قبل غيرهم.
وبطبيعة الحال فإن مؤسسات المجال الثقافي بطبيعة تشكيلها ومهامها، لا تتنافى مع أي جهاز تنفيذي، بل من شأنها أن تعطي مزيدا من الفعالية والمصداقية للجهة الوصية؛ فالأدوار محددة، وتتم عن طريق التعاون والتكامل من أجل المصلحة الثقافية العليا، علاوة على الرؤية الاستراتيجية المستقاة من الميدان وذوي الشأن والاختصاص.
p مبارك ربيع مشروع فكري وثقافي، ماهي العوائق التي اعترضتك وكيف تدبر أمورك وهمك الثقافي في غياب المأسسة التي أشرنا إليها؟
n يمكن القول إن التجليات الثقافية بمختلف ظواهرها، ليست نتاج جهاز مؤسسي، بما في ذلك الجهاز التنفيذي، وذلك رغم أن الثقافة تعتبر صناعة لها كل مقومات المنتوج الذي يمكنه أن يحمل علامة «Made in» إلا أنها صناعة معقدة، باعتبارها تتعلق بالكائن البشري في أهم ما يميزه، وتدخل فيها استجابته النوعية، وكذا تفاعلات عوامل كثيرة متداخلة؛ وبالتالي فإن ما ينتظر من الجهة الوصية في ميدان الثقافة، وكذا الأطراف المرتبطة مؤسسياً بهذا المجال من حكومية وغيرها، أن تعمل على توفير ما يلزم لتيسير الفعل الثقافي، وبخاصة اللوجستيك والفضاءات وأدوات التحفيز والترويج، وما إلى ذلك مما يعتبر خارجياً بالنسبة للإنتاج الثقافي، ولكنه ضروري.
من هنا يبدو الإنتاج الثقافي، وأخص به هنا العمل الإبداعي، يمثل مسؤولية صاحبه، لا أعني بذلك المترتبات والآثار المجتمعية الناجمة مباشرة أو بطريق غير مباشر كإشعاع أو تأثير مقصود أو غير مقصود، فهذا مجال آخر يرتبط بالحقوق والواجبات؛ وإنما أقصد إن المبدع في أي مجال ثقافي كان، وأنا أستحضر تجربتي في الكتابة، يكون هو المتحمل لمتطلباتها المادية والمعنوية من البداية إلى النهاية، وهي بالتالي تتم على حسابه من جميع النواحي.
والأكثر من كل هذا، في تجربتي الخاصة وتجربة الأجيال المماثلة، فقد كنا نمارس فعالياتنا الثقافية، لا بدون مساندة مؤسسية فحسب، بل خارجاً حتى عن التفكير في جهة تعتبر مسؤولة عن ذلك، أو يصح مطالبتها في هذا الشأن، إن لم يكن الأمر يتم في ظل عوامل معاكسة ومعرقلة على طول الخط، لمتطلبات الإبداع الثقافي؛ هذا واقع مختلف في الوقت الراهن، نظراً لمستوى التنظيم والتأطير النسبي، الحاصل في مؤسساتنا، مع ملاحظة جوانب القصور التي لا تزال واضحة.
ومهما يكن، وفي تجربتي الخاصة والتجارب المماثلة، يبقى الإبداع الثقافي اليوم، كما بالأمس، وحتى الغد بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم شأناً شخصياً وذاتياً إلى أبعد الحدود، في كافة جوانبه المعنوية والمادية، وفي غياب كل الضمانات لما يعتبر حقوقاً، رغم كل التعاقدات والنصوص والتشريعات في هذا المجال.
p ما هو جديد الأستاذ مبارك ربيع؟
n يتجه ذهني من هذا السؤال إلى إنتاجي في الإبداع الروائي على الخصوص، والسردي على وجه العموم؛ ويمكن القول إنني أسير في هذا الميدان بوتيرة ذاتية معلومة، أحاول أن أكون فيها متحرراً إلى حد كبير، من ضغوط ما تدعو إلى تغيير هذه الوتيرة أو العفوية الطبيعية إلى حد كبير، كما أحاول في هذا الخط الاستجابة لدواعي الرواية والقصة حسب المقتضيات، ولا سيما الفنية منها على وجه الخصوص؛ ولقد أصدرت خلال السنتين الأخيرتين روايتين هما «حب فبراير» و«خيط الروح»؛ وهذا التقارب في تاريخ الصدور أي توقيت النشر والتوزيع، لا يعني أنه كذلك في تاريخ الكتابة، وإنما يرجع ذلك لظروف موضوعية خارجية لا يد لي فيها، ولا تشير بالتالي إلى تغير في وتيرة إنتاجي بسبب عامل أو آخر.
ولعل السؤال فيما يبدو، يميل إلى الحديث، لا عن الجديد الذي صدر، وإنما عن الجديد الذي سيصدر، وهنا لا سر في البوح بأنني أشتغل على متن روائي جديد، كما أن لدي مجموعة قصصية جاهزة للنشر؛ بطبيعة الحال يستحسن الحديث بكيفية ما عن هذه الأعمال، وهو ما لا أدخل في تفاصيله كعادتي، لكن يمكن القول إن من يتابع إنتاجاتي الإبداعية السردية، يلاحظ علاقتها بمرجعية واقعية، في حدود ما هو روائي بطبيعة الحال، كما هو الحال مثلا، في مرجعية الربيع العربي في «حب فبراير» على سبيل المثال، أو مرجعية ما يسمى سنوات الرصاص في «خيط الروح» وغيرها من الأعمال؛ ومثل هذا المؤشر لن يكون غائباً فيما أشتغل عليه الآن، وهو ما لا يحتاج إلى تبرير، أكثر من أنني صنيع تربة وهواء وشمس وعلاقات مجتمعية وتطلعات ذاتية... مما لا بد أن يكون له انعكاس فيما أكتب، وهو ما أنا فاعل.
وأخيرا لعل السؤال يميل إلى استدراجي أيضاً، للبوح بأحداث العمل المقبل الجديد، أو بعض ملامحه الأساسية، وكذا عنوانه، وهو ما أعتذر عنه، وأتركه للقارئ حين صدوره أو الإعلان عنه في حينه.
p رسالتك للمثقفين وللمنظمات الثقافية المنخرطة في السؤال الثقافي اليوم؟
n أهم ما في الفعل والممارسة الثقافية مبدأ الحرية والتحرر، بما يجعل المثقف يعي بمسافة من الوعي، أبعاد ما يشتغل عليه أو يرتبط به؛ لا يعني ذلك أن موقفه هو الصواب، ولا يعني قدسية موقفه، باعتباره روحاً أو ضميراً أو طهرانية أو أي شيء أسطوري من هذا القبيل، وإنما يعني أنه يضمن أكثر ما يمكن من النزاهة الشخصية لرأيه، كمفكر يقف على مسافة مما يصف ويحلل؛ وبطبيعة الحال، لن يخلو الموقف من عناصر ذاتية؛ وهو هنا مع الفارق طبعاً أشبه ما يكون إلى حد كبير بالعالم المخبري فيما يتخذه من إجراءات لضمان الموضوعية إزاء ما يشتغل عليه، دون أن يخلو الأمر في النهاية خلواً تاماً من عنصر الذاتية.
إن قيمة الحرية والتحرر من الضغوط والتوجيهات القابلة والمفترضة على المثقف، بقدر ما تتوافر، بقدر ما تتيح الاطلاع على فكر وموقف مهما تكن صيغ تجلياته، فهو يتميز بالأصالة ونوعية الانتماء إلى صاحبه، وهو ما يكسب التميز والاختلاف وروح النقد، وهو بالتالي ناتج ثقافي هام، يخرج عن سياق المتشابه والمتعاضد والتابع من المواقف والآراء، التي تصدر تحت ضغوط نوعية، مادية ومعنوية، جمعية وفردية، خارجية عن ذات المثقف ووعيه الشخصي.
لا حاجة هنا إلى التأكيد على نسبية كل شيء، بما في ذلك حرية وتحرر المثقف، كما لا حاجة إلى التأكيد أن رأي المثقف بدوره، ناتج عن تفاعلات محيطية وذاتية مختلفة، لكن ذلك كله، إذ يتساوى الجميع في إمكانه وتفاعلاته، فإنه يترك الامتياز لصالح موقف المثقف وفكره.
ولا يختلف الأمر عن ذلك كثيرا في المفروض في المنظمات الثقافية، علماً بأنها مهددة أكثر ومعرضة بقوة، إلى التجمد والتحنط، إذا لم تفلح في التميز بمواقفها وإنجازاتها، ومسايرة المستجدات والحرص على التمثيلية الحقيقية، القائمة على السلوك الديموقراطي فردياً وجمعياً؛ وأخطر ما ينخر مثل هذه المنظمات، التنكر لمثل هذه المبادئ، واختزال وجودها في تجليات غير منتجة، تنحصر في المظهرية والنجومية التي لا طائل من ورائها، مما يسخر سبل احتوائها والالتفاف عليها، من مختلف التيارات المصلحية، رسمية حكومية كانت، أو محلية أو إقليمية أو دولية، أو غيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.