«عدم الوقوع في فخ العصبية والتوتر، هذا هو تخصصي! أنا مندهش من النتائج التي أحققها، ولكني أحاول ألا أعقد الأمور. إنني مثل الشاب اليافع الذي تغمره السعادة باللعب في دوري الدرجة الأولى». يرجع تاريخ هذه الكلمات إلى عام 2010 عندما أفصح يوسف العربي عن مشاعره وهو يجد لنفسه موطئ قدم بين نخبة كرة القدم الفرنسية، حيث كان يهز شباك الخصوم الواحد تلو الآخر بقميص كاين، النادي العزيز على قلبه، الذي كان قد تمكن للتو من الصعود لدوري الأضواء في فرنسا. واليوم، بعد مرور العديد من السنوات على ذلك، يواصل المهاجم المغربي العزف على نغمة الأهداف، حيث يُعتبر ابن التاسعة والعشرين لاعباً أساسياً مع فريقه في الدوري الإسباني، وركيزة من الركائز التي تقوم عليها نجاحات المنتخب الوطني في الآونة الأخيرة. وأكد يوسف في حديث حصري لموقع FIFA.com «ليس هذا ما سيجعل مني نجماً. فالنجم هو ذلك الذي يلعب في ناد كبير ويتنافس على بطولات كأس العالم ودوري أبطال أوروبا. أما أنا فأعتبر نفسي مهاجماً متواضعاً ولاعباً بسيطاً حظي بفرصة امتهان الرياضة التي يعشقها ويحبها حتى النخاع، وآمل في تمديد هذه المتعة لأطول فترة ممكنة. لا أقل وأكثر!» إلا أن الإحصاءات تُثبت أنه أكثر من مجرد مهاجم متواضع ولاعب بسيط. فمنذ موسم 2010 – 2011، لم ينزل العربي أبداً عن سقف 10 أهداف في الموسم، بل إنه أصبح هذا العام أسطورة من أساطير غرناطة، حيث بات يُعد أفضل هداف في تاريخ النادي الأندلسي الذي انضم إليه في 2012 بعد تجربة قصيرة في المملكة العربية السعودية، دامت عاماً واحداً بقميص الهلال. كما يملك متوسط أهداف مذهل مع المنتخب المغربي، الذي سجل له 15 هدفاً في 34 مباراة دولية. بيد أنه لا ينوي الوقوف عند هذا الحد، موضحاً أن هذه الحصيلة «لا بأس بها، ولكن إذا نظرنا إلى الأمر من وجهة نظر الإنجازات التاريخية والأرقام القياسية، فأنا ما زلت بعيداً عن سجل أحمد فرس، الذي أحرز 42 هدفاً مع الفريق الوطني.» ثم أضاف مازحاً «وبالنظر إلى رصيدي الذي يتمثل في هدف واحد في كل مباراتين، سيتعين علي الانتظار طويلاً والصبر كثيراً حتى أحقق ما حققه فرس. وإلى أن يحين وقت ذلك، سأكتفي الآن بالاستمتاع بنشوة التأهل لكأس الأمم الأفريقية. إنه إنجاز لا يُستهان به!» بل إنه إنجاز رائع في واقع الأمر، إذا أخذنا في الحسبان أن كرة القدم المغربية كانت تمر بفترة عصيبة نوعاً ما خلال العقدين الأخيرين، حيث فشل أسود الأطلس في التأهل لنهائيات كأس العالم منذ عام 1998، كما تم إقصاؤهم من البطولة الأفريقية الأخيرة التي كان المغرب سيستضيفها. فبعد مرحلة فراغ طويلة بحثاً عن الذات وعن دفعة معنوية جديدة، يبدو أن أبناء المملكة الواقعة في شمال إفريقيا قد وجدوا ضالتهم اليوم، منتشين بفوزهم على الرأس الأخضر ذهاباً وإياباً (0 – 1 و 2 – 0)، علماً بأن الخصم كان حينها الفريق الإفريقي الأفضل في التصنيف العالمي، ليصبح المغرب بهذا الانتصار أول منتخب يحجز تذكرته لعروس مسابقات القارة السمراء، التي ستستضيف الغابون نهائياتها القادمة عام 2017. وفي هذا الصدد قال العربي «ما يملؤني فخراً واعتزازاً ليس هو دخول تاريخ هذا النادي أو ذاك، أو أن أصبح أسطورة من أساطير المنتخب، بل أن أصبح بطل تلك القصة التي كنت أرويها لنفسي وأنا على فراش النوم في مرحلة الطفولة». وأوضح يوسف العربي أن «منتخبنا لم يفتقد إلى الموهبة أبداً، ولكن صحيح أن نتائجنا لم تكن تعكس ذلك لأسباب أعجز عن شرحها. بالتأكيد لم تكن التغييرات المختلفة في الجهاز الفني عاملاً مساعداً. على أي حال، نحن الآن نسير على الطريق الصحيح. فقد كان وصول المدرب الجديد أمراً إيجابياً للغاية،» في إشارة إلى تعيين هيرفي رينار على رأس المنتخب الوطني في فبراير 2016. ويَعتبر مهاجم غرناطة المدرب الفرنسي أهلاً لهذه المهمة وهو «الذي أثبت جدارته في إفريقيا، حيث فاز بلقب كأس الأمم مرتين مع بلدين مختلفين. وفي المغرب، لديه مجموعة جيدة من اللاعبين. لقد عملنا معاً بشكل جيد، لتتحقق النتائج المنشودة هذه المرة.» وبالفعل، لعب العربي دوراً هاماً يستحق عليه ثناء هيرفي رينار وجميع فعاليات المنتخب المغربي وعشاقه، وهو الذي سجل جميع أهداف الفوز ضد كتيبة القرش الأزرق، اثنان منهما كانا من نقطة الجزاء والآخر بضربة رأسية رائعة، مساهماً بذلك في تصالح الفريق الوطني مع أنصاره. وعلق يوسف على ذلك بالقول «لا يهم من يسجل، المهم هو تحقيق الفوز والتأهل. صحيح أن التأهل إلى كأس الأمم الأفريقية أمر جيد، ولكنه ليس إنجازاً في حد ذاته! إنه أمر واجب. آمل أن نذهب أبعد من ذلك بكثير. أتمنى الفوز بلقب البطولة القارية أو المشاركة في كأس العالم.» أضواء وصور تذكارية وفخر واعتزاز في انتظار ذلك، ينتشي العربي الآن بإنجازات أخرى، مثل حصوله على اللقب الفخري لأفضل هداف في تاريخ نادي غرناطة، أو حتى بإيجاد نفسه في دائرة الأضواء بعد المباريات جنباً إلى جنب مع عمالقة من طينة زين الدين زيدان وليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، حيث يعرض بكل فخر واعتزاز تلك الصور على حسابه في» أنستاغرام» مثل البطل الذي يتباهى بميدالياته. ويعتبر يوسف تلك اللحظات «مثل الألقاب. فقد كنت عاشقاً من عشاق كرة القدم قبل أن أصبح لاعباً. وبالنسبة لي، فإن اللقاء بأساطير كرة القدم مثل زيدان أمر رائع جداً. هذه الصور تحمل في طياتها ذكريات جميلة. فعندما أرى لاعباً أو مدرباً يعجبني ويُمتعني، حتى وإن كان خصمي لمدة 90 دقيقة، فما المانع من التقاط صورة معه؟» ففي نهاية المطاف يبقى العربي في الواقع «ذلك الطفل الذي تغمره السعادة للعب في الدوري الإسباني»، طفل نجح بكل بساطة في تحقيق حلمه والذي لا يسعى سوى لتمديد هذا الحلم الجميل لأطول فترة ممكنة، مستحضراً ذكرياته بالقول «عندما كنت صغيراً، كنت واحداً من جامعي الكرات بملعب دورنانو في كاين. كنت أتخيل نفسي في مكان أولئك اللاعبين الذين كنت أعشقهم وأرى فيهم مثلي الأعلى، حيث كنت أتوسل إليهم طالباً قمصانهم في نهاية المباريات، ولكن دون جدوى في كثير من الأحيان. واليوم، لا شيء يجعلني أكثر سعادة من إهداء قميصي لأحد جامعي الكرات...» ثم ختم بالقول «ما يملؤني فخراً واعتزازاً ليس هو دخول تاريخ هذا النادي أو ذاك، أو أن أصبح أسطورة من أساطير المنتخب، بل أن أصبح بطل تلك القصة التي كنت أرويها لنفسي وأنا على فراش النوم في مرحلة الطفولة.»